المركزي السوداني يواجه الأزمات المالية بإدارة جديدة

تحديات شاقة لمعالجة نقص العملات الأجنبية وارتفاع التضخم.
الخميس 2019/12/12
في ترقب رياح التغيير

اتسعت فرص طي مرحلة السياسات المالية البالية في السودان بعد تعيين محافظ جديد للبنك المركزي، يحظى بثقة الأوساط الاقتصادية والمالية السودانية، رغم إقرار الجميع بصعوبة التحديات التي يواجهها لتطهير النظام المالي من الأزمات المزمنة.

الخرطوم - تنفست الأوساط الاقتصادية السودانية الصعداء أخيرا بعد الإعلان عن تولي بدرالدين عبدالرحيم دفة القيادة في البنك المركزي خلفا لحسين يحي جنقول، الذي قدم استقالته الشهر الماضي.

ورغم التحديات الصعبة، التي تنتظر المحافظ الجديد، إلا أن المصرفيين والمستثمرين والتجار وحتى المواطنين تحدوهم آمال عريضة في أن يتمكن من إصلاح سياسة نقدية قوضت الاستثمار والنمو طيلة سنوات.

بدرالدين عبدالرحيم يعتبر رابع محافظ للبنك المركزي في غضون عامين
بدرالدين عبدالرحيم يعتبر رابع محافظ للبنك المركزي في غضون عامين

وأعلن رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان، الاثنين الماضي، قرارا بتكليف عبدالرحيم لتولي أعلى هرم السلطة النقدية بالبلاد، وهو رابع محافظ في غضون عامين فقط.

وظل منصب المحافظ شاغرا منذ السادس عشر من يناير 2018 عقب وفاة المحافظ الأسبق حازم بابكر بسكتة قلبية في تركيا ليتم تعيين محمد خيرالزبير في نهاية العام الماضي وليخلفه بعد ذلك جنقول في مارس الماضي.

ويتحسس الاقتصاد السوداني خطواته نحو بر الأمان، فالتحديات التي تمر بها البلاد تلقي بظلالها على أحوال المواطنين، وأسعار العملات وكل جوانب الحياة.

وعانى السودان من أزمة توفير النقد الأجنبي لأسباب هيكلية تمثلت في هبوط متواصل لسعر العملة المحلية أمام الدولار، فضلا عن ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية.

وتسببت احتجاجات استمرت لأشهر ضد زيادات أسعار الوقود والخبز ونقص السيولة النقدية من السوق في إطلاق شرارة انتفاضة ضد عمر حسن البشير الذي أطاح به الجيش في أبريل الماضي.

وسيتعين على عبدالرحيم، الذي كان يشغل منصب رئيس وحدة التمويل الأصغر بالمركزي، في ظل المؤشرات السلبية أن يوازن بين السماح للعملة بالانخفاض وتفادي خفض حاد للقيمة سيؤدي إلى تفاقم الاختلالات التي يحاول إصلاحها.

وواصلت أسعار العملات الأجنبية ارتفاعها اللافت أمام الجنيه السوداني في السوق الموازية، تزامنا مع انعقاد اجتماع لأصدقاء السوان بالخرطوم في محاولة لإسعاف الاقتصاد.

وسجل سعر شراء الدولار بداية هذا الأسبوع في تداولات الأسواق الموازية للعملات 84 جنيها، فيما وصل البيع إلى 83 جنيها مقارنة بنحو 45 جنيها، السعر الرسمي للدولار في المصارف.

ورجحت توقعات وصوله إلى 90 جنيها قبل بداية مؤتمر أصدقاء السودان الأربعاء، بمشاركة 24 دولة على رأسها الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب اليابان، ودول خليجية أبرزها السعودية والإمارات.

وذكر متعاملون أن العملات الأجنبية شهدت الثلاثاء طلبا متزايدا خاصة من كبار المستوردين ما دفع التجار إلى الأحجام عن البيع بسبب شح المعروض من العملات الأجنبية.

