دول الخليج إما أن تكون أو لا تكون في النظام العالمي الجديد

الجمعة 2014/04/11

لا أعرف جمال سند السويدي مدير مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات العربية المتحدة، ولكن ما أعرفه أنني أحترم هذه القامة العربية خاصة بعدما قرأت كتابه “آفاق العصر الأميركي، السياسة والنفوذ في النظام العالمي الجديد” الصادر باللغتين العربية والإنكليزية. هذا كتاب يمكن أن يكون موسوعة مرجعية للباحثين في شؤون القوى العالمية والمتغيرات التي نعيشها في الاقتصاد والسياسة والأمن والاجتماع والثقافة.

حتى نلج صلب الموضوع علينا أن نقول إن النظام العالمي الجديد برز للوجود بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، وهو مخترع أميركي صرف، ولهذا النظام معايير معينة وهي: التعليم والثقافة، الاقتصاد، التقنية العلمية، القدرة العسكرية، وسائل النقل الجوية والبحرية. إن تربع الولايات المتحدة على قمة هذا الهرم يعود إلى تفوقها في كل تلك المجالات. عليه فإن من لا يمتلك تلك المقومات ولا يرغب في معاناة صعود السلم الهرمي لها سيظل تحت إمرة القوى العالمية.

ما يهمني من هذا هو أن تأخذ دول الخليج كل معطيات النظام العالمي الجديد في الاعتبار حتى تستطيع إيجاد المكان المناسب لها في هذا العالم. وحتى تنجلي أمامنا صورة النظام العالمي الجديد علينا أن نتمعن في المثلث الهرمي الذي صاغه جمال السويدي، فقمة الهرم هي أميركا، ثم جزء يضم الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، يليه جزء يحتوي اليابان والهند والبرازيل، ثم قاعدة الهرم وتضم باقي دول العالم.

من المفارقات الجوهرية في هذا النظام العالمي الجديد اعتقاد بعض المتفائلين العرب أن تتربع الصين على قمة الهرم بدلا من الولايات المتحدة، ويرجعون ذلك إلى تفوق الصين اقتصاديا متجاهلين المقومات الأخرى مثل التعليم والثقافة، والتفوق العسكري والتقني وامتلاك الطاقة داخليا والتحكم فيها خارجيا، ووسائل النقل والإنفاق على البحوث والتطوير، وتجاهل أن الاقتصاد الصيني معرض للصدمات بسبب اعتماده على الاستثمار الأجنبي والأيادي العاملة الرخيصة، والاعتماد على التقليد وغياب الابتكار، والافتقار إلى القوة الناعمة واعتماد وسائل إعلامها على لغة وشعارات غير مفهومة عالميا.

هذه الحقائق تدل على أن الهيمنة الأميركية على النظام العالمي الجديد باقية للخمسة العقود القادمة على أقل تقدير. ثم ماذا يعنيني كعربي من يكون على قمة الهرم. لماذا لا تبحث العقول العربية عن الطرق التي توصلنا إلى ساحة ذلك المثلث الذهبي بدلا من الاجترار في ما لا نفع فيه.

لا تسألني عن الأخلاق والقيم في هذا النظام العالمي الجديد، فانظر إلى الموقف الأميركي مما سمي “الربيع العربي” وما قامت به من دعم للاحتجاجات الشبابية وتخل عن حلفائها وفقا للمصالح الاستراتيجية الأميركية. فقد تم إعداد شباب من دول عربية مختلفة لتثقيفهم على القيم الاجتماعية والسياسية والثقافية السائدة في المجتمع الأميركي المعتمدة من مراكز الأبحاث الأميركية ليقوم الشباب بنشر تلك الأفكار في أوطانهم.

وفي ضوء ما تعانيه دول الانتفاضات العربية من فوضى وغياب للأمن والاستقرار، يتفاقم خطر تقليص الدور الإقليمي العربي، خصوصا بعد غياب الدور المصري، فهناك احتمال لتمكين دول غير عربية في المنطقة مثل إيران وتركيا وإسرائيل لملء الفراغ. وهنا نسأل ماذا سيكون دور دول الخليج وخاصة المملكة السعودية، العمود الأمني لدول الخليج، مما يحتم تكاتف الجهود الخليجية للتصدي لهذه التحديات الجسيمة؟

للأسف فإن هذا ما يغيب عن ذهن دولة مثل قطر التي تغرد خارج السرب الخليجي وتسبب الاضطراب ليس في الخليج بل في كل المنطقة العربية. ورجاؤنا أن تعود إلى صوابها لأن زمن الاستقواء بالخارج قد انتهى ولم يعد ينفع أية دولة إلا التقوية والإصلاح الذاتي، وليكن تخلي الغرب عن حسني مبارك وزين العابدين بن علي عبرة. هذا التحدي لا يمكن مجابهته لا بالاستقواء ولا باستعداء أحد، فالذكاء هو أن نعمل على معرفة متطلبات الوصول إلى المثلث الذهبي وفقا للنقاط التالية:

أولا: تحسين مستوى التعليم في المدارس والجامعات الحكومية والسعي إلى تقليص معدل البطالة خاصة بين الشباب بتخريج طلاب بمهارات تقنية ولغوية عالية.

ثانيا: توزيع عادل للثروة والقضاء على الفساد الإداري والمالي. ينبغي مواجهة الفساد بالشفافية والعدالة الاجتماعية والإصلاح القضائي والتشريعي والتنفيذي. كما أن استمرار الوساطات في مواقع السلطة يشكل عاملا مشجعا على الفساد لأن الاختيار لا يبنى على المؤهلات بل على الثقة والمعرفة.

ثالثا: إعداد كوادر وتقنيات في مجال الطاقة الهيدروكربونية التقليدية والمبتكرة والطاقة البديلة حتى يكون لدول الخليج القول الفصل في الحقل النفطي والطاقة. إذا أرادت دول الخليج أن تكون “نمورا اقتصادية” في الشرق الأوسط في عهد النفط وما بعد النفط، فعليها أن تخلق الظروف المواتية لازدهار الاستثمار مثل دبي، لأن استقطاب المال الأجنبي للاستثمار يستلزم بيئة اجتماعية ملائمة، مثل رفع القيود المفروضة على النساء في المملكة السعودية.

رابعا: تمكين المرأة ضروري للإصلاح والتنمية. فاشتراط موافقة ولي الأمر في السعودية في أمور تتعلق بالتعليم وفرص العمل يعيق التنمية.

خامسا: إنشاء مؤسسات مجتمع مدني ومعاهد محلية للديمقراطية لكي تبعد احتمالات التدخلات الخارجية في المستقبل. هذه المعاهد يجب أن تركز على كيفية بناء الأنظمة الديمقراطية بعيدا عن القبلية والطائفية والعرقية.

سادسا: الحاجة للكنفدرالية الخليجية للتكامل الاتحادي والإقليمي في مجالات الاقتصاد والدفاع والسياسة الخارجية.

هذه ركائز لدول الخليج تمكنها من أن تكون شريكا في النظام العالمي الجديد وليس مجرد أداة تخطط له القوة المهيمنة.


أكاديمية إعلامية سعودية

9