عمال المغرب في متاهة نزاع رجال الأعمال والنقابات

كشف تصعيد المواجهة بين تجمع لرجال الأعمال والنقابات العمالية في المغرب عن تحديات جديدة أمام محاولات السلطات دعم سوق العمل في القطاع الخاص، المساهم الرئيسي في برامج التنمية وتوفير فرص العمل لجيوش العاطلين.
الرباط - يشهد سوق العمل المغربي معركة شاقة لاحتواء تداعيات الصراع بين لوبي يهمن على القطاع الخاص ونقابات ضعيفة عاجزة عن استرداد حقوق الملايين من العمال.
وبلغ هذا الصدام المتجدد مؤخرا ذروة جديدة، في وقت تسعى فيه الحكومة لتعزيز البيئة الاستثمارية باعتبارها محورا استراتيجيا لتعزيز مستويات النمو الاقتصادي بشكل مستدام.
وجاء ذلك بعد تزايد انضمام رجال الأعمال المغاربة إلى تجمع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي يمثل القطاع الخاص أمام السلطات الحكومية، ويحدد مصير جزء كبير من العمالة في البلاد.
ويعرف الاتحاد باسم “الباطرونا”، وهو أكبر تجمع للشركات يمثل نحو 90 ألفا من أرباب العمل، ويقول إنه “يسهر على ضمان بيئة اقتصادية مشجعة لنمو الشركات المغربية”.
في المقابل، توجد نقابات يفترض أنها تدافع عن حقوق العمال، يتجاوز عددها 20 نقابة، إلا أن 5 منها فقط هي الأكثر تمثيلا، وتسمى بالمركزية.
ويشير بعض المراقبين للشأن الاقتصادي إلى ضعف النقابات وعدم قدرتها على الدفاع عن مطالب العمال، في ظل قوة اتحاد رجال الأعمال والشركات في الدفاع عن مصالحهم أمام مؤسسات الدولة.
سوق العمل المغربي
- 93 في المئة من الشركات صغيرة ومتوسطة وصغيرة جدا
- 9.4 في المئة معدل البطالة
- 538 دولارا متوسط أجور القطاع الخاص
- 280 دولارا الحد الأدنى للأجر بالقطاع العام
- 26 ألفا عدد الوظائف الجديدة التي يخلقها الاقتصاد سنويا
وتشير أرقام مندوبية التخطيط إلى أن بنية الشركات بالمغرب، تتكون من 93 في المئة من الشركات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة.
وتمثل الشركات الصغيرة نحو 64 في المئة من إجمالي شركات القطاع الخاص، مقابل 29 في المئة للشركات المتوسطة، فيما تمثل الشركات الكبرى حوالي 7 في المئة من مجموع الشركات.
ويتركز ثلثا الشركات المحلية في ثلاث جهات رئيسية هي الدار البيضاء والرباط وطنجة، إلى جانب 12 جهة أخرى، تسعى الحكومة لتعزيز التنمية فيها وفق استراتيجية يقودها العاهل المغربي الملك محمد السادس.
ويقول خبراء إن مسألة الأجور، باعتبارها المحور الأساسي في حقوق العمال، هي نقطة الصدام الأولى بين لوبي رجال الأعمال والنقابات العمالية.
ورغم إطلاق المغرب في عام 1959 الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو مؤسسة حكومية مهمتها ضمان الأمن الاجتماعي للعمال في القطاع الخاص، لكن يبدو أنه لا يزال بعيدا عن القيام بدوره على النحو المطلوب.
ويفرض الصندوق، الذي يشتغل تحت وصاية وزارة الشغل المغربية، نظاما إلزاميا للضمان الاجتماعي لفائدة عمال القطاع الخاص.
وذكر الصندوق في نوفمبر الماضي على موقعه الإلكتروني أن عدد العمال المصرح بهم لديه، يبلغ أكثر من 3.47 مليون شخص وأن فاتورة أجورهم السنوية تبلغ قرابة 147.8 مليار درهم (15.34 مليار دولار).
وأشار إلى أن نحو 38 في المئة من الأجور المصرح بها بنهاية 2018، تقل عن الحد الأدنى للأجور، الذي تحدده الدولة، مقابل 14 في المئة فقط تفوق 6 آلاف درهم شهريا (622 دولارا).
