الاستخبارات الوقائية جوهر أمن المؤسسات

أمام الأخطار المتزايدة التي أضحت تهدد المؤسسات بحكم تنامي التجسس التجاري صار لزاما التفكير في استباق التهديدات باعتماد الذكاء الوقائي، الذي من عناصره التفكير السليم وممارسة الوعي وفهم البيئة كعوامل أساسية لمنع الحوادث الأمنية. وفي هذا الإطار يقدم سكوت ستيوارت، الخبير بمركز ستراتفور للدراسات الأمنية والإستراتيجية، قراءة لأهمية الذكاء الوقائي وجملة الوظائف التي يوفرها، خصوصا الحد من التهديدات المحتملة وتقييمها ومراقبتها، فضلا عن التنبؤ بالاتجاهات في التكتيكات والأفكار.
واشنطن - في الجيش الأميركي، يشير مصطلح "ابق على يسار الكارثة" إلى تعطيل فاعلية العناصر الخبيثة قبل أن تتمكن من بناء قنبلة. وفي حين أن نزع فتيل القنابل قد لا يكون مصدر قلق كبير للمؤسسات، إلا أن القنابل المجازية التي تتخذ شكل التجسس والإرهاب والسرقات من الممكن أن تُسبّب أضرارا جسدية ونفسية ومالية وسمعة خطيرة.
لدرء هذه الأخطار يعتبر سكوت ستيوارت، الخبير بمركز ستراتفور للدراسات الأمنية والإستراتيجية، أنه لا يكفي أن يكون "الجنود" مستعدين لمجابهة أي هجوم، بل يجب أن يكون أفراد المؤسسات مدربين تدريبا جيدا على الاستجابة السريعة والفعالة للحادث الأمني.
ويشير ستيوارت إلى أنه من الأفضل دائما تجنب أي خطر أو منعه تماما، وهو بالضبط التوقيت الذي تتدخل فيه فرق وبرامج حماية المخابرات من خلال إتباع التدابير الأمنية الاستباقية اللازمة لمساعدة الشركات والمؤسسات على الابتعاد عن الأذى.
العقلية الأمنية
يقول ستيوارت إن الرضا والإنكار هما مجرد عاملين يؤديان غالبا إلى حدوث كارثة، وهذه الحقيقة تنطبق على الشركات والمؤسسات بقدر ما تنطبق على الأفراد. تتمثل الطريقة الأولى، التي يمكن لفريق الاستخبارات الوقائي من خلالها مساعدة المؤسسة على تجنب هذه المآزق، في ضمان تبني موظفي الأمن والموظفين الآخرين الأفكار الصحيحة بشأن المخاطر والتهديدات.
ويكشف ستيوارت أن العقلية الأمنية الصحيحة تتلخص في ثلاثة عناصر أساسية، وهي الاعتراف بوجود تهديدات، وقبول مسؤولية حماية الأفراد والأصول والملكية الفكرية من هذه التهديدات، والإرادة لاستخدام أي أدوات تكون تحت تصرف المؤسسة لتوقع وتخفيف المخاطر التي تنشأ من مختلف الجهات الفاعلة.
الذكاء الوقائي يخدم الوظائف المتمثلة في التحقيق في التهديدات المحتملة وتقييمها
وعندما تقرر شركة أو مؤسسة إنشاء فريق أو وظيفة للاستخبارات الوقائية، فهذا مؤشر واضح على أن القيادة تدرك هذه العقلية والحاجة إلى اتخاذ إجراءات لتحديد التهديدات بشكل استباقي والتعامل معها.
ويشير إلى أنه عند تثقيف الموظفين بشأن ماهية التهديدات، فإن أحد المفاهيم الأساسية التي يمكن أن تعلّمها فرق الاستخبارات الوقائية للموظفين هو أن الهجمات لا تحدث من فراغ. كل نوع من أنواع الهجوم يتطلب دورة تخطيط، سواء كانت دورة هجوم إرهابي، أو دورة تخطيط إجرامي أو دورة تجنيد استخبارات بشرية.
ولا يساعد تثقيف موظفي الأمن والموظفين الآخرين في المؤسسة بشأن دورات الهجوم هذه -وكذلك السلوكيات المرتبطة بها والنقاط التي يكون فيها المهاجمون عرضة للكشف- الجميع فقط على فهم التهديدات الأساسية الموجودة هناك، وإنما يساعد أيضا على اكتشاف تلك التهديدات والإبلاغ عنها، باعتبار أن جعل كل موظف، بدءا من موظفي التنظيف حتى الرؤساء التنفيذيين، قادرا على اكتشاف التهديدات المحتملة في وقت مبكر يعمل على خلق عملية أمنية أكثر نشاطًا واستباقية.
