مهنة اسمها الاحتجاج

الاحتجاجات صارت مهنة يدُفع لها وعليها رواتب ومخصصات ويشرف عليها مختصون في العلوم السلوكية، والإعلام الدعائي والحرب النفسية.
الخميس 2019/10/03
ما مدى شرعية قيام الثورات في عالمنا العربي؟

  لا أشك مطلقا بأن العالم فيه ظلم وتعسف، وزعماء في العالم الثالث استولوا على السلطة بطرق غير مشروعة، في انقلابات أو تآمرات مع الأقوياء المؤثرين في المجتمع الدولي والإقليمي، ما جعل العالم غير آمن بل ومتوترا إلى حد الغليان في بعض البؤر التي أضحت ساخنة وتنبئ بانفجارات متواصلة، وحروب متوالدة، قادت كل تلك التوترات إلى نمط جديد من الاحتجاجات التي تُستدعى عند الطلب وحسب قياس رد فعل مقنن، وهي لا تمت بصلة للثورات التي نعرفها سابقاً.

الأهم ما مدى شرعية قيام الثورات في عالمنا العربي؟ وهل هي منحى لتأسيس عالم جديد؟ فقد يبدو السؤال غريباً ومستهجنا من بعض الانقلابيين الذين صنعوا تاريخاً آخر في حياة شعوبهم، فيه الكثير من الكلام حول محصلاته. فقد يقود الانقلاب إلى تراجع المجتمع ولا يضمن تقدمه برغم جرعات الشحن الدعائي الذي يرافق الانقلابات عادة، التي تبشر بعهد جديد، المهم تسويغ التغيير والمطالبات التي تقوم بها الحركات الاحتجاجية في عالمنا العربي، ما لم يحدث النقلة النوعية في حياة الشعوب، بل حرّك نوازع الانفصال والتقسيم وحرّك المجتمعات إلى حافة الهاوية ببروز مغامرين جدد احترفوا تجميل الصور، جلهم رسبوا في امتحانات بناء الدولة وبناء آليات كفيلة برفع إنتاجية المجتمع بعد قلب الأرض سافلها عاليها. حرك غبار الفوضى التي قال لي عنها وزير عراقي من جيل مجتمع تلي ألفين وثلاثا، مرة أنها أفضل طريقة للتغطية على الفاسدين وتأمين منافذ السرقة والابتزاز.

الحركات الاحتجاجية ما عادت بريئة كما يفهم بعض أصحاب النوايا الحسنة، وكأنها ناتجة من فكر مثقفين وطنيين، صارت صنعة تدرس في معاهد متخصصة تسعى لخلخلة بنية المجتمعات وتدريب مضن لشباب كثير منهم عاطلون عن العمل، ولم تتبلور لديهم جدوى العمل الوطني التقليدي لينتجوا تفاعلا مقننا مع مهارات إثارة الفوضى المنشودة وصولا إلى أهداف معلنة وأخرى لا تعرف مراميها إلا بعد حين.

تلك المعاهد التقطت أسماء وشخصيات عرفت بميولها المعارضة، وإن كانت وطنية لكنها أدخلت في معترك أقنية ضيقة لتوظيفها النهائي في محصلات التغيير الذي تنشده مرجعيات تلك المعاهد.

الاحتجاجات صارت مهنة يدُفع لها وعليها رواتب ومخصصات ويشرف عليها مختصون في العلوم السلوكية، والإعلام الدعائي والحرب النفسية، بل مختصون في التسميم السياسي الهادف إلى التسمين السياسي لبعض الأسماء والصور التي تعلق على الجدران، التي ما كنا نحلم يوما بالتطلع إليها أو رؤيتها.

24