ويصل الحد الأدنى للأجر حاليا في المغرب إلى 2.7 ألف درهم (280 دولارا)، بعدما كان 2.6 ألف درهم (268 دولارا) قبل ثلاثة أشهر، حيث ارتفع بقرار للحكومة اتخذته في أبريل الماضي باتفاق مع النقابات.
وبلغ متوسط الأجر الشهري لعمال القطاع الخاص، المصرح به في عام 2018 نحو 5.2 ألف درهم (538 دولارا)، مقابل 5.1 ألف درهم (529 دولارا) في 2017.
وبحسب دراسة لمندوبية التخطيط نشرتها في وقت سابق، فإن نسبة كبيرة من العاملين تشتغل في وظائف غير مستقرة وترتفع النسبة أكثر لدى النساء.
وأشارت الدراسة إلى أن 31 في المئة من العاملين مصرح بهم على الأقل بنحو 156 يوم عمل، وهو ما يعادل 6 أشهر من العمل، مقابل 25 في المئة فقط منهم مصرح بهم على طول السنة.
ويعتبر قطاعا الزراعة والصناعة من القطاعات الرئيسية للعمل في المغرب، وهما ذوا امتداد واسع، ويحظيان بدعم من برامج التأهيل والتدريب في معظم جهات الدولة.

وأظهر تقرير لمكتب الدراسات جوبورد روكروت، نشر في أبريل الماضي، أن الشركات المغربية، لا تهتم كثيرا بتحسين ظروف ومحيط العمل، ولا تضع أي مخططات لضمان شروط العمل.
وأوضح الخبراء الذين أعدوا التقرير أن 54 في المئة من العمال الذين شملتهم الدراسة، قالوا إن عملهم في الشركات يشكل مصدرا رئيسيا لهم، بينما قال 12 في المئة إنهم يعانون من التعب المزمن.
ويقدم مكتب جوبورد روكروت، المتخصص في إدارة الموارد البشرية، الاستشارات للشركات والباحثين عن فرص العمل، ولديه فروع في المغرب وتونس و13 دولة أفريقية.
ويسود شعور بالإحباط داخل أوساط العاملين في العديد من الشركات المغربية، نتيجة الافتقار إلى الحوافز ووسائل العمل الكافية داخل مؤسساتهم التي يعملون بها.
وأظهرت دراسة جوبورد روكروت أن 72 في المئة من العاملين في القطاع الخاص يتوجهون إلى مقرات عملهم رغما عنهم، لعدم وجود أي آلية تتيح لهم تطوير مسارهم المهني.
وأشارت الدراسة التي شملت 1926 من العاملين في القطاع الخاص إلى أن “غياب التحفيزات المادية يشكل أحد العوامل الأساسية التي تتسبب في انتشار الشعور بالإحباط المهني”.
وتقول المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، إن معدل البطالة في البلاد، بلغ خلال الربع الثالث من 2019، نحو 9.4 في المئة مقارنة مع 9.3 في المئة خلال نفس الفترة من العام السابق.
الباطرونا أكبر تجمع للشركات في المغرب يضم 90 ألف شركة في صراع مع 20 نقابة منها خمس نقابات تعد الأكثر تمثيلا
وصنف تقرير لمنظمة أوكسفام في العام الماضي، المغرب بين أكثر بلدان شمال أفريقيا معاناة من الفوارق الاجتماعية.
وأشار إلى أن ثلاثة في المئة من المغاربة الأكثر ثراء يملكون 4.5 مليار دولار، بينما يعاني قرابة 1.6 مليون مواطن من الفقر، من أصل 35 مليونا هم عدد سكان البلاد.
وحملت تقارير البنك الدولي حول ضعف دور القطاع الخاص، انتقادات لخطط الإصلاح الاقتصادي، التي تنفذها الحكومة لتوسيع آفاق سوق العمل ومواجهة تحديات البطالة.
وأشار البنك في تقرير نشره في أغسطس الماضي، إلى أن الاقتصاد المغربي سجل أداء مخيبا بعد أن ارتفع عدد الذين يدخلون سوق العمل سنويا إلى 270 ألف شخص، في حين أن الاقتصاد لا يوفر سوى 26 ألف فرصة عمل جديدة سنويا.
ومع ذلك، تراهن الحكومة على برنامج موسع أطلقته قبل أشهر، يتمحور بالأساس حول انشار منصات للمهن والكفاءات في كافة جهات البلاد لمواجهة تحديات البطالة عبر توفير فرص عمل جديدة وتعزيز مستويات النمو.