الجيشان المصري والتركي: "العثمانلي" يتقدم بـ"الظهير المدني"

وفق أحدث تصنيف لجيوش 126 دولة أصدرته مؤسسة غلوبال فاير باور لعام 2019، يحتل الجيش التركي المرتبة التاسعة، فيما يأتي الجيش المصري في المرتبة الـ12 عالميا.
مقارنة بحال الجيشين قبل ثلاث سنوات، كانا العاشر والـ18. حقق الجيش المصري تقدما فارقا ضمن ما أسميه “التأسيس الثالث” له في تجليه الحديث، والمتواصل منذ 2013، بعدما تحرر من قيود نظام حسني مبارك. وكان الأول في عهد محمد علي وإبراهيم باشا، والثاني مع جمال عبدالناصر والفريق محمد رياض في أعقاب هزيمة يونيو 1967.
تقدّم الجيش التركي في التصنيف العالمي، بدا غريبا لمن يطّلع على مفردات السياقات العسكرية التي يهتم بها غالبية المتابعين. ربما توقف البعض عند تغييب تأثير التنكيل الذي تعرضت له مستويات مختلفة من الجيش العثماني عقب محاولة الانقلاب الفاشل، في 15 يوليو 2016، التي تركها رجب طيب أردوغان تنطلق ليعيد توظيفها. اعتقل 27 ألف عسكري من كافة الرتب وطرد 40 ألفا من الخدمة، ما خلف ارتباكا في بنيته وخبراته المتراكمة.
وهو ما كشفته مجلة ناشيونال إنترست المتخصصة في الشؤون العسكرية، في عددها الأخير، (أول يناير)، متحدثة عن أحد تداعيات بطش أردوغان بجيشه. إذ فقدت القوات العسكرية التركية 300 طيار بين معتقل ومطرود من الخدمة، وحين طلبت أنقرة من واشنطن تدريب طيارين جدد على مقاتلات أف-16، رفض ترامب في إطار عقوبات واشنطن المفروضة على أنقرة ردا على شراء الأخيرة لمنظومة الدفاع الروسية أس-400.
ووفق المجلة، فإن إخراج عناصر مدربة من كافة الأسلحة من الخدمة، اعتقالا أو طردا، لا يعني فقط إهدارا لموارد مالية أنفقت عليها، فالأخطر هو فقدان خبرات متراكمة يحتاج الجيش التركي سنوات لاستعادتها. وتواصل المجلة القول إن أنقرة حاولت الاستعانة بطيارين عسكريين باكستانيين، لكنها لم تحصل على العدد الذي يغطّي ما فقده جيشها، فقرّرت استدعاء 350 طيارا مدنيا وضمتهم قسرا لسلاحها الجوي وإلا فقدوا تراخيص عملهم.
بالطبع، لا يمتلك هؤلاء خبرات نظرائهم الحربيين، والضم القسري يؤثّر سلبا على أدائهم. ومن حجم الأرقام المنكل بها، الحال لن يختلف كثيرا في باقي أسلحة الجيش التركي. ولم تدخل هذه التداعيات ضمن تصنيف غلوبال فاير، رغم تأثيره الفادح على عناصر تقييم مثل.. الروح المعنوية، الخبرة القتالية، العقيدة العسكرية.
تدعم ما ذكرته غلوبال فاير باور وما تقارير جهات موازية كمجلة بيزنس إنسايدر، تقول معطياتها المتاحة إن:
– القوة البشرية: متعادلتان تقريبا، عدد السكان المؤهلين للخدمة العسكرية في مصر 35.3 مليون وفي تركيا 35 مليونا. في الأولى يصل 1.53 مليون لسن الخدمة العسكرية وفي الثانية 1.37 مليون. عديد الجيش المصرى 454.2 ألف مقاتل والتركي 382.8 ألف.
أنقرة حاولت الاستعانة بطيارين عسكريين باكستانيين، لكنها لم تحصل على العدد الذي يغطّي ما فقده جيشها، فقرّرت استدعاء 350 طيارا مدنيا وضمتهم قسرا لسلاحها الجوي وإلا فقدوا تراخيص عملهم.
– الاحتياط: مصر الـ13 عالميا بـ480 ألفا، إسرائيل الـ14 عالميا والثانية إقليميا بـ445 ألفا، تركيا الـ16 عالميا والثالثة إقليميا بـ380 ألفا، إيران رابعة بـ350 ألفا، تتقاسم المغرب والجزائر الخامس بـ150 ألفا كل منهما.
– القوات البرية: مصر 4110 دبابات، تركيا 2445 دبابة. الأولى 13949 مركبة قتال مدرعة والثانية 7550 مركبة. مصر 1000 مدفع ذاتي الحركة وتركيا 1120. الأولى 1481 قطعة مدفعية مجرورة والثانية 811 قطعة.
