رئيس بدرجة زعيم تنظيم إرهابي أردوغان خليفة بن لادن أم خليفة للمسلمين

يبدو أن العالم مقبل على نمط مختلف من التفاعلات مع زعماء التنظيمات الإرهابية. لم يعد الدور الذي قام به قادة التكفيريين والجهاديين بأشكالهم وألوانهم المختلفة، والقاعدة وداعش، والنصرة وطبعتها الجديدة فتح الشام، وغيرهم، ينطلي على كثيرين، وكان لابد من وقفة حاسمة للتغيير كي تستمر المسيرة.
ولأن الناس تتوق دائما إلى التجديد فقد هّل عليهم رجب طيب أردوغان بثوب رئيس دولة في تركيا، لكنه في الأصل أقرب إلى زعماء الحركات السلفية المتشددة، في تصوراته وتصرفاته وعلاقاته وتوازناته. فالطريقة التقليدية التي يتحرك بها المتطرفون أصبحت مكشوفة، وبحاجة لضخ المزيد من الدماء الساخنة في عروقها.
كشف أردوغان عن وجهه الحقيقي مبكرا في دعم وتأييد التنظيمات المتطرفة، وتسلل، أو حاول التسلل، من أبواب ونوافذ متعددة، في سوريا والعراق ومصر وليبيا والصومال وأفغانستان وباكستان وهكذا، واتسق مع مشروعه الإيديولوجي الإسلامي في أجلى صوره، وتغافل المجتمع الدولي عن ذلك، عمدا أو جهلا.
تمكن الرجل من وضع يده على جميع الحركات المعلن منها والمستتر، المعروف والخفي، الكبير والصغير، وفاجأ العالم بشن حملة لحشد طيف واسع من الإرهابيين لتجميعهم في الأراضي الليبية، أملا في أن يعلن خلافته المزعومة للمسلمين من هناك.
عندما أعلن أبوبكر البغدادي خلافته لم يحظ بمباركة سوى من أنصاره القريبين، بينما حرص أردوغان على تلاشي هذا الخطأ الاستراتيجي ومهد لخلافته البائسة منذ سنوات وجمع شمل الجماعات المتطرفة من الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وقارات العالم أجمع، احتوى المأزومين والمرضى والفاشلين والمؤلفة قلبوهم، وصهرهم في حظيرته الإسلامية.
حاولت قوى دولية عديدة تكذيب أعينها وهي تشاهد حركة الإرهابيين تمر أمامها سريعا من أوروبا إلى سوريا عبر الأراضي التركية. ارتضى بعضهم هذه الطريقة كي يخلصهم من المتطرفين في بلدانهم، بالنفي بعيدا أو بالموت حرقا في أتون معارك مجهولة.
غير أن أردوغان استفاد من هذا التقاعس وربما الجهل، وجهز كتائب من الإرهابيين في شمال شرق سوريا. وعندما حانت لحظة الإجهاز عليهم من قبل القوات السورية والروسية، دخلت تركيا إلى المنطقة الحدودية المتاخمة لها مع سوريا، ووضعت يدها على كنز استراتيجي من المعتقلين الإرهابيين، وكأن المنطقة الآمنة التي أرادتها أنقرة هي الفوز بهؤلاء والتحكم في مصائرهم، وإطلاقهم نحو الدول التي ترفض ابتزازات أردوغان.
هدد صراحة دولا غربية مختلفة. تحدى ألمانيا مثلا وحصل منها على مليارات الدولارات من خلال التلويح بفتح ملف الهجرة غير الشرعية على مصراعيه. وقف في مواجهة فرنسا حتى أن رئيسها إيمانويل ماكرون لم يستطع مواصلة الفاصل الذي عزفه من فضح ألاعيب أردوغان وعلاقته بداعش وأخواته، ولم يتمكن من تكتيل حلف يضع حدا لطموحات أردوغان.
وقف في مواجهة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولعبا معا لعبة تشبه تقسيم الأدوار، انتهت إلى حالة غريبة من الوفاق السياسي. وبدت مسألة التهديد بالعقوبات الأميركية الاقتصادية نتيجة عقد أنقرة صفقة لاستيراد صواريخ إس 400 من روسيا كدخان في الهواء، جعل أردوغان يمضي في ضرباته يمينا ويسارا، في البر والبحر والجو.
كثيرون استغربوا قدرته على التحالف مع التنظيمات الإرهابية، وكثيرون تعجبوا من الصمت الغربي على ممارساته، وهو لم ينكر إيواء وتوظيف المتشددين، ويتفاخر بعقد اتفاقيات خارج إطار القانون الدولي مع حكومة الوفاق الليبية. ويشحن الآلاف من الإرهابيين من مكان لآخر.
كأن الرجل يحتمي بقوة عظمى خفية أو يقوم بدور في مسرحية لم تتكشف بعد خيوطها، وربما يكون هناك من يحفر لها ليتضخم ثم يقع في الفخاخ التي وقع فيها الزرقاوي وبن لادن والبغدادي، وكل من سبقوهم ومن سوف يلحقوا بهم.
