رهان ألماني على إنجاح المؤتمر الدولي بشأن ليبيا

تراهن ألمانيا على إنجاح المؤتمر الدولي حول ليبيا الذي تستعد لعقده خلال أكتوبر أو نوفمبر القادمين، معولة في ذلك على دعم أميركي قوي إضافة إلى عجز أطراف الأزمة المحليين عن حسم الصراع عسكريا.
القاهرة – بدأت ألمانيا تتحرك دبلوماسيا على أكثر من مستوى لضمان نجاح المؤتمر الخاص بتسوية الأزمة الليبية، وهو ما تطلب منها فتح قنوات تواصل قوية مع جهات إقليمية ودولية عدة للتفاهم حول المكونات والبنود الرئيسية اللازمة لتحاشي تكرار الأخطاء التي وقعت فيها مؤتمرات سابقة.
وعلمت “العرب” أن وزارة الخارجية الألمانية تستضيف الثلاثاء وفودا دبلوماسية تمثل دول فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة والصين وتركيا ومصر والإمارات، لوضع الخطوط العريضة لرؤوس الموضوعات التي ستتم مناقشتها في مؤتمر برلين.
ولم يستبعد مراقبون أن تكون الأزمة الليبية على رأس أجندة وزير الدولة الألماني نيلز آنن خلال زيارته إلى الإمارات.
وقالت وزارة الخارجية الألمانية إن الزيارة سوف تركز من حيث المضمون على التطورات الإقليمية والجهود المبذولة لتهدئة الوضع السياسي في منطقة الخليج والحد من التصعيد. وأكدت مصادر سياسية لـ”العرب” أن التحضيرات الجارية للمؤتمر برعاية الأمم المتحدة، هدفها صياغة رؤية محددة وترتيب الأولويات ووضع البنود المهمة أمام قادة الدول أو من يمثلونهم على مستوى القمة المنتظرة، والمتوقع أن تعقد قبل نهاية أكتوبر أو النصف الأول من نوفمبر المقبلين.
وأضافت المصادر أن المؤتمر يرمي إلى وضع برنامج “حسن نوايا” وليس اتخاذ قرارات للتنفيذ الفوري، لأن التعقيدات الراهنة في الأزمة وصعوبة السيطرة عليها لا تشجع على تبني قرارات محددة خوفا من عدم قابليتها للتطبيق على الأرض.
مخرجات مؤتمر برلين لن تكون بعيدة في معظمها عن الحلول التي قدمت من قبل في المؤتمرين السابقين ولقاء أبوظبي
وتحاول ألمانيا التوفيق بين مواقف الدول المتعارضة بين مصر والإمارات من ناحية وتركيا من ناحية أخرى، كذلك الحال بالنسبة لفرنسا وإيطاليا اللتين تقبلتا على مضض انعقاد المؤتمر الدولي بعيدا عنهما، ولدى كلاهما شعور بالأسى من أن يتمخض المؤتمر عن نتائج أفضل مما حدث في كل من باريس وباليرمو العام الماضي.
يختلف مؤتمر ألمانيا عن مؤتمري فرنسا وإيطاليا في أمور عديدة، أهمها أنه يأتي على مستوى القمة، وهي المسألة التي تتم مناقشتها باستفاضة في اجتماع الوفود الدبلوماسية اليوم في برلين لضمان نجاح المؤتمر، لأن القمة الوحيدة التي عقدت في باليرمو نوفمبر الماضي كانت على هامش المؤتمر وليست جزءا منه.
وحضر قمة باليرمو الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي ورئيس وزراء إيطاليا جوزيبي كونتي، وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق والمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، والمبعوث الأممي غسان سلامة، فضلا عن رئيس وزراء روسيا ديمتري ميدفيديف، ورئيس وزراء الجزائر أحمد أويحيى، ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.