الوعي بالأوضاع
تقدم فرق الاستخبارات الوقائية أيضا عنصرا وقائيا مهما لضمان التزام المؤسسة بمبدأ الوعي بالأوضاع، والذي يعد بمثابة العامل الرئيسي المضاد للرضا عن الذات والإنكار والتشتيت. وفي الأساس، يعني الوعي بالأوضاع إدراك ما يجري حولك وتحديد التهديدات المحتملة والمواقف الخطرة.
وعندما يتعلق الأمر بالشركات والمؤسسات، يساعد موظفو المراقبة في مركز العمليات الأمنية على توفير البعض من هذا الوعي من خلال فحص المكالمات الهاتفية واللاسلكية ومقاطع الفيديو، بالإضافة إلى فحص موجزات الأخبار أو موجزات المعلومات الاستخباراتية. ومع ذلك، فإن معظم هذه الإجراءات تتضمن أيضا الاستجابة ثم اتخاذ الإجراءات بناء على جزء من المعلومات التي يتم تلقيها.
تؤدي فرق الاستخبارات الوقائية وظيفة مهمة لزيادة الجهود التفاعلية من خلال المساعدة على توقع الأحداث بواسطة الذكاء والتحليل والتنبؤ. يمكن أن يشمل ذلك تحذيرا من أن مجموعة من الناشطين قد تخطط لاستهداف مؤسستك مباشرة، بالإضافة إلى توفير معلومات حول التكتيكات التي من المحتمل أن تستخدمها المجموعة أثناء قيامها بمراقبة ما قبل العملية. يمكن لفرق الاستخبارات الوقائية أيضًا مشاركة إشعارات "كن حذرا" مع موظفي الأمن الذين يمكنهم التعرف على نشطاء من المرجح أن يقوموا بعمل مراقبة لمؤسستك.
وهناك مثال آخر يتمثل في تحليل خط سير المدير التنفيذي من المنزل إلى العمل لتحديد النقاط والمواقع المحتملة للهجوم والمواقع التي من المرجح أن يتم فيها إنشاء مراقبة من الطرف المعادي، ثم نقل هذه المعلومات إلى فريق الحماية التنفيذي حتى يتمكن من إيلاء تلك المناطق أثناء تحركات المجموعة اهتماما إضافيا.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للفريق الذي يمتلك خبرة الشارع إجراء مهام الكشف عن أعمال المراقبة أو إجراء مهمة مضادة لهذه المراقبة، فضلا عن التحقيق في المركبات المشبوهة أو الأفراد الذين يصادفهم أثناء التنقل أو حول المنشآت والأحداث وتقييمها وتقديم الملاحظات بشأنها.
ويشير إنشاء فريق أو وظيفة للمخابرات الوقائية بوضوح إلى أن قيادة الشركة تدرك الحاجة إلى تحديد التهديدات ونزع فتيلها بشكل استباقي.
أدوات استباقية
يلفت سكوت ستيوارت إلى أن توفير أدوات استباقية للمساعدة على زيادة الوعي ينطبق أيضا على تهديدات الأمن الداخلي، حيث بعد كل هجوم عنيف تقريبا في مكان العمل، من المحتم أن يعرف شخص ما في مكان ما أن المهاجم يمثل تهديدا ولكنه إما أن يختار تجاهله أو إنكاره، أو، إذا تم الإبلاغ عنه، فكل من تلقى المعلومات قرر عدم تخصيص موارد كافية للتحقيق الكامل مع المشتبه فيه.
ومع ذلك، يمكن لفريق استخبارات وقائي قوي أن يساعد على التحقيق في مثل هذه التقارير وتقييمها لمنع التهديدات قبل وقوعها. ويتطلب هذا أولا إنشاء حلقة توعية يمكن بموجبها لبقية القوى العاملة -وخاصة أعضاء فرق الأمن والموارد القانونية والبشرية للشركات- تحديد المشكلات المحتملة لفريق الاستخبارات الوقائية لبدء التحقيق فيها ثم تقييمها.
