أردوغان يلتف على نتائج الإنتخابات البلدية

نفّذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي مني بهزيمة تاريخية في انتخابات بلدية اسطنبول، تهديداته بإقالة رؤساء البلديات الكردية المنتخبين ديمقراطيا وتعويضهم بالخاسرين الإسلاميين، مستندا إلى صلاحياته الموسعة والمثيرة للجدل، تعلته في ذلك “محاربة الإرهاب” وهي كلمة حق أريد بها باطل كما يقول معارضوه.
ديار بكر( تركيا) - أقالت الحكومة التركية الاثنين، ثلاثة رؤساء بلديات ينتمون إلى حزب مؤيد للأكراد في ثلاث مدن وعينت مسؤولين حكوميين مكانهم واعتقلت أكثر من 400 شخص يُشتبه في أن لهم صلات بمسلحين، في تحرك سيؤجج على الأرجح التوتر في منطقة جنوب شرق تركيا الذي تقطنه أغلبية كردية، في وقت تصعّد فيه السلطة قمعها للمعارضة.
ولجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى صلاحياته الدستورية الموسعة من أجل السطو على عدة بلديات كردية فاز فيها معارضوه، فيما لم يستوعب بعد صدمة خسارته لبلدية اسطنبول التي انتهت مع فقدانها أسطورة الرجل الخارق.
وادخر أردوغان منذ 2016 مرسوما رئاسيا لمثل هذا الوقت من الشدة، يقضي بعزل الفائزين في الانتخابات إن تخلدت بذمتهم شبهات “إرهاب” مع إسعافهم بحق الترشح لتولي المناصب العامة بالبلاد وهي من المفارقات في “ديمقراطية” حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم.
ويسمح المرسوم المثير للجدل بتعيين شخصيات أخرى لتولي المناصب التي يفترض أن يكون من يشغلها منتخبا. وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تعرض فيه حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم إلى انتكاسة انتخابية في كُبْرَيَيْ المدن التركية، اسطنبول وأنقرة، بعد سيطرته عليهما طوال 17 سنة.
وأقيل كل من رؤساء بلديات مدن ديار بكر وماردين وفان الواقعة جنوب شرق تركيا، وجميعهم أعضاء في حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد انتخبوا في مارس الماضي، لاتهامهم بالارتباط بحزب العمال الكردستاني المحظور. ومن بين التهم المشاركة في تشييع “إرهابيين” وزيارة قبورهم، وإعادة تسمية شوارع وحدائق بأسماء أعضاء مسجونين من حزب العمال وتوظيف أقربائهم. وتعود القضايا المفتوحة بحق رئيسة بلدية فان بديعة أوزغوكتشي إرتان إلى الفترة التي كانت فيها نائبة في البرلمان.
وينفي حزب الشعوب الديمقراطي أي ارتباط له بحزب العمال الكردستاني، لكنه سعى إلى التوسط في محادثات سلام بين المتمردين والحكومة.
والمئات من أعضائه، بالإضافة إلى نحو 40 رئيس بلدية ينتمون إليه، موقوفون حالياً. كما أن رئيسه السابق صلاح الدين دميرتاش موقوف منذ نوفمبر 2016، في قضية لاقت تنديداً من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وأطلقت الحكومة حملة قمع ضد سياسيين معارضين كما ضد عاملين في القطاع العام والمجتمع المدني بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016.
وعلى الرغم من أنه ليس للانقلاب علاقة مباشرة بالمسألة الكردية، إلا أن الحكومة استبدلت رؤساء 95 بلدية من بين 100 وبلديتين فاز برئاستها موالون للأكراد خلال انتخابات عام 2014، وعينت بدلاً عنهم شخصيات موالية لها.
وقال النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي غارو بايلان الاثنين إن على كل الأحزاب كما على الرأي العام رفض هذا “الانقلاب الدنيء”.
وأكد بايلان في تغريدة “أن نبقى صامتين يعني أن دور أنقرة واسطنبول سيكون التالي”، في إشارة إلى خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم سيطرته على أكبر مدينتين في البلاد خلال انتخابات مارس.
