محاولات أردنية لترويض اقتصاد الظل

أنشطة التهريب تلتهم خمس الناتج المحلي الإجمالي للبلاد سنويا.
السبت 2020/01/04
تجارة خارج سجلات الدولة

عمان - شككت الأوساط الاقتصادية الأردنية في قدرة الحكومة على تطويق ظاهرة التهريب، التي تعتبر أحد أوجه ازدهار السوق السوداء في البلاد.

وتؤكد الإحصائيات الرسمية أن هناك آلاف العاملين في قطاعات التجارة والصناعة والخدمات يقومون يوميا بنشاطات لا تخضع للقوانين أو الرقابة، كما لا يدفعون الضرائب المستحقة.

ورغم تشديد القيود من طرف حكومة عمر الرزاز في ملف التهرب الضريبي، يرى خبراء أن تحرك جهات الرقابة الرسمية لتعقب تلك الأنشطة يكاد لا يذكر.

وتعتقد أوساط الأعمال المحلية أن السلطات مطالبة بترويض الاقتصاد الموازي في السجلات الرسمية سريعا خاصة بعد أن أعلنت عن حزمة من التدابير العاجلة لامتصاصه لرفد خزينة الدولة بعوائد إضافية تعزز معدلات النمو مستقبلا.

وتحاول السلطات من خلال إعطاء مصالح الجمارك صلاحيات أكبر في تعقب وملاحقة المهربين، تطويق ظاهرة الاقتصاد الموازي بشكل محكم.

وأكد مدير عام الجمارك الأردنية عبدالمجيد الرحامنة خلال زيارة لمديرية مكافحة التهريب الخميس الماضي، أن الدائرة لا تنتهج سياسة تحصيل الغرامات وجمع الأموال فحسب، بل القضاء على التهريب بجميع أشكاله وتجفيف منابعه.

ونسبت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية إلى الرحامنة قوله إن “التعديلات القانونية التي تمت على قانون الجمارك ساعدت على أن تكون الإجراءات المتعلقة بالتهريب صارمة ورادعة”.

ويؤكد محللون أن عمليات التهريب لها تأثير كبير على الأمن والاقتصاد المحلي والتجار والمواطنين على حد سواء لاسيما وأن البضائع المهربة تكون مقلدة، والمواد الغذائية منها تكون فاسدة وغير صالحة للاستهلاك.

عبدالمجيد الرحامنة: مصالح الجمارك مهتمة بالقضاء على التهريب بجميع أشكاله
عبدالمجيد الرحامنة: مصالح الجمارك مهتمة بالقضاء على التهريب بجميع أشكاله

وشدد الرحامنة على أن الدائرة تطبق أقصى بنود قانون الجمارك فيما يخص المهربين.

كما أكد أنه لا يتم عقد مصالحة مع أي مهرب قبل تطبيق القانون والتعليمات الخاصة بكل حالة تهريب، وأن الدائرة لا تقبل أية إملاءات وضغوط خارجية.

وتنتهج إدارة الجمارك التسلسل في العقوبات بدءا من التحفظ على المهرب والمضبوطات المهربة ومن ثم تحويله للادعاء العام في الجمارك، وبعد ذلك يصار إلى التحقيق معه لكشف ملابسات قضية التهريب والجهات المتعاونة في العملية.

وخلال الفترة الماضية، تمكنت مديرية مكافحة التهريب من ضبط الكثير من عمليات تهريب السلع والبضائع قدّرتها بملايين الدولارات.

وفيما يتعلق بالمنافذ الحدودية وخاصة معبر جابر نصيب مع سوريا، بين الرحامنة أن الأمور تحسنت عن السابق وتسير نحو الأفضل، مؤكدا أنه لا تهاون في تطبيق الأنظمة والقوانين في جميع المراكز الجمركية الحدودية.

وظهرت آثار بعض الإصلاحات الاقتصادية على قطاع النسيج الذي حقق قفزة كبيرة نتيجة فرض قيود على واردات الأزياء المدرسية حيث تسعى الحكومة لحماية المنتجات المحلية بعد سنوات من إغراق السوق بالمنتجات التركية والآسيوية الرخيصة.

ورغم كل هذه التطمينات، يجمع خبراء على أن الحكومة باتت مجبرة حاليا أكثر من أي وقت مضى على السير في خيار تطويق التهريب الذي يبدو أنه لا مفر منه لكونه يشكل خمس الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

وتظهر دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي أن معدل الاقتصاد غير الرسمي في الأردن في الفترة الفاصلة بين عامي 1991 و2015 وصل إلى 17.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، التي تعاني من أزمات هيكلية متنوعة.

ورغم أن هذه النسبة تعد قليلة قياسا بدول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثل العراق وتونس وليبيا، فإنها في وضع اقتصادي حرج يعيشه الأردن تشكل أمرا مقلقا.

ويعتبر رئيس غرفة تجارة العقبة أحمد الكسواني أن القوانين الضريبية غير المنضبطة ضد التاجر سبب لوجود اقتصاد الظل.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن الكسواني قوله إن “البعض من القوانين فيها إجحاف بالقطاع التجاري وتؤثر على الأنشطة والأعمال لأن ارتفاع كلفة الإنتاج تدفع التجار إلى اللجوء لاقتصاد الظل”.

وفي نوفمبر الماضي دخلت الحكومة معركة شاقة لتحريك الاقتصاد المتعثر من خلال إقرار حزمة من الحوافز لتشجيع القطاعات الحيوية على النمو، يرى كثير من المختصين أنها غير كافية.

ويمارس صندوق النقد الدولي ضغوطا على عمّان للإسراع في تنفيذ برنامج الإصلاح المتفق عليه وخاصة ضريبة الدخل ومعالجة ارتفاع معدل البطالة وخفض الدين العام.

وتعاني البلاد، التي تستورد أكثر من 90 بالمئة من حاجاتها الطاقية من الخارج، ظروفا اقتصادية صعبة وديونا، كما أنها تأثرت كثيرا بالأزمتين المستمرتين في كل من العراق وسوريا ولاسيما أزمة اللاجئين.

ويؤكد خبراء أن حدة التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني منذ مطلع العام الماضي لم تتراجع حتى اليوم، وهو ما ينذر بالمزيد من المتاعب خلال الفترة المقبلة في بلد يعتمد على المساعدات الدولية بشكل كبير.

وتلقي هذه الأوضاع الصعبة بظلال قاتمة على حياة المواطنين، الذين يبحثون بدورهم عن حل يوفر لهم كرامة العيش، فيما تحاصرهم ضغوط البطالة والضرائب وارتفاع الأسعار.

11