الضغوط النفسية تخلف الأمراض والآلام

الأحد 2014/04/13
الرياضة تخفض مستوى هرمونات الإجهاد النفسي

القاهرة - في أحيان كثيرة يجد بعض الناس أنفسهم عرضة للعديد من الآلام والإجهاد الشديد للجسم دون سبب واضح وغالبا ما يرجع الأطباء ذلك إلى أعراض نفسية كالتوتر والقلق.

يؤكد د. أسامة عبد الغني، أستاذ الأمراض النفسية والعصبية بجامعة عين شمس، أن الأبحاث تثبت باستمرار أن الإجهاد النفسي يؤدي إلى أضرار كبيرة على المستوى البيولوجي. فالانفعالات مثل الخوف والقلق والتوتر تؤدي إلى إطلاق هرمونات الإجهاد النفسي في الجسم، بما فيها “الأدرينالين”، “والكورتيزول” اللذان يهيئان الجسم إما للهرب وإما للمواجهة، ويكون ذلك مفيداً عندما تكون بمواجهة خطر خارجي ملموس.

أما عندما تكون الضغوطات نفسية كتلك التي تتعرض لها في ظروف عمل صعبة تفرض عليك مهمات كبيرة في وقت قصير، أو عندما تباشر عملاً في شركة جديدة أو عند التخطيط لحدث مهم في حياتك، فإن خلايا جسمك تكون غارقة في هذه الهرمونات. ومع الوقت يؤدي ذلك إلى اضطرابات في الجهاز المناعي، ويسبب تشنجات عضلية مؤلمة وآلاماً في المعدة وأعراضاً جلدية.

وتعتبر الأمراض الأكثر شيوعاً التي يترافق معها الضغط النفسي هي أمراض القلب والشرايين والسرطان والسكري والتهاب المفاصل الرثياني والقرحة في المعدة والتهاب القولون المقرّح والربو وأوجاع الرأس والظهر، إضافة إلى أن عملية الشفاء أيضاً تتأثر بالإجهاد النفسي.

يتسبب الضغط النفسي في تقليص الأوعية الدموية ورفع ضغط الدم وزيادة عدد ضربات القلب، وبالتالي ارتفاع حاجة القلب للأوكسجين. ونتيجة لذلك تواجه عضلة القلب نقصا في الدم المتدفق إليها، وهي حالة طبية تعرف باسم “احتباس عضلة القلب”.

استخدم الباحثون في الولايات المتحدة أسلوبا لرصد الحالة وكشفها من خلال استخدام نوع من الصبغات التي تصبغ بها كريات الدم الحمراء بهدف مراقبة ما قد يطرأ من حالات غير عادية خلال عملية ضخ الدم من القلب وإليه، والتي تعتبر دليلا واضحا على وجود حالة احتباس عضلة القلب.

وقد شملت الدارسة الأميركية 196 مريضا كلهم خضعوا إلى عمليات لتضييق ما لا يقل عن شريان رئيسي واحد متصل بالقلب، أو أنهم أصيبوا في الماضي بذبحة صدرية واحدة على الأقل.

وأخضع المرضى إلى اختبار لقياس مستويات الضغط النفسي والعاطفي، حيث طلب منهم الحديث عن موضوع معين له حساسية معنوية حدد لهم سابقا ولمدة خمس دقائق.

وقد تبين وجود تعقيدات وحالات غير عادية في عملية ضخ الدم في قلوب نحو 20 في المئة منهم خلال فترة الاختبار القصيرة.

كما لوحظ أن من تعرضوا لهذه التعقيدات كانوا معرضين أيضا للموت بمعدل يقترب من ثلاثة أضعاف عمّن لم يتعرضوا للتعقيدات من نفس نوع المرضى خلال الأعوام الخمسة اللاحقة.

ويقول الدكتور ديفيد شيبس من مركز العلوم الصحية بجامعة فلوريدا إن نتائج البحث تضيف دليلا جديدا للبراهين الموجودة والتي تؤكد الصلة بين الضغط النفسي والعاطفي على صحة المصاب بأمراض متصلة بالأوعية الدموية.

ويقول متحدث باسم جمعية القلب البريطانية إن النتائج الأخيرة تضاف إلى الدلائل السابقة التي تفيد بأن من يتعرض لضغوط العمل والاكتئاب، ومن هو سريع الغضب ومن يقلق بسهولة، يكون عرضة أكثر من غيره لأمراض القلب والأوعية الدموية.

ويشير إلى أن هؤلاء الناس يجدون أنفسهم منجرّين إلى الإدمان على عادات سيئة صحيا مثل التدخين والميل إلى تناول الطعام السيئ غير الصحي.

ويرى الباحثون أن إزالة كل أسباب الإجهاد النفسي في حياة المرء أمر مستحيل، لكن في الإمكان اتخاذ خطوات من شأنها التخفيف من المشكلات البيولوجية الناتجة عنه.

وبدلاً من الإسراع إلى تناول مسكنات الألم أو مضادات الحموضة يحث خبراء العلاج الطبيعي على الكشف عن الأسباب الحقيقية للأعراض المرضية والعمل على تطبيق تقنيات الاسترخاء التي تساعد على التخلص من الطاقة السلبية والشد العضلي.

تقول د. رشا الجندي أستاذة علم النفس بكلية التربية جامعة بني سويف إنه لا يمكن للمرء أن يتخيل أنه يكون أكثر عرضة للإصابة بالرشح في الفترات التي يعاني خلالها الإجهاد النفسي، لكن هذه هي الحقيقة لأن الجسم تحت تأثير الإجهاد النفسي والتوتر يعزز المزيد من مواد تدعى “سيتوكينز″ المضادة للالتهابات، وعلى الرغم من أن هذه المواد تكافح الفيروسات إلا أنها تزيد من احتقانات الأنف.