وفي أبريل، ألغت الهيئة الانتخابية التركية نتائج انتخابات خمس مقاطعات ومدن بعدما أصدرت حكماً ينص على أن من أقيلوا من مراكزهم بموجب مرسوم خلال فترة حال الطوارئ التي امتدت لعامين لا يمكن لهم تولي مناصبهم. وفي الأثناء نفذت الشرطة التركية مداهمات في 29 محافظةً الاثنين، من بينها ديار بكر وماردين وفان، وأوقفت 418 شخصاً يشتبه في ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني، بحسب وزارة الداخلية التركية.
وفي ديار بكر، طوقت الشرطة مبنى البلدية، وقام رجال الشرطة بتفتيش الموظفين في البلدية عند دخولهم إلى المبنى. وفاز رؤساء البلدية الثلاثة المقالون بالمنصب بغالبية ساحقة في انتخابات مارس.
ونال ميزراكلي في ديار بكر نسبة 63 بالمئة من الأصوات، فيما فاز رئيس بلدية ماردين أحمد تورك بنسبة 56 بالمئة وإرتان بنسبة 54 بالمئة في فان.
وقالت وزارة الداخلية إن العمليات الأخيرة أدت إلى انخفاض مسلحي حزب العمال الكردستاني إلى أدنى مستوياتها منذ 30 عاما، حيث تراجع عدد المسلحين في تركيا إلى نحو 600 مقارنة مع ما يتراوح بين 1800 وألفين في الماضي.
واعتبر حزب الشعوب الديمقراطي في بيان أن قرار الحكومة هو “بوضوح خطوة عدائية” ضد الأكراد ودعا كل “القوى الديمقراطية” إلى التضامن معهم.
ولقيت خطوة الحكومة التركية انتقاداً كذلك من رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو من حزب الشعب الجمهوري الرئيسي المعارض الذي أجبر على إعادة الترشح من جديد هذا العام بعدما ألغي فوزه في الانتخابات المرة الأولى في خطوة مثيرة للجدل.
وكتب ولي أغبابا نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، على تويتر أن الإقالات ترقى إلى مستوى الفاشية وتشكل ضربة للديمقراطية، في حين وجه رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي ينتمي أيضا إلى حزب الشعب الجمهوري، انتقادات لهذه الخطوة.
وكتب إمام أوغلو في تغريدة على تويتر “إلغاء إرادة الشعب أمر غير مقبول”. وكان إمام أوغلو نفسه أقيل بسبب مخالفات بعد فترة قصيرة من توليه المنصب في انتخابات مارس، لكنه عاد ليفوز في انتخابات الإعادة في يونيو.
ويعيد فصل رؤساء البلديات الثلاثة إلى الأذهان الإقالات التي طالت العشرات من رؤساء البلديات في جنوب شرق البلاد عام 2016، وذلك في إطار حملة تطهير أعقبت محاولة انقلاب. وسُجن قرابة 100 من رؤساء البلديات والآلاف من أعضاء الحزب في حملة أثارت قلق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقبل انتخابات مارس، قال وزير الداخلية سليمان صويلو إنه جرى فتح تحقيق في أمر 178 مرشحا للاشتباه في وجود صلات تربطهم بحزب العمال الكردستاني.
وهدد أردوغان آنذاك بأن رؤساء البلديات المنتمين إلى حزب الشعوب الديمقراطي يمكن أن يتعرضوا للإقالة إذا ثبت أن لهم صلات بالمسلحين.
وطالما اتهم أردوغان حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد بأن له صلات بحزب العمال الكردستاني الذي تضعه تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية. لكن الحزب ينفي هذا. وبينما يواصل أردوغان تمتعه بسلطات تنفيذية كاسحة يخولها له منصبه الرئاسي فإن أداء حزبه الضعيف يعتبر بمثابة ضربة رمزية له ويبيّن الإحباط الناجم عن الاقتصاد الذي أضرّ بسياسيّ ظل الناس ينظرون إليه لفترة طويلة باعتباره لا يُقهر.
وفي الانتخابات البلدية التي أجريت عام 2014 حصل حزب العدالة والتنمية على 43 بالمئة من الأصوات متقدما بفارق كبير على أقرب منافس له وهو حزب الشعب الجمهوري العلماني الذي حصل على أقل من 25 بالمئة من الأصوات. وكان أردوغان قد برز في الساحة السياسية التركية وهو في منصب رئيس بلدية إسطنبول، ومعروف عنه أنه يولي أهمية خاصة لانتخابات البلديات ويعتبرها أساسية في موقف الناخبين من الحكومة.