وأشار المحلل السياسي الليبي فيصل بورايقة لـ”العرب” إلى أن ألمانيا تحركت بعدما تأكدت من عدم توافق إيطاليا وفرنسا على قواعد لحل اﻷزمة، وتقدمت بهذه المبادرة وهي ليست بعيدة عن مباركة الولايات المتحدة وروسيا، وهما كلمة السر في نجاح هذا المؤتمر وحشد قوى إقليمية ودولية، وتوحيد جهودها من أجل التوصل إلى تسوية سياسية.
ويخلو المؤتمر الجديد من تمثيل مباشر لأي من القوى المحلية الفاعلة في ليبيا، والتي كانت جزءا أساسيا في المؤتمرين السابقين، لتجنب الدخول في مناوشات في ظل التباعد الكبير في المسافات بين القوى السياسية والعسكرية والاجتماعية.
وقالت المصادر لـ”العرب” إنه من المتوقع أن يتضمن إعلان “حسن النوايا” قيام لجنة الحوار التي من المنتظر أن تتمخض عنه بـ”استدعاء الكثير من القوى الليبية ممن لم تشارك في العملية السياسية التي جرت عام 2015”، في إشارة إلى مشاركة رموز من النظام القديم وعناصر لها تأثير مجتمعي كبير للهروب من حصر عملية السلام التي يتم الإعداد لها في كفتي حفتر والسراج، لأن هناك أطيافا مهمة يمكن الاستعانة بها لتفكيك عقد كثيرة في الأزمة. وكشفت المصادر أنه سيتم فتح الاتفاق السياسي السابق (الصخيرات)، والتمهيد لوضع اتفاق جديد يأخذ في اعتباره المستجدات التي طرأت، وتتعلق بالتوافق الإقليمي والدولي حول خروج الكتائب المسلحة والمتطرفين والمتحالفين معهم محليا من اللعبة، بعد أن ساهموا في تخريب اتفاق الصخيرات وتدمير مقدرات الشعب الليبي.
وعلمت “العرب” أن فرنسا تريد العودة إلى القواعد التي أرساها اتفاق أبوظبي، وتستعد لعقد اجتماع وزاري للدول المعنية بالأزمة الليبية على هامش اجتماعات الأمم المتحدة قبل نهاية الشهر الجاري، لمناقشة بعض التفاصيل، ومحاولة استباق مؤتمر برلين لفرض رؤيتها عليه، وهو ما أغضب ألمانيا التي تتحفظ على لقاء الأمم المتحدة.
وتحركت ألمانيا على صعيد الأزمة الليبية بوتيرة متسارعة مؤخرا بإيعاز من الولايات المتحدة، وتلقت دعما سياسيا كبيرا من الإدارة الأميركية التي شعرت بأن المعارك العسكرية بدأت تدخل في طريق مسدود، وأزالت تنحية جون بولتون مستشار الأمن الوقمي واحدة من العقبات أمام تحرك برلين بمرونة، وهو المعروف بنهجه المتطرف في السياسة الخارجية.
وأوضح راقي المسماري، الخبير الليبي في القانون الدولي، أن مؤتمر برلين “سيكتب له النجاح عكس سابقيه (باريس وباليرمو)، لأن الأزمة وصلت إلى مرحلة خطيرة من المراوحة مع صعوبة حسم الأمر عسكريا، خاصة أن الجيش الوطني الليبي حقق حاليا جزءا من أهدافه بالتواجد في العاصمة طرابلس”.
وأكد المسماري لـ”العرب” أن مخرجات مؤتمر برلين لن تكون بعيدة في معظمها عن الحلول التي قدمت من قبل في المؤتمرين السابقين ولقاء أبوظبي (بين السراج وحفتر)، من ذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية كحل لمسألة السلطة، وحل الميليشيات وإخراجها وأسلحتها من طرابلس ومحيطها، وسيطرة القوات المسلحة على جميع الأراضي الليبية لتأمين العملية الانتخابية.