اتفاق "إيست ميد" ضربة قاصمة لتحركات أردوغان شرق المتوسط

إسرائيل تستثمر في اكتشافاتها الطاقية لعقد روابط إستراتيجية بعد توقيع اتفاق "إيست ميد" الذي يتيح لها تصدير الغاز الطبيعي للدول الأوروبية.
الجمعة 2020/01/03
نتنياهو في أثينا لتوقيع اتفاق خط الأنابيب

توقيع إسرائيل لاتفاق مع قبرص واليونان يتم بموجبه مد خط أنابيب غاز إلى أوروبا يشكّل نقلة نوعية في مساعي تل أبيب فرض نفسها قطبا طاقيا ليس فقط على الصعيد الإقليمي بل وأيضا الدولي، ويشكّل هذا الاتفاق ضربة لبعض القوى وفي مقدمتها تركيا التي كانت تطمح لفرض نفسها مركزا إقليميا للطاقة.

تل أبيب - قام رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الخميس بزيارة إلى أثينا رافقه فيها وزير الطاقة يوفال شتاينتس، لتوقيع اتفاق يكتسي أهمية استراتيجية مع اليونان وقبرص ويتعلق بمد خط أنابيب غاز بحري يعرف بـ”إيست ميد” يتيح لإسرائيل تصدير الغاز الطبيعي للدول الأوروبية.

ويشكّل هذا الاتفاق بين الثالوث الإسرائيلي والقبرصي واليوناني ضربة قاصمة لجهود تركيا التي ترنو لبسط نفوذها شرق المتوسط والتحوّل إلى مركز إقليمي للطاقة.

وأكد رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس مساء الخميس على أهمية الاتفاق. وقال ميتسوتاكيس في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء القبرصية، إن “اتفاق اليوم هو لحظة مهمة بالنسبة لليونان وقبرص وإسرائيل”، مشيرا إلى أنه يعدّ تتويجا للتعاون الثلاثي الكبير في مجال الطاقة وغيرها من المجالات.

من جانبه، اعتبر أناستاسياديس أن “التوقيع على اتفاق غاز شرق المتوسط، هو لحظة تاريخية تعكس أهداف التعاون الثلاثي منذ تأسيسه”. واختتم الرئيس القبرصي تصريحاته بالقول “اليوم هو يوم تاريخي، وإن المحادثات الجارية ستضع الأسس لمزيد من التعاون بين دول شرق المتوسط”.

ويتوّج لقاء الخميس اجتماعات ماراثونية ولقاءات قمة جرت بين الأطراف الثلاثة وفاعلين آخرين للتوصل لاتفاق نهائي وتام بشأن مشروع خط الغاز، كان آخرها اللقاء الذي جمع في مارس الماضي رئيس الوزراء الإسرائيلي مع نظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، بمشاركة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.

وكانت الأطراف الثلاثة قد اتفقت العام الماضي على المضيّ قُدما في مشروع “إيست ميد” الذي تبلغ تكلفته نحو ستة مليارات دولار ومن المتوقع أن تبلغ طاقته الاستيعابية مبدئيا عشرة مليارات متر مكعب من الغاز سنويا. وسيمتد الخط من إسرائيل عبر المياه الإقليمية القبرصية مرورا بجزيرة كريت اليونانية إلى البر اليوناني الرئيسي وصولا لشبكة أنابيب الغاز الأوروبية عبر إيطاليا.

نيكوس أناستاسياديس: التوقيع على اتفاق غاز شرق المتوسط، هو لحظة تاريخية
نيكوس أناستاسياديس: التوقيع على اتفاق غاز شرق المتوسط، هو لحظة تاريخية

وقال وزير الطاقة والبيئة اليوناني كوستيس هاتزيداكيس الخميس “بمشاركة إيطاليا، سيتخذ المشروع شكله النهائي كأكثر الخيارات فاعلية لضمان أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي من احتياطات الغاز في جنوب شرق المتوسط”.

وقبيل مغادرته لأثينا صرّح نتنياهو لصحافيين في المطار “نغادر البلاد للمشاركة في قمة هامة جدا تعقد مع الرئيس القبرصي ورئيس الوزراء اليوناني الجديد. لقد شكّلنا تحالفا في شرق المتوسط له أهمية كبرى بالنسبة إلى مستقبل دولة إسرائيل الطاقي وتحويلها إلى دولة عظمى في هذا المجال، وأيضا بالنسبة إلى استقرار المنطقة”.

وأضاف نتنياهو أن”أنبوب الغاز الذي سنعمل على مده الآن والذي عمل وزير الطاقة شتاينتس على إقامته منذ سنوات عديدة، سيحدث ثورة طاقية لإسرائيل. فهو لن يجعلنا فقط نخفف من أسعار الغاز ولاحقا أسعار الكهرباء، وإنما أيضا سيضمن لنا إدخال مئات المليارات إلى خزينة الدولة من أجل توفير الرفاهية للمواطنين الإسرائيليين”.

وتحوّلت إسرائيل من مستوردة إلى منتجة ومصدّرة للغاز بفضل الاكتشافات الضخمة شرق المتوسط التي بدأت منذ العام 2009، وتسعى إسرائيل إلى استثمار هذه الاكتشافات ليس فقط اقتصاديا من خلال ضمان تدفق إيرادات ضخمة لخزينتها، بل وأيضا سياسيّا حيث أن تحولها إلى مصدر للطاقة في المنطقة سينعكس على علاقاتها مع دول الجوار، فضلا عن أنه سيمكّنها من توثيق الروابط مع الجانب الأوروبي أكثر.

