محمد الناصر رئيس مؤقت أدام مكانته في تاريخ تونس

الرئيس السابق محمّد الناصر ساهم منذ دخوله إلى قصر قرطاج، في إنجاح المسار الديمقراطي لتونس وكان وفيا للخط السياسي الذي رسمه الراحل الباجي قائد السبسي.
الخميس 2019/10/24
الأمانة وصلت

مرّت تونس الأربعاء من مرحلة رئاسة القائم بمهمة رئيس الجمهورية، وهو منصب مؤقت، إلى فترة رئاسية جديدة يقودها الرئيس المنتخب بالأغلبية، قيس سعيّد، الذي سيقود البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة، تسلّم سعيّد المشعل من محمّد الناصر. في هذا الملمح الذي يؤكّد نجاح تونس بخطوات ثابتة في انتقالها الديمقراطي المرفوق بتداول سلس وسلمي على السلطة، ركّزت كل عدسات الكاميرات على شخصية ومواقف قيس سعيّد، وأغفلت في خضم الرغبة في معرفة كل التفاصيل عن الرئيس الجديد،  ما قدمه الرئيس محمّد الناصر الذي وإن قضّى فترة قصيرة في قصر قرطاج، إلا أنه أمّن المسار الديمقراطي بل ونجح في ما وعد به بتسليم كرسي الحكم في الآجال الدستورية.

تونس- دخلت تونس مرحلة جديدة ستدوم خمس سنوات عنوانها “قيس سعيّد رئيس الجمهورية التونسية”، وذلك بعدما أدى الرئيس المنتخب بصفة رسمية اليمين الدستورية أمام البرلمان، وبعدما تسلّم كرسي السلطة من القائم بأعمال رئاسة الجمهورية محمّد الناصر.

ركزت جل وسائل الإعلام المحلية والأجنبية منذ أن أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج الرسمية للرئاسية على الدخول في تسابق رهانه النبش والبحث في المواقف السياسية والتوجهات العامة للرئيس الجديد قيس سعيّد، دون التركيز في المقابل على نجاح آخر حقّقته تونس في مسارها الديمقراطي وقاده في الأشهر الأخيرة، الرئيس المؤقت محمّد الناصر.

لا حياد عن الدستور

تولّى رئيس مجلس نواب الشعب السابق محمّد الناصر منصب القائم بأعمال رئيس الجمهورية منذ وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بتاريخ 25 يوليو الماضي.  ومنذ اللحظات الأولى التي خلف فيها الناصر قائد السبسي، أعلن الرجل لهيئة الانتخابات وللطبقة السياسية برمتها عن تشبّثه بالآجال الدستورية وبأنه غير مستعد لتجاوزها خاصة أن الدستور التونسي يعطيه مهلة 90 يوما لقيادة البلاد وهو ما دفع لزاما على إثر موقفه إلى إجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها.

وتجمع الطبقة السياسية التونسية بمختلف مكوناتها ومشاربها الفكرية على أن المخضرم محمّد الناصر شخصية هادئة لم تحشر نفسها في أي من المناكفات السياسية، خاصة لدى رئاسته مجلس نواب الشعب، قبل أن يتولى مهمته الجديدة الأصعب في قصر قرطاج التي ينص عليها الدستور وهي خلافة الباجي قائد السبسي ولو لبضعة أشهر.

منجي الحرباوي: الناصر كان وفيا لقولته أنا لست رجل أحد، مهمتي هي خدمة البلاد
منجي الحرباوي: الناصر كان وفيا لقولته أنا لست رجل أحد، مهمتي هي خدمة البلاد

ويقر المقربون من الناصر، وهو بورقيبي الفكر، أن أكبر هاجس كان لديه لدى خلافة قائد السبسي، أن يكون محترما لدستور البلاد وأن يسلّم السلطة للرئيس المنتخب بسلاسة للتأكيد على رغبته في إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي في تونس.

ويقول منجي الحرباوي، النائب بالبرلمان المنتهية ولايته والمقرّب جدا من محمّد الناصر لكونه كان يشغل خطة ناطق رسمي باسم مجلس نواب الشعب، ومكلفا بأعمال رئاسة مكتب المجلس إن “محمّد الناصر يعد آخر عنقود رجال السياسة البورقيبية الذي قدر لدى رئاسته للبرلمان على إدارة التنوع والخلافات بين الكتل البرلمانية وتقريب وجهات النظر في قضايا عدة”.

وشغل محمّد الناصر عدة خطط سياسية داخل حزب نداء تونس في عهد الرئيس الباجي قائد السبسي. ويجمع الكثير من أبناء الحزب الذي تفكّك ولم ينجح في المحافظة على وزنه السياسي في الانتخابات التشريعية الأخيرة، على أن الناصر لم يقحم نفسه في كل الحروب التي شقّت الحزب ولم يصطف وراء أي طرف من المتخاصمين على قيادة الحزب، وأنه كان فقط وفيا للخط السياسي الذي هندسه ورسمه الباجي قائد السبسي.

