السمنة مرض الفقراء

يرصد البنك الدولي ارتفاعا في نسبة السمنة في صفوف الطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل نظرا لأسلوب تغذيتها الذي يرتكز على الدهون المشبعة والعيش تحت ضغط معيشي مرتفع، مما يزيد من احتمال إصابتها بأمراض السكري وضغط الدم ويفاقم العبء المطروح على النظم الصحية لبلدانها.
تونس – خلص تقرير جديد صادر عن البنك الدولي إلى أن زيادة الوزن والسمنة يعتبران تحديا عالميا وشيكا خاصا بالفقراء ومن يعيشون في البلدان ذات الدخل المنخفض أو المتوسط مما يبدد الأسطورة القائلة إنها مشكلة فقط في البلدان مرتفعة الدخل.
وأشار التقرير الصادر بعنوان “السمنة: التبعات الصحية والاقتصادية للتحدي العالمي الوشيك” إلى تضاعف حالات السمنة ثلاث مرات منذ العام 1975، مؤكدا أنها تشكل الآن 4 ملايين وفاة كل عام في جميع أنحاء العالم. وأن أكثر من ملياري شخص بالغ، في العام 2016، كانوا يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، يعيش أكثر من 70 في المئة منهم في بلدان ذات دخل منخفض أو متوسط.
وأرجع التقرير ارتفاع معدلات السمنة إلى سهولة الحصول على الأطعمة المصنّعة والسكرية، وانخفاض النشاط البدني المرتبط بالتقدم التكنولوجي الذي يساعد العمال ويساعد في خفض أعباء أعمال المنزل، وزيادة استهلاك الأطعمة غير الصحية المرتبطة في كثير من الأحيان بزيادة الثروة والدخل، وهو ما أكّده أيضا خبراء الصحة الذين أشاروا إلى أن العوامل الجينية لا تفسّر انتشار السمنة في العقدين الأخيرين نظرا لأنها لا تتغير بسرعة.
وقال الخبراء إن تغير خصائص الغذاء في المناطق الحضرية والريفية، تماشيا مع التغيرات التكنولوجية التي تحدث في الصناعات الغذائية، وراء انتشار السمنة في العقدين الأخيرين. وأشاروا إلى أن التأثير الضار لهذه التغييرات يتمثل في زيادة الأطعمة المصنعة الرخيصة ذات نسب الدهون العالية مع المزيد من السكر والملح.
واعتبروا أن تصنيع الأغذية يفقدها بعضا من الفيتامينات والألياف والمعادن وأن تناولها بشكل مستمر يعمل على رفع الصوديوم في الدم مما يقوي احتمال الإصابة بضغط الدم أو السكتات الدماغية.
بدورها، أشارت سيسيليا البالا المتخصصة في معهد التغذية وتكنولوجيا الغذاء في جامعة تشيلي إلى أن أحد أهم أسباب السمنة هو نقص التغذية قبل الولادة ثم في مرحلة الرضاعة وما يعقبه من تعرض للأنظمة الغذائية الغنية بالدهون والتي لا تحتوي على المغذيات الدقيقة الكافية.
ونبهت دراسة بعنوان “الفقراء أكثر سمنة” إلى كيفية قضاء الطعام الرديء على صحة الفقراء. وبينت أن الفقراء عموما يفضلون استثمار مواردهم القليلة في السلع المادية وليس في ما يتعلق بالصحة وأنهم يتناولون طعاما ذا قيمة غذائية محدودة ويقبلون على شراء منتجات ذات جودة منخفضة، وأن من بين عاداتهم مكافأة أطفالهم بالطعام غير المفيد وزيارة محلات الوجبات السريعة. كما أنهم يواجهون مزيدا من الضغوط والإجهاد ومشكلات النوم.
كما بينت ذات الدراسة أن المخبوزات والحلويات تصبح بديلا أرخص لدى الكثيرين رغم أنها تنتج الطاقة الفائضة أو ما يعرف بالسعرات الحرارية الفارغة التي تتميز بمحتوى الطاقة نفسه الموجود في السعرات الحرارية الأخرى لكنها لا تحتوي على القدر نفسه من الفيتامينات والمعادن وهو ما ينتج زيادة في الوزن يصاحبها سوء تغذية.
كما تهدد السمنة الأطفال في المراحل الأولى من أعمارهم وهو ما أشار إليه تقرير نشر في أكتوبر عام 2019، مؤكدا أن أكثر من 250 مليون طفل ومراهق سيعانون من السمنة المفرطة بحلول العام 2030.
من جهة أخرى، حذر التقرير من العبء المطروح على النظم الصحية حيث ستصبح غالبيتها غير قادرة على التعامل مع الطلب المتزايد على عقاقير السكري وجراحة إنقاص الوزن.
وكذلك يعاني أغلب مرضى السمنة من الأمراض النفسية ويحتاج علاجهم إلى تدخل ومشاركة متخصصين من ميادين مختلفة كمستشاري وأخصائي التغذية وعلماء النفس والمشرفين الاجتماعيين والأطباء، وهو ما يطرح تحديات على البلدان الغنية والفقيرة على حد السواء.
وتوقع تقرير البنك الدولي أن يصل إجمالي تكلفة السمنة في البلدان النامية إلى سبع تريليونات دولار خلال الخمسة عشر عاما القادمة مؤكدا أن التكاليف لا تقتصر على الرعاية الصحية فقط، بل أيضا التكاليف غير المباشرة الناجمة عن انخفاض إنتاجية العمل والتغيب عن العمل والتقاعد المبكر وغير ذلك، والتي سيتحملها المجتمع والأفراد.
وعلى سبيل المثال، قدرت إحدى الدراسات زيادة التكاليف غير المباشرة للوزن الزائد أو السمنة في الصين من 3.6 في المئة من إجمالي الناتج القومي عام 2000 إلى 8.7 في المئة من إجمالي الناتج القومي عام 2025.
وتظهر الأبحاث أن تكلفة الاستثمارات الحالية في إجراءات التدخل الفعالة يمكن أن تنقذ حياة 8.2 مليون شخص في البلدان الفقيرة وتحقق 350 مليار دولار من الفوائد الاقتصادية بحلول عام 2030. وهذا يعادل استعادة 7 دولارات لكل شخص عن كل دولار مستثمر.
وقالت أنيت ديسكون، نائبة رئيس البنك الدولي للتنمية البشرية، “إن الحد من زيادة الوزن والسمنة هو منفعة عامة عالمية ستسهم معالجتها بشكل استباقي إسهاما ملموسا في بناء رأس المال البشري وضمان ارتفاع النمو الاقتصادي والحفاظ على قوة عاملة تتمتع بالصحة ومؤهلة لمستقبل مثمر”.
و دعا خبراء إلى التعامل مع السمنة على أنها مشكلة اجتماعية وليست مشكلة تتعلق بالفرد أو الأسرة، معتبرين أن التعامل معها باعتبارها مشكلة اجتماعية سيخلق فارقا في وضع حلّ فعّال لها. وأكدوا ارتباط المشكلة بالأولويات السياسية والمساواة الاجتماعية أكثر من ارتباطها بعادات الأفراد.
واعتبروا أن السمنة ترتبط بالبطالة والفقر وانخفاض مستويات التعليم والتوتر والاكتئاب وفقدان التماسك الاجتماعي، وهو ما يتطلب تغييرا كبيرا في السياسات الاجتماعية لكي لا تتفاقم المشكلة على حدّ قولهم.