انتقادات ترامب وماكرون تحاصر الناتو في عيده السبعين

قادة الدول الـ29 الأعضاء في حلف شمال الأطلسي يحاولون إظهار وحدة الصف لكنهم يواجهون أسئلة عن مستقبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
الخميس 2019/11/28
ترامب وماكرون يصعدان المواقف تجاه الناتو

يحتفي حلف شمال الأطلسي في مطلع شهر ديسمبر القادم بمرور سبعة عقود على تأسيسه في قمة تعقد بالعاصمة البريطانية لندن، وسط أجواء مشحونة أثارتها سجالات متعددة تبقى على رأسها انتقادات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال إن “الناتو” في حالة موت سريري، علاوة على المواقف الأميركية التي يقودها الرئيس دونالد ترامب والذي بات الحفاظ على وحدة موقف الحلف لا يشكّل أولوية لديه ضمن خارطة سياساته العسكرية.

بروكسل- يحاول حلف شمال الأطلسي اغتنام مناسبة الاحتفاء بمرور 70 عاما على تأسيسه في الرابع من ديسمبر القادم لتجهيز نفسه لتقديم طلب إلى مجلس الحكماء للمساعدة على إصلاح وضع التحالف الذي تشقه العديد من الخلافات، خاصة بعد تشكيك الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أهميته أو بعد انتقادات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أكد أن الحلف يحتضر.

وتستضيف لندن قمة الحلف في الرابع من ديسمبر وسيحاول قادة الدول الـ29 الأعضاء فيها إظهار وحدة الصف، لكنهم يواجهون أسئلة عن مستقبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

ويشعر حلفاء واشنطن في أوروبا وكندا بالحيرة مما قد يطرحه ترامب بعد أن انتقد ألمانيا في قمة الحلف في يوليو 2018 وفكّر في الانسحاب منه، قبل أن يثني عليه وينسب لنفسه الفضل في الإصلاحات الموعودة.

وتأتي هذه المناسبة في الوقت الذي أغضب الرئيس الفرنسي نظراءه في أوروبا بأسلوبه القاطع وغير المتوقع والحاد مثلما فعل عندما “قلب الطاولة” بتصريحاته حول الحلف مجازفاً بأن يبدو معزولاً وغير قادر على تقديم حلول عملية.

وستتاح للرئيس الفرنسي الفرصة لشرح موقفه حول الناتو لدى استقباله الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ الخميس في الإليزيه، وفي قمة الحلف يومي الثالث والرابع من ديسمبر في لندن.

وفاجأ ماكرون نظراءه بالفعل عدة مرات من خلال تصريحاته الخارجة عن المألوف بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومنطقة البلقان – عندما عرقل بدء مفاوضات انضمام شمال مقدونيا إلى الاتحاد الأوروبي – ودعوته إلى التقارب مع روسيا.

أنجيلا ميركل: يجب اليوم أكثر من أي وقت مضى الحفاظ على حلف شمال الأطلسي
أنجيلا ميركل: يجب اليوم أكثر من أي وقت مضى الحفاظ على حلف شمال الأطلسي

ويقول فرنسوا هيسبورغ الخبير لدى مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية إن ماكرون “يشبه في جانب ما (نابليون) بونابرت عند جسر أركول، لكنه ليس في أركول ولا يوجد جسر!”، مشيرا بذلك إلى معركة كرَّست أسطورة الجنرال الشاب الذي يتقدم بثبات شاهرا سيفه.

وتضيف تارا فارما الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وهو مركز دراسات في أوروبا “هذه هي طريقة ماكرون، بدلاً من انتظار شركائه يفرض إيقاعه بمبادرات جديدة كل أسبوع تقريبًا”.

وقد زرعت كلماته القاسية بشأن الناتو مستنكرًا عدم التنسيق بين الولايات المتحدة وحلفائها، وهجوم تركيا العضو في الحلف على الأكراد السوريين اللاعب الرئيسي في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الخوف وإن كان الجميع متفقين معه حول الجوهر.

ويقول من جهته، مصدر دبلوماسي فرنسي إن “ما أثار ردود الفعل في أوروبا هو الأسلوب والشكل”. ويضيف “لكن الصدمة الكهربائية نجحت” من خلال فرض نقاش حول إستراتيجية الحلف وتعزيز الدفاع الأوروبي.

ويرى فرنسوا هيسبورغ أن القادة الأوروبيين لم يرتاحوا لإدلائه بهذه التصريحات لوسائل إعلام. ويقول إنه تصرّف “فظ إلى حد كبير ويكفي لإثارة العداء على الفور”.

ومنذ ذلك الحين نفّس ماكرون عن شعوره بالإحباط مما يقول دبلوماسيون فرنسيون إنه غياب التنسيق في الحلف على مستوى سياسي والتقاعس عن تناول موضوعات محظور الخوض فيها. وقد وصف ماكرون الحلف بأنه في حالة “موت إكلينيكي”.

وجاءت تصريحاته في أعقاب قرار سحب القوات الأميركية من سوريا الذي دفع تركيا لشن هجوم على وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا. وتعتبر تركيا مقاتلي وحدات حماية الشعب إرهابيين رغم أنهم ساعدوا واشنطن في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. ويخشى حلفاء أنقرة في حلف شمال الأطلسي من أن يضعف الهجوم الحرب على مقاتلي الدولة الإسلامية.

