التخييم في براري الخليج دفء لا يعرفه السياح الأوروبيون

تعتبر منطقة الخليج وجهة سياحية جديدة لما تمتاز به من مقوّمات طبيعية وبنية تحتية تستقطب السياح على اختلاف جنسياتهم، ويمكن أن تكون هذه المنطقة وجهة سياحية مفضّلة لدى السياح الأوروبيين الذين يبحثون عن شيء من الدفء هربا من قسوة شتائهم، إضافة إلى أجواء التخييم في الصحراء والبراري، خاصة وأن سياح الشتاء يبحثون عن الهدوء والحياة البسيطة.
الكويت - ما إن يحلّ موسم الشتاء في منطقة الخليج، حتى يشدّ عدد كبير من المواطنين رحالهم نحو أرض خلاء، بحثا عن حياة بسيطة في أحضان الطبيعة بعيدا عن صخب المدينة، ففي جميع دول الخليج العربي يبدأ في هذه الفترة موسم التخييم، فلا شيء يضاهي حب الخليجيين للعودة إلى الصحراء أو “البر” كما يطلق عليه في المنطقة، لكنّ قليلا من هذه الدول التي تروّج لهذا الموسم لجلب السياح من الدول الأوروبية التي تُعرف بالشتاء القارس.
في فصل الشتاء يجد الخليجيون مبتغاهم في الخروج إلى المناطق التي لم تطلها بعد المباني الضخمة والمكيّفات الكهربائية التي لا تكفّ عن الطنين، حيث تبدأ أعداد الخيام في التزايد منذ بداية الموسم حتى تصبح أشبه بمعسكرات للجيش، فالمتعة المرجوة هنا هي تنفس هواء خال من عوادم السيارات ومخلّفات المصانع والضجيج، وقد تسمع في الصباح أصوات الطيور ورفرفات الحمام، لكن ما زالت حركة السياح الأوروبيين بطيئة رغم قسوة شتائهم.
وإذا كنت في صلالة العُمانية فستسمع خرير المياه المنسابة من شلالات الخريف، أما في المنطقة الحدودية بين السعودية والكويت، فصوت الماشية يغدو رفيق أصحاب الخيام طيلة فترة إقامتهم في البراري.
في البحرين التي هي أصغر دول الخليج مساحة، تعتبر الصخير منطقة التخييم، فهي منطقة صحراوية منبسطة ومتسعة نسبيا، أما في موسم الشتاء، فلا تكاد تجد موطئ خيمة جديدة، فالعائلات تعمد إلى حجز خيامها في المنطقة مبكرا لتضمن مكانها لرحلات الشتاء، فمن لا يقضى الشتاء كله أو جزءًا منه، يكتفي بإجازة نهاية الأسبوع من الجمعة والسبت لقضاء ليلتين هادئتين في ربوع الطبيعة، على الرغم من أن الزحام الآن يعتبر سمة الصخير، إلا أن السياح الأجانب لا يعرفون جمال هذه المنطقة لعدم اهتمام السلطات بالترويج للمنطقة وللكويت بصفة عامة كوجهة سياحية غنية بالجزر الخلاّبة والبيئة الصحراوية والبحرية.
مفهوم السياحة في الكويت ما زال مبهما، وما تزال الأبواب مغلقة أمام تنمية القطاع السياحي كما يقول مختصون في هذا القطاع.
الإمارات تشهد حركة سياحية من مختلف دول العالم وخاصة من القارة الأوروبية، ويأتي السياح بحثا عن الدفء والهدوء
تقول المديرة السابقة لشركة المشروعات السياحية نبيلة العنجري، إن “الكويت لديها مزايا سياحية كثيرة لكنها غير منسجمة في رؤية سياحية متكاملة، وسبب عدم انسجام المزايا السياحية في الكويت يرجع لعدم وجود منتج تنافسي يجذب السياح”.
ويعشق الكويتيون العودة إلى روح البداوة بالخروج من رحم المدينة الباردة إلى فضاء الطبيعة الرحب، وللكويت مناطق صحراوية تصطبغ باللون الأخضر بعد موسم الأمطار، حيث ينمو “الفقع” وهو فطر أرضى ينمو في ظروف بيئية وجغرافية خاصة، والخليجيون يعشقون أكل هذا النبات الأرضي ويباع بأسعار عالية خاصة الأنواع الجيدة منه.