قوى دولية عديدة حاولت تكذيب أعينها وهي تشاهد حركة الإرهابيين تمر أمامها سريعا من أوروبا إلى سوريا عبر الأراضي التركية
مهما كانت النتيجة، خوفا أم تآمرا أم تقاعسا وخيبة دولية، فالحصيلة أن أردوغان يمتلك صك احتضان التنظيمات الإرهابية. ينقلها مثل رقع الشطرنج من مكان لآخر، حسب الحاجة والأولوية، ووفقا للأهداف التي يصبو إليها. حقق أغراضه في سوريا، ويجهز المسرح الأمني في ليبيا، وربما يتحول إلى دول قريبة، يرى فيها نواة صلبة لتطوير مشروعه.
كان يطمع في أن تقود لعبة الديمقراطية إلى ركوب حلفائه الإسلاميين السلطة في دول مختلفة. وعندما وجد أن هذا الطريق محفوف بالمخاطر بعد فشل تجربة الإخوان في مصر، لجأ إلى الإرهابيين وفلولهم. وقدم لهم الملاذات الآمنة، ووفروا له البيئة الملائمة لتجريف القوى المناهضة.
ظلت هذه الورقة متوارية، ثم بدأت تظهر تدريجيا حتى حانت لحظة الكشف عن كل فصولها. بدت تطورات الأزمة في ليبيا المحك العملي للتعرف على الكثير من الخيوط وتشابكاتها. كذبت قوى مختلفة نفسها وهي ترى السفن تنطلق من تركيا صوب ليبيا، محملة بالأسلحة والإرهابيين والمرتزقة، وتصورت أنها واحدة من المناورات التي يقوم بها حكام لتحقيق مكاسب معينة.
انقلبت المسألة إلى عملية منظمة يتحكم فيها شخص واحد بدرجة رئيس دولة وزعيم ميلشيات معا. تحول كل همه إلى تحقيق مغانم عبر أدوات يبدو العالم كله في خصام معها. الحرب على الإرهاب أصبحت قاسما مشتركا بين قوى إقليمية ودولية كبيرة. دخلت في كثير من تفاصيلها، وحتى الآن لم تتجه نحو زعيم العصابة الذي يحرك رؤوسها وقواعدها.
ليس هناك أكثر من مطالبة أردوغان بتشكيل ما يسمى بشركة إسلامية لتوريد المرتزقة والإرهابيين رسميا، فقد أغراه الصمت على توجهاته المتباينة طوال السنوات الماضية على تجهيز العدة لتقنين توريد المتشددين. انتقل من مرحلة الحيل إلى المجاهرة بالإثم والعدوان، ويدرك أن القوى الكبرى لن تتحرك سريعا لردعه، ولن تتمكن من ملاحقته قانونيا، وأمن العقاب فتمادى في غيه ورعونته.
يقدم أردوغان حالة نادرة في التاريخ الحديث والمعاصر. يسير عكس الرياح السياسية التي تهب على العالم. يمثل الرجل ظاهرة بحاجة لمزيد من الدراسة والفحص. فكيف لرئيس دولة لا يخجل من علاقته بتنظيمات إرهابية تدعي قوى كبرى أنها في حرب معها؟ ومن أين جاءه كل هذا الصلف ليخوض غمار معارك ويشعل حروبا؟ هل المتشددون باتوا قوة فوق القوة والقانون الدولي؟
يخوض أردوغان مغامرة محسوبة في بعض جوانبها. يعلم أن منطق القوة له الغلبة في العلاقات الدولية، وحقق من وراء هذا الأسلوب مكاسب ودرأ خسائر. وهو ما يعني المزيد من التصعيد والتوترات في مناطق مختلفة، حتى من اعتقدوا أنهم على وفاق مع رجل تركيا المريض سوف ينقلب عليهم يوما ما.
روسيا التي تقدم قدما وتؤخر الثانية مع أردوغان لن تكون بعيدة عن أضرار احتضانه للإرهابيين. موسكو خاضت غمار حرب ضروس في أفغانستان، وخرجت منها بمعجزة، لن تكون نيران صديقها المريب بعيدة عنها، لأن أطماعه في المنطقة القريبة من روسيا كبيرة ومتشعبة، ونشاط الجماعات المتشددة هناك غير خاف على أحد. ليونتها الظاهرة معه في سوريا لن تؤدي إلى تقسيم الكعكة بالطريقة التي يريدها الرئيس فلاديمير بوتين.
قد ينقلب السحر على الساحر، وتبتلع الحية صاحبها، أو من اعتقدوا أنهم في آمان منها ويستطيعون تحريكها، والاستفادة من تنقلاتها المتلاحقة. أردوغان لا يعنيه سوى تحقيق أحلامه الغيبية ويعيش مكبل بتصفية حساباته السياسية.