ورجّح دبلوماسيون أن تتبنّى القمة اقتراحا فرنسيّا ألمانيّا لتشكيل مجموعة من الشخصيات المرموقة تحت إشراف الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، وذلك لمعالجة المخاوف بشأن مستقبل الحلف. وسيقدّم “الحكماء” تقريرهم في أواخر 2021 عندما يحين موعد عقد قمة الحلف التالية بما يهيئ السبيل لتطبيق إصلاحات.

وقال دبلوماسي فرنسي رفيع يشارك في المناقشات “نحاول توجيه الصدمة الكهربائية المولّدة (بتصريحات ماكرون) لإنشاء حوار سياسي”. وأضاف أن الهدف هو “إعادة التوازن للتحالف عبر الأطلسي” مع اعتراف أوروبا بأن واشنطن تتحمّل مسؤولية أكبر مما يجب.

وعلى الأرجح ستكون المجموعة صغيرة تجمع بين سياسيين كبار وغيرهم ممن يمكنهم طرح أفكار أقدر على التغيير الجذري.

من جهتها، دافعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن الحلف بقولها الأربعاء ردا على انتقادات ماكرون “يجب اليوم أكثر من أي وقت مضى الحفاظ على حلف شمال الأطلسي”.

وقالت ميركل أمام مجلس النواب “من مصلحتنا الحفاظ على حلف شمال الأطلسي اليوم أكثر من أثناء الحرب الباردة”. ووعدت بأن تحقق ألمانيا “في بداية عقد 2030” هدف الحلف الأطلسي بتخصيص 2 بالمئة من إجمالي ناتجها الداخلي للإنفاق العسكري.

ودعت المستشارة الألمانية ميركل إلى زيادة توريد العتاد الأمني إلى الدول الأفريقية، قائلة في البرلمان إنه لا يمكن اقتصار تدريب القوات المسلحة على مكافحة الإرهاب على سبيل المثال، بل يتعيّن توريد العتاد اللازم لذلك، وأضافت “إذا كنّا نريد تدعيم الأمن والسلام في أفريقيا، أعتقد أنه لا يمكننا أن نرفض تماما (توريد) العتاد”.

يذكر أن الجيش الألماني يدرب منذ سنوات عديدة القوات المسلحة في مالي. وكانت أجزاء كبيرة من الدولة الواقعة غربي أفريقيا سقطت قبل أعوام في قبضة ميليشيات إسلامية، وتكافح حتى اليوم ضد الإرهاب.

وقبل أسبوع من قمة الحلف في لندن، دافعت ميركل بشدة أمام النواب عن الحلف الذي تأسس في 1949 واعتبر ماكرون أنه في حالة “موت دماغي”. وقالت إن الحلف شكّل “سدا في وجه الحرب” ضمن “الحرية والسلام” منذ سبعين عاما وجزئيا بفضل “أصدقائنا الأميركيين”.

وأشارت إلى دور الحلف في إحلال الاستقرار أيضا منذ انتهاء الحرب الباردة، في منطقة البلقان أو في أفغانستان.

غراف

وفي لفتة موجهة إلى ترامب، من المتوقع أن يتم الاتفاق في القمة على تحمل حلفاء الولايات المتحدة حصة أكبر من تكاليف إدارة الحلف وتقليل حصة واشنطن من التمويل السنوي المخصص لمقر الحلف والعاملين فيه بدءا من 2021.

ومن المنتظر أن يوافق القادة على مطلب أميركي بأن يخصص الحلفاء الأوروبيون المزيد من الكتائب والسفن والطائرات لحلف شمال الأطلسي لتكون جاهزة للقتال كقوة ردع في مواجهة أي هجوم محتمل من روسيا.

وقال دبلوماسي أوروبي كبير في الحلف “لا أحد يعرف بالطبع ما سيقوله ترامب. لكننا لا نعرف الآن ما سيقوله أيضا ماكرون أو (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان”.

وستكون القمة قصيرة على غير العادة إذ تستغرق يوما واحدا وتعقد في ناد فاخر للغولف وذلك لتضييق المجال أمام الخلافات الدبلوماسية، رغم أن بريطانيا تحرص على استضافة القمة في الوقت الذي تتأهب فيه للخروج من الاتحاد الأوروبي.

كان الحلف قد تأسس في العام 1949 للتصدي لخطر الاتحاد السوفييتي الشيوعي، لكن أهميته تجددت بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إليها في 2014.

ويتعرض الحلف الآن لضغوط للمساهمة في حل بعض من أعقد الأزمات العالمية، وقد دفعته واشنطن لبحث موقفه من الصين التي تمثّل قوة عسكرية متنامية.

وقال ضابط الجيش النرويجي اللفتنانت كولونيل ستين جرونجستاد خلال تدريب جنود نرويجيين سيتولون تدريب قوات حكومية محلية في العراق تحت علم الحلف “الضغوط على النظام كبيرة”. وأضاف “من الصعب على الجيش أن ينفذ دفاعا إقليميا وتدريبا وعمليات دولية في آن واحد”.

وهذه مسألة حساسة لألمانيا التي تعدّ أكبر اقتصاد في أوروبا لكنها تعاني من قدم الأسلحة ولا تستهدف تحقيق الحد الأدنى المستهدف لإنفاق الدول الأعضاء في الحلف حتى عام 2031. وقال مصدر دفاعي ألماني “لكن السؤال لا يزال هو ما إذا كان الساسة مستعدين لحجم الإنفاق الكبير”.

6