نمو الفقع في الأراضي الكويتية والسعودية، يشجع هواة البر في التخييم في مناطق مجاورة لمناطق نمو الفقع والقيام بجولات للبحث عنه تحت الأرض وهو يحتاج إلى أعين مدربة، حيث يعتبر التقاط الفقع من الأرض متعة خاصة لعديد من مواطني الخليج.
السعودية أيضا تتمتع بامتداد الصحراء الواسع الذي يعطي الفرصة للعائلات بأن تنعم بالخصوصية والرفاهية في إنشاء الخيام والتمتع بمساحات خالية لتكون فناء خاص للعائلة، لكن الأراضي السعودية لا تصلح جميعها لهذا الغرض الترفيهي، فلا بد للمنطقة المختارة أن تكون ذات طبيعة خصبة بحيث تكون قد نمت فيها الأعشاب واصطبغت باللون الأخضر الذي يبحث عنه ويعشقه المخيمون ليستمتعوا براحة البال، وعلى ذلك فإن مواصفات مناطق التخييم المثالية لا تنطبق على صحراء الربع الخالي التي تلتهم أغلب مساحة السعودية.
وتعتبر المناطق المحيطة بمدينة أبها والمناطق الحدودية مع الكويت، من أكثر المناطق الجاذبة للمخيمين ليس من السعوديين فحسب بل ومن الخليج كله، حيث لا تمنع السلطات الخليجيين من الاستمتاع بالصحاري أو الوديان الخضراء التي قد لا تصدق من فور جمالها أنك في نطاق الخليج أو المملكة السعودية حتى أن بعض الخليجيين يحرصون على إبقاء خيامهم طوال العام، خاصة وأن خيام اليوم صارت مجهزة بكل وسائل الراحة والرفاهية من مولدات كهربية للإضاءة وأفران كهربائية وسخانات وتلفزيونات وصحون لاقطة للبث التلفزيوني الفضائي، وغيرها من الأدوات التي تجعل التخييم يجمع بين التواجد بين أحضان الطبيعة مع عدم التخلّي عن تكنولوجيا العصر بكل تفاصيلها.
وتشهد السعودية هذا العام حركة نشيطة لتنمية السياحة في ربوعها، وهي تأمل في السنوات القادمة قدوم السياح الأجانب في فصل الشتاء للاستمتاع بالتخييم وأجواء الصحراء والحياة البسيطة مع سكان البوادي.
ولا تختلف الإمارات ومواطنوها كثيرا عن باقي شعوب المنطقة، في حبهم للتخييم، تساعدهم في ذلك امتداد الأراضي الخالية من الإعمار وخاصة في شمال البلاد، في المناطق المجاورة لجبال رأس الخيمة، وهي منطقة تهطل فيها الأمطار بغزارة مما يساعد عل نمو الأعشاب والنباتات الموسمية.
وعندما تكتسي الجبال بلون أخضر، يهب هواة التخييم والخلاء إلى غزو تلك الجبال وما يحيط بها من مناطق منبسطة.
وعلى خلاف السعودية والكويت، فإن الإمارات تشهد حركة سياحية من مختلف دول العالم وخاصة من القارة الأوروبية، ويأتي السيح بحثا عن الدفء والهدوء.
ويؤكد الخبراء في القطاع السياحي أن الآلاف من السياح يزورون المخيمات الصحراوية من مختلف الجنسيات يوميا، لاسيما من الجنسيات الأوروبية والروسية في ظل اعتدال الأجواء.
وأوضح الخبراء أن البرامج الصحراوية تأتي في المركز الأول في حجم الطلب خلال الفترة الحالية، وتعتبر رحلة السفاري في الصحراء مطلب السياح الأجانب، إضافة إلى أنها باتت مطلب السياح المحليين والخليجيين على حد سواء خلال أيام العطل الرسمية.
أما سلطنة عمان فلها قصة طويلة مع استقطاب هواة التخييم من الخليج كافة وخاصة لمنطقة صلالة، وقد قامت الدولة بتسخير طاقات خاصة وجهود حثيثة لتشجيع المخيمين من الخليج وأوروبا لزيارة تلك المناطق.
وقد شاركت وزارة السياحة العُمانية هذا العام في 5 من المعارض السياحية العالمية، وتنظم برامج ترويجية في عدد من الدول المصدرة للسياحة، وذلك في إطار جهودها الهادفة إلى الترويج للمقومات والخدمات السياحية التي تزخر بها السلطنة.