وبدأت إسرائيل الأربعاء في ضخ أول إمدادات الغاز الإسرائيلي إلى الأردن من حقل لوثيان، على أن تقوم (تل أبيب) بتصدير الغاز من ذات الحقل لمصر في غضون أربعة أشهر.

ويعدّ “لوثيان” أكبر حقل بحري للغاز الطبيعي في إسرائيل تم اكتشافه في العام 2010 ويحتوي على 535 مليار متر مكعب من هذه المادة. ويقول مسؤولون إسرائيليون إن الاكتشافات الغازية من شأنها أن تخلق روابط استراتيجية مع دول المنطقة، وتفتح آفاقا جديدا للعلاقات مع أوروبا.

ويحظى مشروع “إيست ميد” بتأييد كبير من قبل الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي، حيث من شأنه أن يوفّر نحو 10 بالمئة من الاحتياجات الأوروبية للغاز الطبيعي، وبالتالي تخفيف اعتماد القارة العجوز على الغاز الروسي.

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن هذا المشروع سوف ينقل الغاز الطبيعي بداية من عام 2025، ويراهن الكثيرون على هذا المشروع الذي يذهب البعض إلى حد اعتباره أنه يشكّل انقلابا على مستوى الخارطة الطاقية للقارة العجوز.

ويأتي توقيع الاتفاق بين إسرائيل واليونان وقبرص في وقت تشهد منطقة شرق المتوسط توترات على خلفية إقدام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على توقيع اتفاقية مثيرة للجدل مع رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج في 27 نوفمبر الماضي تتضمن في شق منها ترسيما للحدود البحرية بينهما.

Thumbnail

ويعتقد على نطاق واسع أن خطوة أردوغان كان من أهدافها الرئيسية قطع الطريق على مشروع “إيست ميد”، حيث تسعى تركيا جاهدة إلى أن يمر خط أنابيب الغاز الإسرائيلي عبر أراضيها.

وعلى ضوء الاتفاق التركي الليبي الذي يلقى معارضة دولية وإقليمية واسعة، فإن أنقرة وسّعت من مساحة جرفها القاري بنحو الثلث، ما يجعلها تطالب بحصة وازنة من احتياطيات الطاقة المكتشفة في شرق المتوسط.

وتمنح الاتفاقية تركيا حق اقتطاع أجزاء كبيرة من المنطقة الاقتصادية اليونانية، بما في ذلك المياه الاقتصادية لجزيرة كريت اليونانية، التي سيمر منها خط أنابيب “إيست ميد”.

وقال أردوغان عقب توقيع الاتفاق مع الجانب الليبي إن إسرائيل ومصر واليونان وقبرص لم يعد بإمكانها بعد الآن مدّ خط لضخ الغاز دون موافقة تركيا. وأوضح أردوغان لوسائل إعلام تركية أنه لا يمكن للاعبين الآخرين إجراء أعمال التنقيب في المناطق التي حددها الاتفاق البحري بين أنقرة وطرابلس. وبالتزامن مع تلك التصريحات فتحت أنقرة مجددا الباب لمفاوضات مع إسرائيل عبر قنوات خلفية لبحث تغيير وجهة خط “إيست ميد” بحيث يمر عبرها، وكشفت هيئة البث الإسرائيلي أن تركيا أرسلت رسالة لحكومة نتنياهو أعربت فيها عن استعدادها للتعاون مع تل أبيب في نقل إمدادات الغاز الإسرائيلية إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.

وذكرت الهيئة أن مصدرا تركيّا رفيع المستوى في مجال الطاقة نقل الرسالة إلى إسرائيل، وقال إن بلاده “تنتظر تشكيل حكومة مستقرة في إسرائيل وتعيين وزير طاقة جديد لبحث هذه المسألة”.

ودخلت تل أبيب وأنقرة قبل سنوات في مفاوضات من أجل مدّ خط أنبوب غاز عبر الأراضي التركية، بيد أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق في ظل تحفظات من قوى عدة وبينها الاتحاد الأوروبي الذي لطالما اتسمت علاقته مع تركيا في عهد حكم حزب العدالة والتنمية بالتوتر.

ولا يخفى أن إسرائيل نفسها كانت مترددة حيال إبرام هذه الصفقة رغم العلاقات المتقدمة مع الجانب التركي، وهذا يعود إلى عدم ثقة تل أبيب بنظام الرئيس رجب طيب أردوغان.

وعلى ضوء فشل المحادثات اتجهت إسرائيل صوب اليونان وقبرص في العام 2015 لبناء تحالف للطاقة انضمت له مصر وكان من ثماره إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط ويضمّ سبع دول وهي مصر وإسرائيل والأراضي الفلسطينية وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن.

وبالاتفاق على مشروع “إيست ميد” ستجد تركيا نفسها في موقف صعب جدا، وبين خيارين أحلاهما مر فإما منع تنفيذ الاتفاق بالقوة، وهذا أمر محفوف بالمخاطر حيث أنه سيكون عليها ليس فقط مواجهة الدول الثلاث بل وأيضا الأطراف الداعمة للاتفاق أي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وإما الخيار الآخر أي الصمت والذي يعني أن الاتفاقية التي سارعت لتوقيعها مع الطرف الليبي مجرد حبر على ورق.

2