ويؤكّد الحرباوي في هذا الصدد، في تصريح لـ”العرب” أن “محمّد الناصر ظل ثابتا في مواقفه، فحتى في تدخله لفض بعض الإشكالات التي تهم حزب نداء تونس كان يمسك العصا من الوسط دون انحياز لأي طرف”. ويضيف أن الرئيس المؤقت المتخلي “كان وفيا لقولته الشهيرة: أنا لست رجل أحد، لا أخاف من أحد، مهمتي هي خدمة البلاد فقط وإنجاح مسارها الديمقراطي”.

مهمة ناحجة

ساهم محمّد الناصر وإن اختلفت وجهات نظر نواب البرلمان في تقييمهم لمسيرته كرئيس للبرلمان خاصة لدى تدخله لفض بعض الإشكالات التي تخص بعض مشاريع القوانين، في إنقاذ تونس من مرحلة الفراغ التي كانت تهدّدها غداة مرض الرئيس الباجي قائد السبسي أو بعد وفاته.

ويقول منجي الحرباوي “لا أحد ينكر اليوم أن الرئيس المتخلي نجح في إنقاذ البلاد لدى مرض الراحل قائد السبسي أو بعد وفاته ولا أحد ينكر أنه جنّب البلاد مرحلة فراغ، لقد كان رئيسا وفيا للدولة ثابتا في مواقفه ومؤمنا بتونس وشعبها وتجربتها الديمقراطية واليوم يبلغ الرسالة ويسلم الأمانة للرئيس الجديد الفائز بالانتخابات”.

وأدى محمّد الناصر يوم 26 يوليو الماضي اليمين الدستورية لتقلد مصب القائم بأعمال رئاسة الجمهورية خلفا للباجي قائد السبسي. ويعد الرجل أحد أهم البورقيبيين (نسبة للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة).

وشغل  الرئيس المتخلي، عدة مناصب حكومية، حيث تقلد منصب وزير العمل والشؤون الاجتماعية في مناسبتين (1977/1974) و(1985/1979). وعيّن منذ عام 2005 منسقا للميثاق العالمي للأمم المتحدة بتونس، ومدققا اجتماعيا وهو كذلك مستشار دولي منذ العام 2000.

كما شغل خلال الفترة الممتدة بين 1991 و1996 خطة رئيس البعثة الدائمة لتونس لدى الأمم المتحدة والهيئات الدولية المختصة في جنيف.

وعاد محمّد الناصر إلى الساحة السياسية من جديد بعد ثورة يناير، بتقلد حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة التي ترأسها عام 2011، الباجي قائد السبسي، ثم أصبح رئيسا للبرلمان في عام 2014 ورئيسا مؤقتا للبلاد في عام 2019.

أكبر هاجس كان لدى محمد الناصر أن يكون محترما لدستور البلاد وأن يسلّم السلطة للرئيس المنتخب بسلاسة للتأكيد على رغبته في إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي في تونس

وقال محمّد الناصر الأربعاء خلال موكب تسليم السلطة “نعتز بهذا اليوم المشهود في تاريخ التونسيين، إنّ الانتقال تم بسلاسة وهدوء ومسؤولية وفي الآجال القانونية التي حددها الدستور”. وهنأ الناصر الرئيس الجديد بالفوز في الانتخابات، مؤكّدا أن الشعب نجح في اختيار رئيسه المتمرس في القانون الدستوري.

من جهته، قال الرئيس الجديد، مخاطبا سلفه “المهم أن تستمر الدولة وتواصل تونس تجربتها الفريدة، بقطع النظر عن الأشخاص، سنعمل بكل إخلاص على حمل الأمانة التي سلمنا إياها محمّد الناصر”.

وأضاف “الأشخاص يمرون وسيأتي بعدي من يأتي، المهم أن هذه اللحظة تاريخية بالنسبة لتونس، محمد الناصر سيبقى مرحبا به في كل وقت وستتم استشارته في الكثير من المسائل، إنها لحظات تاريخية لا بد أن نرسخها في الثقافة السياسية لتونس”.

وبتسلم قيس سعيّد مقاليد السلطة، تطوي تونس مرحلة، لتدخل في أخرى لتعزيز انتقالها الديمقراطي ولتلبية المطالب الشعبية التي وعد بها الرئيس الجديد وعلى رأسها الرهان على الفئات الشابة بتحقيق أهداف الثورة التي تتلخّص في القضاء على البطالة وتنمية الجهات الداخلية وخاصة تجاوز الوضع الاقتصادي الصعب الذي كبّل عجلة النمو طيلة ثماني سنوات.

وينتظر التونسيون الآن في ظل تواصل الجدل داخل الأحزاب الفائزة بالانتخابات التشريعية من قيس سعّيد أن يلعب دورا هاما عبر جمعه للفرقاء ودفعهم إلى التوافق حول الحكومة الجديدة التي يرتقبها عمل كبير خاصة أن البرلمان الجديد سيشرع في مناقشة قانون الموازنة العامة في الأسابيع القادمة.

7