وقد أظهرت الأبحاث أن النزاعات عموماً، وفقدان الوظيفة، أو أي حدث آخر يثير التوتر ويدوم أكثر من شهر، يمكن أن يجعلك أكثر عرضة للإصابة بالرشح.

وتضيف الدكتور الجندي أن أفضل وسيلة لمواجهة ذلك هي ممارسة الرياضة بانتظام، فالرياضة تخفض مستويات هرمونات الإجهاد النفسي. ويؤدي ذلك إلى استعادة الجهاز المناعي لأدائه الأمثل وإلى راحة القلب والجهاز التنفسي.

وتبين الدراسات أن الأشخاص الذين يواظبون على ممارسة الرياضة يكونون أقل عرضة للإصابة بالرشح حتى في الحالات التي كان الباحثون يعرضونهم فيها عمداً إلى فيروسات الرشح.

ويعتبر الأرق من أشهر عوارض الإجهاد النفسي فغالبا ما يكون الفرد شديد الانشغال أثناء النهار فلا يشعر بالقلق، ولكن ما إن تطفأ أنوار غرفته مساء حتى يبدأ ذهنه باستعراض كل مشكلاته خاصة تلك التي تتعلق بالعمل.

وكانت دراسة سويدية حديثة قد أظهرت أن عدم القدرة على التوقف عن التفكير في العمل أثناء فترات الراحة هي أهم العوامل التي تؤدي إلى اضطرابات النوم وأن الإجهاد النفسي لا يؤرقك ليلاً فحسب بل إن افتقارك إلى النوم يؤثر سلباً على أدائك في اليوم التالي ويؤدي إلى المزيد من الإجهاد النفسي.

تجدر الإشارة إلى أن الأطباء يرون أن الحل الأفضل يكمن في تخصيص وقت محدد لاستعراض أسباب القلق، فبدلاً من جعلها تؤثر عليك في كل ساعة وكل دقيقة من وقتك، يمكنك مثلاً أن تخصص ربع ساعة مساء تكتب خلالها لائحة بكل ما يزعجك ويقلقك. فعندما تكتب أسباب قلقك على الورقة تحرر ذهنك وتسمح له بالراحة. وإذا كانت قضايا العمل هي التي تقلقك فخصص هذا الوقت لتنظيم برنامج عملك لليوم التالي وضع سلم أولويات وحاول أن تتوصل إلى حلول لمشكلاتك.

من يعانون من الإجهاد يجدون أنفسهم ينجرون إلى الإدمان على عادات سيئة صحيا مثل التدخين والميل إلى تناول الطعام السيئ غير الصحي

إن مجرد التعرف إلى أولى المهمات في الغد يساعد على الشعور بدرجة أكبر من الارتياح عند التوجه إلى السرير. ومن المفيد أيضاً إخلاء غرفة النوم من كل الأشياء التي يمكن أن تسبب حالة التوتر، فهذا يحول دون أن يخلق الدماغ ارتباطات بين مكان النوم والقلق.

ويحث المتخصصون على الإصغاء إلى بعض الموسيقى الهادئة أو القيام بتمارين تنفس أو تمدد أو شرب كوب من الحليب الدافئ لإضفاء الشعور بالراحة والرغبة في النوم وذلك مع الحرص دائما على بقاء الأضواء خافتة حتى لا يتلقى الجسم عبرها إشارة الاستيقاظ.

يقول د. خالد عمارة أستاذ جراحة العظام بكلية طب جامعة عين شمس إن الكثير من الناس يطبقون أسنانهم بإحكام زائد، ويحدبون ظهورهم تحت تأثير الإجهاد النفسي، فينتج عن ذلك تقلصات وتشنجات في عضلات الظهر والرقبة.

وأظهرت دراسة ألمانية حديثة أن الإجهاد النفسي يسبب تغيرات هرمونية مما يزيد الإفرازات عند بصيلات الشعر ويؤدي ذلك إلى انسداد المسامات وتشكل الرؤوس السوداء والبثور. ويؤدي إلى تقليص العضلات وتوترها في الرأس والرقبة، وكذلك فإن القلق يؤدي إلى التنفس السطحي الذي يمكن أن يحول دون التخلص الكامل من ثاني أوكسيد الكربون أثناء الزفير.

وتكشف البحوث أن الجسم ينتج نسبة أقل من كابحات الألم عندما يكون المرء متوتراً ومجهداً نفسياً، وهذا يعني أن الإنسان يشعر بالألم بدرجة أكبر مما لو كان مرتاحاً نفسياً.

وينصح الدكتور عمارة بالتنفس بعمق وبشكل متواتر ومنتظم، لأن ذلك يمكن أن يساعد على تخفيف التشنجات العضلية ويريح الأوعية الدموية ويوفر كمية كبيرة من الأوكسجين لخلايا الجسم.

ويبين د. حامد عبدالله أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية والعقم بجامعة القاهرة أن الإجهاد النفسي يحث الجسم على إنتاج مواد تسبب الانتفاخات والحكة، مما يفاقم صعوبة حالات مثل “الأكزيما” و”الصدفية”.

ويحث على أخذ “عطلة ذهنية” وإطلاق العنان للخيال، فالتطور الخيالي يقطع الطريق أمام الإجهاد النفسي، ويخفف بالتالي من إفراز الجسم للمواد السامة.

19