فرنسا تلوّح بإعادة العقوبات على إيران لانتهاكها الاتفاق النووي

تواصل إيران جني ثمار أفعالها وتصعيدها باستئناف تخصيب اليورانيوم بعد تلويح فرنسا بإعادة فرض العقوبات الأممية عليها على خلفية انتهاك الاتفاق النووي، وذلك بعد أن أنهكت العقوبات التي تفرضها واشنطن منذ أشهر الاقتصاد الإيراني الذي لم يعد يحتمل المزيد من الضغوط حسب ما تقدره تقارير دولية.
باريس - هددت فرنسا بالعودة إلى آلية منصوص عليها في الاتفاق الموقع عام 2015 حول الملف النووي الإيراني، تسمح بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، وذلك بعد سلسلة من الانتهاكات ارتكبتها إيران.
وفي حال نفذت باريس وعيدها فإن اقتصاد طهران سيواصل الزحف نحو الهاوية بعد أن بات يئن تحت وطأة العقوبات الأميركية، ما جعل نظامها يتخذ قرارات داخلية بهدف إنعاش خزينة طهران وهي قرارات لم يجرؤ النظام على اتخاذها في السابق.
وفجرت هذه القرارات المتمثلة في الترفيع في أسعار الوقود موجة من الاحتجاجات التي هزت أكثر من 120 مدينة طوقتها السلطات بالقوة، ما تسبب في مقتل ما لا يقل عن 143 متظاهرا سلميا حسب منظمة العفو الدولية.
وتشير تقارير دولية إلى أن الاقتصاد الإيراني يواصل حالة الركود، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش اقتصاد طهران بنسبة 9.5 بالمئة هذا العام.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في الجمعية الوطنية، “ثمة انتهاك إيراني إضافي كل شهرين بحيث أننا نتساءل حاليا، وأقول ذلك بصراحة، حول العودة إلى آلية تسوية المنازعات التي ينص عليها الاتفاق”.
وأضاف أمام لجنة الشؤون الخارجية، “نظرا إلى تتابع إجراءات السلطات الإيرانية، في انقطاع تدريجي مع خطة العمل الشاملة المشتركة في الاتفاق النووي، فإنّ المسألة تطرح نفسها”.
وفي سياق الرد الإيراني على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 وفرضها عقوبات شديدة تخنق الاقتصاد الإيراني، اتخذت طهران سلسلة من الإجراءات التي تقلّص حجم التزاماتها الواردة في الاتفاق.
ويتضمن الاتفاق آلية لتسوية المنازعات، تنقسم بين عدة مراحل. ومن شأن مسار قد يستغرق أشهرا، أن يقود إلى تصويت مجلس الأمن الدولي على إمكانية أن تواصل إيران الاستفادة من رفع العقوبات الذي أقر إبان توقيع الاتفاق.
وصرح مصدر دبلوماسي فرنسي في وقت لاحق بأن هذا لا يؤدي تلقائيا إلى إعادة فرض العقوبات، موضحا أنه يسمح قبل كل شيء بـ“طرح السؤال سياسيا” حول احترام الالتزامات التي تم التعهد بها.
وارتكزت طهران بدورها على هذا الطرح في ردها على توعد باريس حيث أعلنت، الخميس، أن الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي المبرم عام 2015 لا يمكنها اللجوء إلى آلية حل الخلافات الواردة فيه والتي يمكن أن تؤدي إلى عقوبات.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي “الاتفاق النووي لا يسمح للأطراف الأوروبية في ظل الظروف الراهنة، باللجوء إلى هذه الآلية” في ظل إجراءات إيران “المشروعة لاستيفاء حقوقها وذلك ردا على الإجراءات غير القانونية والأحادية من جانب الولايات المتحدة”، كما نقلت وكالة الأنباء شبه الرسمية إيسنا.
وكان لودريان قد أبدى تشاؤما حيال الجهود المتعددة التي تقودها فرنسا لإنقاذ الاتفاق. وقال إنّ “الجهود لوقف التصعيد التي قمنا بها، وقادها رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون عدة مرات، لم تؤد إلى نتيجة لأسباب عديدة”.
ولم يخف لودريان خشية بلاده من تحركات إيران الإقليمية التي باتت تهدد بزعزعة استقرار المنطقة في ظل هجمات شنتها على سفن في مضيق هرمز، بالإضافة إلى انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
وتابع أنّ الجهود “حاليا في تراجع بعض الشيء. هناك فرنسيان في السجن في إيران وعلاوة على ذلك لاحظنا من جانب السلطات الإيرانية تنفيذ هجمات إقليمية، بعضها على السعودية”.
وتطالب باريس بالإفراج عن الباحثين الفرنسيين، المتخصصة في الإنتروبولوجيا فاريبا عاداخاه وزميلها رولان مارشال المتخصص في الشؤون الأفريقية، وأوقفا في شهر يونيو الماضي.
وأضاف لودريان “بالتوازي، ألاحظ حجم التظاهرات في إيران، التي وبشكل غير مباشر لا تساعد في سياسة التهدئة”.
وأشار إلى أنّ “منطق الضغوط القصوى التي بادرت إليها الولايات المتحدة وهي ليست سياستنا، يبدو أنّه يعطي الحق للأميركيين بسبب سلوك مرشد الجمهورية والرئيس روحاني تجاه المتظاهرين”.
وقال “نأمل أن تتمكن السلطات الإيرانية من ملاقاة الأيدي حين تكون ممدودة”.
وتأتي هذه التغيرات في مواقف باريس بعد أيام من تصريحات مستفزة لباريس أدلى بها المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامئني، انتقد خلالها خامئني محاولات ماكرون ترتيب لقاء بين الرئيس الإيراني حسن روحاني ونظيره الأميركي دونالد ترامب.
وقال آنذاك خامئني ’’الرئيس الفرنسي الذي يقول إن اجتماعا سيحل المشكلات بين طهران وأميركا إما ساذج وإما متواطئ مع أميركا”.
وذهب مراقبون في تفسيرهم لتصريحات خامئني إلى القول إنه يحاول استفزاز الأوروبيين من أجل تعزيز ضغوطهم على واشنطن للعودة إلى الحوار بسبب شدة العقوبات المسلطة على الاقتصاد الإيراني.
وتستمر إيران في الفترة الأخيرة بتخبطها في ظل تزايد الضغوط على نفوذها الإقليمي بعد انتفاضة الشعبين اللبناني والعراقي الرافضين لأذرع إيران هناك، بالإضافة إلى ما عاشته أكثر من 120 مدينة إيرانية من احتجاجات على زيادة في أسعار الوقود، وهو ما جعل عزلة السلطات هناك تتعمق.