حزب البشير ينحني على أمل تجاوز عاصفة حله

المؤتمر الوطني يستغل المناخ الديمقراطي السائد في البلاد الآن، ويعمل على إعادة بلورة مواقفه بما يجعله قادراً على إعادة تنظيم صفوفه مراهنا على "أن ذاكرة الشعوب ضعيفة".
الثلاثاء 2019/11/12
حل المؤتمر الوطني مطلب شعبي

الخرطوم – يواجه حزب المؤتمر الوطني الذراع السياسية للحركة الإسلامية في السودان، ضغوطا من الشارع وجزء من مؤثثي السلطة الانتقالية تطالب بحله ومصادرة ممتلكاته، عبر تبنّي خطاب مرن يتماهى وطبيعة المرحلة، وهو ما يطرح تساؤلا حول ما إذا كان بإمكانه فعلا تجاوز العاصفة؟ خاصة وأن هناك انقساما في هرم السلطة حيال توقيت اتخاذ مثل هكذا قرار.

وأصدرت محكمة الطعون الإدارية الاثنين، قرارا يلزم مجلس الأحزاب السياسية، بتبنّي حل حزب المؤتمر، بعد رفض المجلس بلاغا تقدّمت به منظمة “زيرو فساد” في يناير يطالب بذاك.

ويوجد اليوم المئات من قيادات وكوادر حزب المؤتمر الوطني في السجن، وعلى رأسهم الرئيس المعزول عمر حسن البشير بتهم مختلفة بينها قتل متظاهرين وقضايا فساد، كما تم وضع اليد على مقارّه وتجميد أرصدته، بيد أن القوى الثورية وعلى رأسها تحالف إعلان الحرية والتغيير تطالب بضرورة حل الحزب ومصادرة كافة ممتلكاته اتساقا مع المطالب الشعبية التي حملتها ثورة 17 أكتوبر.

وتقول دوائر سياسية إن الموجبات القانونية لحل حزب المؤتمر عديدة ومنها امتلاكه لتنظيمات مسلحة، أقر بها القيادي عثمان محمد طه في أحد اللقاءات التلفزيونية حينما صرح أن “هناك كتائب ظلت على استعداد لحماية النظام والدفاع عنه بأرواحها”.

محكمة الطعون الإدارية أصدرت الاثنين، قرارا يلزم مجلس الأحزاب السياسية، بتبنّي حل حزب المؤتمر الوطني

وهناك حديث متزايد عن قرار وشيك يقضي بحل المؤتمر الوطني بناء على توصية لجنة مشتركة بين مجلس السيادة والحكومة وقوى الحرية والتغيير، غير أن البعض يتشكك في حقيقة السير في هذا الاتجاه على الأقل في الوقت الراهن.

وأكد الباحث السوداني، أبوالقاسم إبراهيم آدم، أن الحديث عن حل حزب المؤتمر لا يخرج عن إطار النقاشات السياسية، وأن قوى الحرية والتغيير والحكومة لم تتحدثا بشكل مباشر في الأمر، وما سيجري الفترة المقبلة يرتبط بحل المؤسسات التابعة للحزب، وتجريده من أذرعه الاقتصادية والشركات التابعة له. ويقول البعض إن السودان يعيش وضعا لا يسمح بحل الحزب بشكل كامل الآن، وكان من الممكن حدوث ذلك في وقت الفراغ الدستوري الذي تلى الإطاحة بنظام عمر البشير، وفقاً لرغبة وأهداف الحراك الثوري وما ينطوي عليه من شرعية معنوية.

وبدا واضحا أن المؤتمر الوطني يحاول تجنب الأخطاء التي وقعت فيها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، حينما فضّلت الذهاب في خيار المواجهة مع الدولة عقب انهيار حكمها في يوليو 2013 على خلفية مسيرات احتجاجية غير مسبوقة.

ويعمد حزب المؤتمر الوطني كما حال الحركة الإسلامية إلى الانحناء للعاصفة على أمل مرورها، مع محاولة تحسين صورتهما في الداخل، من خلال الاستثمار في التحديات التي تواجه السلطة الانتقالية، مراهنين، حسب المتابعين، على “أن ذاكرة الشعوب ضعيفة” وسيتم نسيان أن الحزب كما الحركة لعبا دورا رئيسيا في الوضع الكارثي الذي بلغته البلاد سواء على الصعيد الأمني ممثلة في النزاعات في أقاليم دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، أو على المستوى الاقتصادي.

وقالت، أستاذة العلاقات الدولية بمركز الدراسات في جامعة الخرطوم، تماضر الطيب، إن حزب البشير يستغل المناخ الديمقراطي السائد في البلاد الآن، ويعمل على إعادة بلورة مواقفه بما يجعله قادراً على إعادة تنظيم صفوفه، لذلك فالتعامل معه يتطلب نوعاً من الحصافة الرسمية لوضع قرار حله في يد المؤسسات القانونية لتنظر في مصيره.

حل المؤتمر الوطني مرتبط بحل المؤسسات التابعة له
حل المؤتمر الوطني مرتبط بحل المؤسسات التابعة له

وأضافت لـ”العرب”، أن مواقف الحزب الأخيرة غلب على بعضها الطابع الشعبوي في محاولة لحفظ ماء وجهه داخل المجتمع السوداني، بعد أن تم الزج بعدد كبير من أعضائه في السجون، على خلفية اتهامات في قضايا فساد، غير أن ما يطرحه قادته اليوم يبدو غير مقبول حتى الآن، وتأتي غالبية الردود من المواطنين بتوجيه تساؤلات مضادة لقيادات الحزب مفادها: لماذا لم تطرحوا تلك الحلول حينما كنتم في السلطة؟

وأعلن رئيس حزب المؤتمر الوطني إبراهيم الغندور، الجمعة، رفضه عزم الحكومة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك رفع الدعم عن الوقود وبعض السلع، ووجّه سهام النقد إليها واتهمها بالانشغال عن قضايا المواطن المعيشية، وأن كل اهتمامها منصب على تمكين كوادرها، ما أدى إلى تضاعف تكلفة المعيشة والأسعار وارتفاع التضخم.

ويتفق إبراهيم آدام مع تماضر الطيب في أن حزب المؤتمر يبحث عن أرضية شعبية تحصنه من إمكانية الإقدام على خطوة حله فعليا، ويلعب على وتر التدهور الاقتصادي بعد سقوط البشير ليبرهن على قدرته التعامل مع الأزمات التي تعاني منها البلاد، وبالتوازي مع ذلك فإن رئيسه (إبراهيم غندور) أقدم على عملية إعادة هيكلة شاملة للحزب، ولديه حضور لافت في وسائل إعلام مختلفة تضمن عدم خروجه من المعادلة تماما.

ويرى ابراهيم آدم، أن الخطر الأكبر من حزب المؤتمر الوطني يكمن في أنه قام بالتخفي خلف مسميات عديدة من خلال أعضائه الذين أقدموا على تأسيس أحزاب بأسماء جديدة من الممكن أن تخوض بديلاً عنه الانتخابات التشريعية المقبلة، ما يعد أحد أوجه السياسة المرنة التي تكيف معها الحزب منذ الإطاحة بالبشير، وهو عمل سياسي غير منظور، غير أنه يحمل تأثيراً كبيرا في المستقبل.

2