وتلعب فرق الاستخبارات الوقائية أيضا دورا مهما في المساعدة على تدريب موظفي الأمن على اكتشاف الحالات الشاذة في البيئة المحيطة بأفراد أو منشآت شركتك. وفي هذا، تتمثل الخطوة الأولى في تطوير فهم أساسي لما هو "طبيعي" حول المنطقة المعنية، بما في ذلك الأشخاص والإيقاع والدورة اليومية للأحداث والسلوك.
يؤكد ستيوارت أنه بهذه الطريقة يمكن اكتشاف أي شيء خارج القاعدة بسهولة. وغالبا ما يفتقر المجرمون والأفراد المصابون باضطرابات عقلية وحتى الإرهابيون إلى مهارة مراقبة قوية ولديهم غطاء ضعيف للقيام بالفعل.
وهذا يعني أنهم يظهرون في الكثير من الأحيان سلوكًا سيئا أثناء إجراء المراقبة قبل الهجوم، مما يجعلهم ينحرفون بسهولة عن خط البيئة الأساسي.
ويشير الخبير بمركز ستراتفور للدراسات الأمنية والإستراتيجية إلى أنه يجب أن يشتمل خط البيئة الأساسي أيضا على بعض الأبحاث والتحليلات العامة حول اتجاهات الجريمة وتاريخها لفهم الأنشطة الإجرامية المحددة المتأصلة في المنطقة، وكذلك متى وأين وكيف تحدث. يمكن بعد ذلك استخدام هذه المعلومات للمساعدة على تقييم ما إذا كانت أصول الموظفين أو الشركات عرضة لأنواع التكتيكات التي ينشرها المجرمون عن قرب.
ويمكن استخدام نفس المبدأ لإنشاء تقييمات لمخاطر تهديدات الشركات المحتملة الأخرى، بما في ذلك العنف في مكان العمل والإرهاب والنشاط والتجسس. يمكن لفرق الاستخبارات الوقائية أيضًا إطلاع المسافرين من الشركات أو فرق الحماية التنفيذية على جميع البيئات المختلفة التي قد يواجهونها أثناء السفر حتى يتمكن الموظفون من الاستعداد للحالات الأمنية المختلفة بشكل كبير، على سبيل المثال مونتيري – كاليفورنيا، أو مونتيري – المكسيك.
ومن خلال تحليل الهجمات السابقة والحوادث الأمنية، يمكن لفرق الاستخبارات الوقائية استخلاص قدر كبير من الذكاء العملي الذي يُمْكنها بعد ذلك أن تقوم بمشاركته مع أعضاء آخرين في مؤسستك أيضًا.
ويشدد ستيوارت على أنه يجب أن يكون هذا التحليل دقيقا في تحديد أولويات "كيفية حدوث" الهجمات السابقة، بدلا من التركيز فقط على "من وماذا وأين ومتى ولماذا". ومن خلال دراسة التكتيكات والأفكار المستخدمة في حادثة أو هجوم وعملية التخطيط اللازمة للإنجاز، يمكن لمحللي الاستخبارات الوقائية مساعدة مديري الأمن على فهم عملية التخطيط، وتحديد الأماكن خلال تلك العملية التي يكون فيها المهاجم عرضة للكشف.
كما أن التركيز على الكيفية يساعد أيضا على تحديد الاتجاهات الحديثة في التكتيكات والأفكار. ومراعاة هذه الاتجاهات تسمح لمديري الأمن بإجراء تغييرات على سياساتهم وإجراءاتهم الأمنية وحتى معداتهم لردع أي هجوم مماثل مستقبلي موجه ضد الأشخاص والمرافق التي يتحملون مسؤولية حمايتها. ويمكن أن يساعد تقديم التحليلات حول التكتيكات والأفكار فرق الحماية التنفيذية وموظفي الأمن الآخرين.
ومن خلال تتبع اتجاهات التهديد، يمكن لمحللي الذكاء الوقائي التنبؤ بكيفية تطور هذه الاتجاهات وأنواع التكتيكات التي قد تأتي بعد ذلك.
هذا يمكن أن يساعد مديري الأمن ليس فقط على الاستجابة لهذه الاتجاهات، وإنما يساعدهم أيضا في مجالات أخرى مثل عمليات وضع الموازنة والتخطيط. وهذه -إلى جانب التحقيق في المخاطر وتقييمها، ورصد المشاكل المحتملة، وتثقيف بقية موظفي الأمن والقوى العاملة بشأن جميع النتائج التي توصلوا إليها- هي الطريقة التي تُمكّن فريق المخابرات الوقائية من مساعدة المؤسسة على نزع فتيل التهديدات والبقاء "يسار الكارثة".