– القوات الجوية: مصر التاسعة عالميا والأولى إقليميا بـ1092 طائرة حربية متنوعة، تركيا العاشرة بـ1067 طائرة. القوتان موزعتان بين المقاتلات والطائرات الاعتراضية والمروحيات وطائرات النقل العسكري وطائرات التدريب المتقدمة. السعودية ثالثة بـ848 طائرة، إسرائيل رابعة بـ595 حربية، الجزائر خامسة بـ551 طائرة، الإمارات سادسة بـ541 طائرة، إيران سابعة بـ509 طائرات، سوريا ثامنة بـ457 طائرة، العراق تاسعة بـ327 طائرة، والمغرب عاشرة بـ291 طائرة.
– الدفاع الجوي والصواريخ: مصر الخامسة عالميا بـ1100 بطارية صواريخ، تليها الولايات المتحدة سادسة بـ1056 بطارية، وتركيا الـ12 بـ350، إسرائيل 26 بـ150 بطارية. ورغم أهمية العدد، تظل للحداثة والخبرات البشرية أهميتها. ووفق الناتو: مصر تمتلك أعقد خط دفاع جوي في العالم.
– البحرية: مصر السادسة عالميا والأولى إقليميا بـ319 قطعة بحرية متنوعة، وتركيا الـ12 عالميا والثانية إقليميا بـ194 آلة، وإسرائيل الـ37 عالميا والثالثة إقليميا بـ65. للقاهرة 4 غواصات وأنقرة 9، وللأولى حاملتا طائرات وللثانية “صفر”.
– مراكز لوجستية: تسعة موانئ ومحطات رسو عسكرية لكل بلد، ولمصر 83 مطارا مقابل 98 في تركيا.
– الميزانية: إسرائيل 20 مليار دولار، الجزائر 10 مليارات، تركيا 8.6 مليار، إيران 6.3، مصر 4.4 مليار.. الـ45 عالميا، الثلاث دول الأولى: أميركا، الصين، السعودية.
الترتيب العام: تركيا التاسعة ومصر الـ12 عالميا وإيران الـ13 وإسرائيل الـ16.
معطيات من المنطقي أنها تضع أقدم جيوش الأرض في المقدمة. تأخر تصنيفه يأتي من خارجه، من السياقات المدنية. فعوامل حساب “مؤشر القوة” وفق آلية التصنيف التي يعتمدها غلوبال فاير منذ العام الماضي، تشمل سياقات عسكرية ومدنية:
* الخبرة القتالية: ما يمنح مصر وإسرائيل ميزة نوعية.
* الصناعات العسكرية: رغم أن التقرير رصد زيادة فارقة في مستويات الصناعة العسكرية المصرية، تظل لتركيا وإسرائيل ميزة نوعية بفضل الدعم الغربي لعقود.
* ميزانية الدفاع ومستوى التدريب وتاريخ الروح المعنوية.. وهذه أتصورها تخلفت فيها تركيا.
*مدى ترسخ العقيدة القتالية. ومدى امتلاك وتوظيف النظم الإلكترونية الحديثة..
ويقول تقرير غلوبال باور لعام 2015 إن “جيوش الشمس”، أقدم مسمى للقوات المسلحة المصرية، شهدت نقلة نوعية في استحضار وتوظيف وترسيخ التكنولوجيا عسكريا “انطلاقا مما لاحظته من حروب شهدتها دول أخرى في الشرق الأوسط” خلال الـ15 عاما الماضية. ومدى تنوع الأسلحة.
حتى الآن لا مشكلة، المشكلة تأتي مع المؤشرات المدنية الفاعلة في التصنيف، منها: البنية التحتية ومدى انضباط الخدمات العامة، فمثلا شبكات طرق تركيا 352 ألف كم ومصر 65 ألفا، سكك حديد الأولى 8699 كم والثانية 5083.. إلخ. والقدرات الاقتصادية للدولة.. الناتج المحلي واحتياطي العملة الصعبة والديون الخارجية… إلخ، وهذه تميل لصالح تركيا بوضوح ولإسرائيل بفارق شاسع. والحالة الصحية العامة والخدمات الطبية.. وضعيتها كما الحالة الاقتصادية.
لا أحد يستطيع توقع سيناريو معين ردا على الاختراق التركي لليبيا، والأرجح أنه لن يحدث صدام مباشر، خاصة وأن الجيش الليبي مدعوما بمحوره العربي سيتحمل عبء الدفاع عن بلده. وأيا كانت خطط العثماني الجديد، فهو لن يصطحب معه إلى ليبيا المجالات المدنية التي منحته تقدما في التصنيف الدولي على جيوش الشمس، خارج السياق العسكري. غير أن آلية التصنيف تنبهنا إلى أهمية تحديث الظهير المدني المصري ليتواكب مع تطورات التأسيس الثالث للقوات المسلحة الوطنية، لتسترد تصنيفا دوليا تستحقه، كـ”أعرق مؤسسة عسكرية”.