انهيارات غير مسبوقة في الأحزاب العراقية

غطت الأحداث التي عصفت بالعراق، في الآونة الأخيرة، واختيار إيران والولايات المتحدة أرضه للصراع عليها، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية بنحو غير مسبوق، على مظاهر الانهيار والتصدع في بناء الأحزاب، التي استولدها الغزو الأميركي للعراق واستولت على السلطة، منذ احتلال البلاد سنة 2003.
أبرز مظاهر التصدع ظهرت على التيار الصدري، الذي يتزعمه رجل الدين مقتدى الصدر، والذي عالجه، كما يبدو، بالطريقة التي عالج بها أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصرالله، مظاهر معارضة حزبه، حيث ظهر منتقدو الحزب، وهم يعلنون اعتذارهم، على شاشات التلفزيون، لتجاسرهم على (سيد المقاومة)، وقد حدث الشيء نفسه في العراق، حين ظهر على شاشات التلفزيون من سبق وأن أعلن انشقاقه عن التيار الصدري، ومنهم قادة في التيار، معلنين اعتذارهم وطلبوا التوبة من “السيد القائد”.
وقبل ذلك شهد المجلس الأعلى الإسلامي، الذي كان يتزعمه عمار الحكيم، انشقاقا نتج عنه ما سمي بتيار الحكمة، قاده الحكيم نفسه، بينما ظل القادة التقليديون للمجلس الأعلى الإسلامي على مجلسهم.
وخلال تصاعد الحراك الشعبي الأخير في العراق شهد حزب الدعوة، الذي يتزعمه رئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي استقالات جماعية، غير مسبوقة، من مجلس شورى الحزب، إذ قدم العديد من أعضاء مجلس شورى حزب الدعوة الإسلامية استقالاتهم اعتراضا منهم على الأداء الفردي للأمين العام للحزب نوري المالكي، فيما أبدوا امتعاضهم من عدم فعالية مجلس الشورى، وتلقيه القرارات الجاهزة.
كان من أبرز المستقيلين محمود الميالي وفاضل الشرع، ومن المقاطعين عبدالحليم الزهيري وصادق الركابي، الملقب أبومجاهد، بالإضافة إلى القيادي وليد الحلي والشيخ عبدالزهرة البندر والوكيل الأقدم لوزارة الداخلية عقيل الطريحي، فضلا عن رئيس الحكومة العراقية السابق، حيدر العبادي، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق، علي الأديب، والنائب السابق علي العلاق والقيادي البارز في الحزب والمقرب من المالكي طارق نجم.
انتقد علي الأديب، وهو أبرز قيادات الحزب، ما سماه تمغنط المالكي بالفصائل المسلحة، قائلا إن هذا أساء للحزب ونعلم لماذا هو يتقرب منهم. وكان مصدر رفيع في الحزب قد كشف في حديث لموقع “يس عراق” عن حدوث استقالات جماعية من مجلس شورى حزب الدعوة الإسلامية اعتراضا على الأداء الفردي للأمين العام للحزب وسياسة المحاور وتحويل مجلس الشورى إلى موقع على قرارات مطبوخة.
وقال إن “علماء وكوادر في حزب الدعوة يقدمون على خطوة الاستقالة وأبدوا اعتراضهم على النهج الجديد للحزب بعد مؤتمر 17” فيما توقع، “حدوث استقالات متتالية تنذر بانهيار عمل مجلس الشورى الذي انتخبه مؤتمر 17 للحزب”.
المعلوم عن بنية حزب الدعوة أن أول من هجره من داخله هم مؤسسوه ومن بينهم محمد باقر الصدر وطالب الرفاعي. ومنذ بداياته كان عرضة للانقسامات والانشقاقات فصار الحزب أحزابا، وبقيت الصراعات الداخلية السمة الأبرز بين قيادته وأعضائه. أما المالكي فلن تجد شبيها له ولا مثيلا، فهو “الأوحد” في التسلط والفردية، معروف بنرجسيته المرضية، وهو القائل إن مقاسه هو منصب رئيس الوزراء، على حدّ وصف سياسي عراقي معارض.
ولعل الصراعات الداخلية المؤجلة والخفية في حزب الدعوة قد حان وقت ظهورها على السطح مصحوبة بغسيل لا بداية ولا نهاية لقذارته. ويكفي أن نعرف أن المالكي حاول أن يجعل من العراق إقليما إيرانيا.
صفوة القول إن الانتفاضة العراقية أظهرت هشاشة الأحزاب التي عرفها العراقيون بعد العام 2003، وأظهرت صورتها الحقيقية المضادة لآمال الناس وتطلعاتهم نحو الحرية والاستقلال بتبعيتها إلى أجندات خارجية، ولا يستبعد أن تشهد الأيام المقبلة انشقاقات أكبر حتى في الأحزاب التي تدعي تمثيل السنة العراقيين، بل إن هذه الانشقاقات قد تمتد إلى الأحزاب الكردية، فانتفاضة أكتوبر 2019 ليست بالحدث العابر البسيط، بل إنها أحدثت تغييرات عميقة في بنية المجتمع العراقي، لم تجد الأحزاب التي جاءت مع الاحتلال الأميركي للعراق مكانا لها فيه، وقد تنتج ساحات الانتفاضة أحزابا جديدة يؤسسها شبابها.