84 جنيها سعر صرف الدولار بالسوق الموازية السودانية، وتوقعات بوصوله إلى 90 جنيها

ويتطلع المحافظ الجديد، الحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة مانشستر عام 1992، إلى إحداث اختراق ولو بسيط في السياسات الراهنة من خلال بلوغ نقطة الاستقرار بشكل عام للأسعار باحتواء معدلات التضخم بهدف الإسهام في تحقيق معدل نمو حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي.

وتشير أحدث الأرقام الرسمية التي تم نشرها، الاثنين الماضي، إلى أن معدل التضخم لشهر نوفمبر الماضي سجل ارتفاعا بلغ 60.67 بالمئة مقارنة بنحو 57.7 في الشهر السابق.

وأرجع الجهاز المركزي للإحصاء ارتفاع التضخم إلى زيادة أسعار مجموعة السلع الغذائية، التي بلغت نسبة مساهمتها في التضخم 61.2 بالمئة.

ويتوقع أن يعلن عبدالرحيم سياسات مغايرة لأسلافه خاصة وأن السودانيين ينتظرون تحقيق طموحاتهم بتحسن حياتهم بعد أن أطاح الجيش بالبشير من الرئاسة تحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية.

ويراود الأوساط الاقتصادية والشعبية أن يعمل المحافظ الجديد على تحقيق الاستقرار النقدي والمالي من أجل المساهمة في تحقيق النمو المستدام، وذلك من خلال كبح التضخم واستقرار المستوى العام للأسعار.

كما أن عليه العمل على تعظيم موارد النقد الأجنبي، التي تتجاوز وفق صندوق النقد الدولي حاجز المليار دولار، إلى جانب التوسع في تمويل القطاعات الإنتاجية وتعزيز ونشر برامج التمويل الأصغر والصغير والمتوسط.

وقاطع آلاف السودانيين المصارف منذ أشهر بعد تفاقم أزمة السيولة النقدية وعجز المؤسسات المالية عن الإيفاء بمستحقات الزبائن الموجودة في حساباتهم.

وعمد كبار التجار خلال الربع الأول من العام الجاري إلى الاحتفاظ بأموالهم في المنازل والمتاجر بدلا عن إيداعها في الحسابات البنكية.

أطفال بلا مدارس
أطفال بلا مدارس

ودفع انهيار الجنيه حكومة البشير إلى خيار طباعة فئات نقدية أعلى من المتداولة في السوق لسد الفجوة الكبيرة في التمويل، وسط تفاقم الأزمات الاقتصادية للبلاد بعد عام من رفع العقوبات الأميركية والتي استمرت لعقدين من الزمن.

وأعلن المركزي مع مطلع هذا العام طباعة أوراق نقدية من فئات 100 و200 و500 جنيه وذلك للمرة الأولى في تاريخ البلاد بهدف إنهاء مشكلة شح السيولة تدريجيا.

وتضرر السودان بشدة من جراء انفصال الجنوب، الغني بالموارد النفطية، عنه في عام 2011، وهو يعد أحد الدول المثقلة بعبء الدين، إذ يبلغ 60 مليار دولار وهو يحتاج إلى تسوية عاجلة.

وتلقت الحكومة الانتقالية بعض الدعم لواردات الوقود والقمح من السعودية والإمارات بقيمة 3 مليارات دولار، إلى جانب ودائع تصل إلى مليار دولار مناصفة بين البلدين الخليجيين.

ولكن تلك المساعدات تبدو غير كافية، فنحو 65 بالمئة من السودانيين البالغ تعدداهم 44 مليونا يعانون من الفقر ويحتاجون إلى تمويلات تنموية بقيمة ملياري دولار إلى جانب ملياري دولار من المأمول الحصول عليها من صناديق تنموية عربية.

وأكد وزير المالية إبراهيم البدوي الشهر الماضي أن بلاده تحتاج إلى ما يصل إلى خمسة مليارات دولار دعما للموازنة المقبلة لتفادي انهيار اقتصادي محتمل.

10