ليبيا تخلط أوراق الاقتصاد المشلول

مؤسسة النفط تناور لخفض إمدادات الجيش الليبي بحجة مكافحة التهريب.
الجمعة 2019/10/18
نقطة تماس حساسة

دخلت المؤسسة الليبية للنفط في مغامرة جديدة برفع أسعار الوقود للاستخدام التجاري، قائلة إنها تهدف لإصلاح نظام الدعم والحد من التهريب، لكن محللين وجدوا في اقتصارها على وقود الكيروسين، مناورة جديدة لتقليص إمدادات الجيش الوطني الليبي. وأكدوا أن انحياز المؤسسة لحكومة الوفاق أصبح يهدد بتقسيمها.

 طرابلس - أعلنت حكومة الوفاق الوطني في العاصمة الليبية طرابلس عن زيادة سعر وقود الكيروسين بشكل كبير للاستخدام الصناعي والتجاري في أول خطوة قالت إنها تهدف لخفض فاتورة دعم الوقود ومكافحة التهريب.

وقالت وزارة الاقتصاد إن “سعر اللتر الواحد سوف يرتفع إلى 0.85 دينار ليبي” أي ما يعادل 0.6 دولار بالسعر الرسمي. وأضافت أن ذلك “يعادل تكلفة الإنتاج”.

وذكرت الوزارة أن سعر الكيروسين للاستخدام المنزلي سيظل عند المستوى القديم البالغ 0.15 دينار إلى حين استبداله بدعم نقدي لمنتجات أخرى مثل البنزين والديزل وهو ما سيتم قريبا.

وقال محللون إن القرار يرتبط بمناورات سابقة من قبل المؤسسة الليبية للنفط، التي تزعم الحياد بين أطراف النزاع في الشرق والغرب، بعدما خفضت إمدادات الكيروسين إلى المنطقة الشرقية، في محاولة لتقليص إمدادات سلاح الجو في الجيش الوطني الليبي.

وأكدوا أن تزايد المؤشرات على انحياز المؤسسة لحكومة الوفاق المدعومة من ميليشيات في العاصمة الليبية طرابلس يزيد من احتمال تقسيم المؤسسة التي واصلت حتى الآن إدارة ثروات النفط الليبية.

ومن المتوقع ألا تحدث زيادة الأسعار للاستخدامات التجارية والصناعية فارقا كبيرا، بسبب شلل الاقتصاد وقلة تلك النشاطات.

وقالت وزارة الاقتصاد في بيان إن “الهدف من القرار بالدرجة الأولى هو مكافحة تهريب وقود الكيروسين الذي يتم شراؤه بالسعر المدعوم ويجري تهريبه للخارج تحت عدة مسميات”.

وتنتشر ظاهرة تهريب الوقود الليبي إلى بعض دول الجوار في ظل فارق الأسعار الكبير. وتشير التقارير إلى أن التجارة غير القانونية، التي تسيطر عليها ميليشيات وشبكات إجرامية ازدهرت بسبب التوترات السياسية والنزاعات المسلحة منذ عام 2011.

منشأة نفطية في مدينة البراق الليبية
منشأة نفطية في مدينة البراق الليبية

وذكرت وزارة الاقتصاد في حكومة طرابلس أن ”الكيروسين يجري توزيعه عبر شركة البريقة لتسويق النفط التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط دون الإشارة إلى أي نزاع بشأن السيطرة على البريقة”.

وتتولى المؤسسة الوطنية للنفط إدارة قطاع النفط والغاز الليبي الذي يدر غالبية إيرادات البلاد وهي من المؤسسات الرئيسية، التي تعتبرها القوى العالمية حيوية للحيلولة دون تعمق الانقسامات في ليبيا.

وسبق أن اتهمت حكومة شرق ليبيا في طبرق، المؤسسة النفطية المملوكة للدولة باستهدافها من خلال خفض إمدادات الكيروسين إلى الشرق في محاولة لعرقلة نشاط سلاح الجو التابع للجيش الليبي.

ويرى خبراء أن هذه الخطوات سوف تفاقم الأزمة بين طرابلس وطبرق وأنها تؤكد انحياز رئيس المؤسسة مصطفى صنع الله لحكومة الوفاق الوطني.

ولا يستبعد مراقبون أن يتخذ الجيش الوطني الليبي، الذي يسيطر على الموانئ والحقول النفطية، رد فعل على الخطوة التي اتخذتها الحكومة، الأمر الذي يؤدي إلى التأثير على إنتاج النفط، وخاصة في حقول شرق البلاد.

وسبق للجيش أن أوقف العام الماضي تصدير النفط احتجاجا على وصول عائداته إلى مجموعات متطرفة تهاجمه، قبل أن يعيد التصدير بعد ضغوط دولية.

وتتفق حكومة الوفاق الوطني في طرابلس مع المؤسسة النفطية في إجراءات زيادة سعر الكيروسين، وتؤكد أن الهدف المعلن من قرارها وهو محاصرة التهريب والحد من التجارة غير القانونية للوقود.

لكن المسؤولين في حكومة الشرق يقولون إنها شعارات فضفاضة تخفي أهداف الحكومة والمؤسسة الوطنية للنفط في تطويق الحركة العسكرية للجيش الليبي وبالتالي إضعاف سيطرته على إنتاج النفط.

وقال تيم إيتون المحلل المختص في شؤون ليبيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) إن ”اختيار الكيروسين لبدء الإصلاح يشير إلى صلة بالنزاع على البريقة خاصة أن حكومة في طرابلس ذكرت أن إصلاحاتها يتعين إرجاؤها إلى حين انتهاء النزاع الحالي”.

وأشار أيضا إلى أن ”غالبية الكيروسين تذهب إلى السوق السوداء المحلية حيث قد يؤدي خفض الدعم إلى ارتفاع الأسعار”.

وكانت السلطات المنافسة في الشرق قد أسست في الآونة الأخيرة كيانا موازيا في البريقة بعد اتهام طرابلس بعدم إرسال إمدادات وقود كافية خاصة وقود الطائرات إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها وهو ما نفته المؤسسة الوطنية للنفط.

ويستخدم الجيش الليبي مادة الكيروسين كوقود للطائرات مما يجعل من هذه الخطوات تهدد مصالحه العسكرية والاقتصادية.

وحاولت الفصائل التي تتخذ من شرق البلاد مقرا لتسويق النفط على نحو مستقل وفشلت بفعل عقوبات دولية في وقت يشكل فيه النزاع على البريقة تهديدا جديدا لوحدة المؤسسة الوطنية للنفط.

وتؤكد حكومة الوفاق الوطني أن الإجراءات تهدف إلى إصلاح الدعم واستبداله بمدفوعات نقدية وذلك في جزء من حزمة إصلاحات اقتصادية تعهدت بها منذ وقت طويل.

وتزايد في الأشهر الأخيرة الدعم الإقليمي والدولي للجيش الوطني الليبي بسبب نفوذ ميليشيات مسلحة في طرابلس وهيمنتها على حكومة الوفاق الوطني.

لكن المجتمع الدولي لا يزال يصر حتى اليوم على وحدة المؤسسات السيادية في طرابلس مثل البنك المركزي والصندوق السيادي إضافة إلى المؤسسة الليبية للنفط.

11