نقابات فرنسا تستبق حوارا مع السلطات بمواصلة التعبئة ضد إصلاح نظام التقاعد

تتجه الأوضاع في فرنسا إلى المزيد من التأزم بعد دعوة بعض النقابات إلى أسبوع جديد من التعبئة للاحتجاج على الإصلاحات التي ينوي الرئيس ماكرون تنفيذها على نظام التقاعد وذلك بالتوازي مع استعدادات حكومة إدوارد فيليب لاستئناف المحادثات مع هذه النقابات العمالية.
باريس - اجتمع المسؤولون الحكوميون الفرنسيون الجمعة لمناقشة استراتيجيتهم قبيل محادثات جديدة مع النقابات الغاضبة إزاء إصلاح متوقع لأنظمة التقاعد وسط تحذير من إضرابات جديدة إلى جانب إضراب يشل وسائل النقل منذ أكثر من 30 يوما.
وقالت المتحدثة سيبيت إندياي لقناة فرانس 2 التلفزيونية إن الحكومة “تسعى للتوصل إلى طريقة نحو تسوية سريعة” في وقت جمع رئيس الحكومة إدوارد فيليب وزراءه في اللقاء غير المقرر.
ورفضت النقابات بشدة خطة لدمج أنظمة التقاعد الـ42 القائمة حاليا بنظام قائم على النقاط، معتبرة أن من شأن ذلك أن يجبر ملايين الأشخاص على العمل إلى ما بعد سن 62 عاما.
وجعل الرئيس إيمانويل ماكرون إصلاح أنظمة التقاعد في صلب حملته الانتخابية مؤكدا أنها ستكون أكثر شفافية وإنصافا وخصوصا بالنسبة إلى النساء ومنخفضي الدخل.
ولكن الحكومة التي يقودها إدوارد فيليب كانت قد أعلنت عن سلسلة من التنازلات لبعض القطاعات مثل الشرطة والعسكريين والطيارين وموظفي سكك الحديد بهدف امتصاص غضب هذه النقابات العمالية.
ويطالب العديد من موظفي القطاع العام باستثناءات مماثلة للقواعد الجديدة، التي من شأنها تحديد “سن محورية” عند 64 عاما يمكن للمتقاعدين عند بلوغها الحصول على معاش كامل.
ودعت نقابة الكنفيدرالية العامة للعمل (سي.جي.تي) القوية لقطع الطرق المؤدية إلى خزانات ومصافي الوقود لأربعة أيام اعتبارا من الثلاثاء القادم وهو موعد استئناف المحادثات بين النقابات والحكومة وهو ما يؤشر على أن باريس ستشهد تعبئة جديدة خلال الأسبوع المقبل الذي ستدفع فيه السلطات حتما بكل ما أوتيت من قوة نحو تحقيق انفراج في هذه الأزمة.
ودعت النقابات التي تمثل الطيارين وطواقم الجو في الخطوط الفرنسية (إيرفرانس) إلى إضراب الأسبوع المقبل، كما دُعي كذلك المحامون والمعالجون الفيزيائيون وآخرون يعملون لحسابهم الخاص إلى الإضراب.
وكان ماكرون الذي يرى مراقبون أن شعبيته أخذت بالتراجع بسبب الهزات الاجتماعية التي عرفتها فرنسا، وهو ساكن الإليزيه، قد صعّد خلال كلمته التقليدية بمناسبة العام الجديد.
وفي الوقت الذي انتظرت فيه النقابات هدية من ماكرون خلال هذه الكلمة خرج ليعلن عن عزمه تنفيذ إصلاحات التقاعد التي ستعرض أمام حكومته في 22 يناير قبل نقاش برلماني.
وقال ماكرون إن نظام التقاعد الجديد ضروري لأن معظم الأشخاص يبدأون مهنهم في فترات متأخرة ويعمرون لمدّة أطول.
ولكنه وعد في المقابل بأن الأشخاص الذين يزاولون مهنا متعبة سيسمح لهم بالتقاعد المبكر، وهي نقطة شائكة رئيسية في المحادثات مع النقابات إلى جانب تحديد “سن محورية” جديدة عند 64 عاما للحصول على معاش تقاعد كامل.
ويأمل ماكرون في كسب معركة الرأي العام مراهنا على تلاشي الدعم للإضراب مع استمرار اضطرابات وسائل النقل.
وكان رئيس الوزراء قد تحدث عن أن نظام المعاشات التقاعدية سيتم توحيده في نظام واحد، وسيتم إلغاء الامتيازات الممنوحة لمختلف القطاعات، وإلغاء 42 نوعا من المعاشات التقاعدية تدريجيا.
وأضاف “ستبقى سن التقاعد عند 62 عاما، لكن العمال سيعملون حتى سن 64 عاما للحصول على معاش تقاعدي كامل. والذين ولدوا قبل 1975 لن يتأثروا بالنظام الجديد’’.
ودعت النقابات إلى يوم آخر من التظاهرات الحاشدة الخميس المقبل، يتوقع أن يشارك فيها الأساتذة وعمال المستشفيات وآخرون.
ورغم أن عدد المضربين في الشركة الوطنية للسكك الحديد (أس.أن.سي.أف) والشركة الوطنية للنقل تراجع منذ بدء الاحتجاجات في 5 ديسمبر، إلا أن المواطنين ما زالوا يعانون من الاضطرابات الكبيرة في خدمات وسائل النقل.
وأغلبية خطوط مترو باريس كانت تعمل فقط في ساعة الذروة أو عدد قليل منها فقط كل ساعة، فيما ألغي ثلث القطارات الفائقة السرعة الجمعة.
وإضراب القطارات هو الأطول من نوعه لفترة متواصلة في تاريخ فرنسا، والأطول كذلك لراقصي الأوبرا وموظفين آخرين لديهم أيضا نظام منفصل يسمح لهم بالتقاعد المبكر.
وألغي حتى الآن 63 حفل أوبرا في مسرحي غارنييه وباستيل خلال الإضراب، ما كلف الشركة أكثر من 12 مليون يورو (13.4 مليون دولار) بشكل مبيعات تذاكر ضائعة.
ويحاول المضربون التعويل على دعم أصحاب السترات الصفراء الذين انضموا إلى إضرابهم منددين بسياسات الرئيس ماكرون الذي تستعد حكومته لعرض إصلاحات نظام التقاعد في فبراير المقبل.
وتسبب الإضراب الذي لا تنوي النقابات التراجع عنه قبل أن تلغي السلطات إصلاحاتها في خسائر كبيرة تكبدها التجار والحرفيون في خضم الاحتفال بأعياد الميلاد، إضافة إلى أنه عطل مصالح العديد من الفرنسيين والأجانب وهو ما يحرج حكومة إدوارد فيليب أكثر.