دعوة صريحة للزواج

كلما وجدت شابا يعزف عن الزواج ويقدم المبررات المعتادة من غلاء المعيشة وغطرسة الزوجة ومتاعب الأطفال، أنصحه بتغيير نظرته والإسراع بالزواج طالما لديه الحد الأدنى من الإمكانيات التي تساعده، لأن مصلحته ومصلحة العمل يقتضيان ذلك.
اعتاد البعض أن يرمقونني بنظرة بها الكثير من التعجب والشفقة أحيانا، ويطلبون تفسيرا واحدا مقنعا لهذه الخطوة الجريئة، فأضطر أحكي لهم قصة المفكر المصري الراحل السيد ياسين، والتي جعلتني شخصيا أتخلى عن موقفي المتحفظ وأعجل بالزواج، عندما كنت باحثا في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في بداية حياتي العملية، وكان يرأسه ياسين في حينه، وفتح معي فجأة موضوع الزواج.
عرف أنني لم أتزوج، ولم أقل له لضيق الحال، لكن بالغت في الحديث عن حرصي على العمل وتجنب أي شيء يقف حائلا أمام طموحاتي المهنية. دفعني الرجل دفعا إلى الإقدام على هذه الخطوة ولا أتردد لحظة، وحرّضني بكل ما أوتي من منطق اجتماعي وبلاغة فكرية. لم يفلح معي في البداية، حتى تطرق إلى نقطة أو قاعدة لم تخطر على بالي وقتها، وهي أن الزواج به مصلحة مزدوجة، شخصية وعملية.
فإذا كنت سعيدا وهانئ البال سوف تصبح معنوياتي مرتفعة وربما تصل إلى عنان السماء وأمضي وقتا طويلا في العمل بلا كلل أو ملل وأتحصل على مزيد من المال لإسعاد أسرتي الصغيرة التي ستكون فرحة بالمكان الذي أعمل فيه ويوفر دخلا مناسبا للمعيشة.
أما إذا كنت تعيس الحظ ولم يحالفني حُسن الاختيار سأهرب من ضغوط الزوجة ومتاعب المنزل إلى العمل أيضا وتجاهل الهموم والمشكلات اليومية وأتحصل أيضا على مزيد من المال الذي يعوض جزءا من النكد الزوجي، ويمكن أن يكون مدخلا لإصلاح الأحوال لاحقا.
ظل الأستاذ ياسين يردد هذه العبارة كثيرا، وكادت تتحول إلى شعار عند المقربين منه في مركز الأهرام الذي كان عدد من العاملين فيه يعزفون عن الزواج، بذريعة التفرغ للبحث والدراسة والابتعاد عن المنغصات الزوجية التي حسبوا أنها عائق رئيسي أمام مسيرتهم العلمية، ولم يدركوا حكمة رئيسهم الذهبية.
تبدو هذه النصيحة فرصة جيدة لكل صاحب عمل الآن، كي يساعد العاملين لديه ماديا ويحل واحدة من مشكلات الشباب والفتيات العازفين عن الزواج، لأنه سوف يربح هو في النهاية ويضمن أن عمله يسير بوتيرة مستقرة وهادئة. حيث يأتي الموظفون والموظفات إليه وتعلو وجوههم ابتسامة رضا للمكان الذي تحول إلى منقذ من العسف، وملهم لمزيد من المال.