السودان يطوي رسميا مرحلة العسكر لكنه يحتاج إلى تفكيك بناها العميقة

توقيع اتفاق تاريخي في السودان يمهد للانتقال إلى حكم مدني وسط احتفالات شعبية.
الأحد 2019/08/18
الطريق إلى الديمقراطية يبدأ الآن

الخرطوم – أنهى السودان، أمس، وبصفة نهائية مرحلة طويلة من تاريخه سيطر عليها العسكر متحالفا مع الإخوان ومع منظومة الفساد ليدخل مرحلة جديدة تقوم على حكم مؤسسات مدنية منتخبة وبدعم إقليمي ودولي واسعين، لكنه يحتاج إلى وقت لتفكيك بناها العميقة.
ووقع المجلس العسكري وحركة الاحتجاج في السودان، السبت، إعلانا دستوريا من شأنه أن يمهد لبدء مرحلة انتقالية تفضي إلى حكم مدني، وذلك بحضور رسمي من دول عدة وأجواء شعبية احتفالية.
ووقع “الوثيقة الدستورية” كلّ من نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي وممثل تحالف إعلان قوى الحرية والتغيير أحمد الربيع في قاعة فخمة تطل على نهر النيل في الخرطوم. واستغرقت العملية بضع دقائق وشملت أوراقا عدة.
وفور انتهاء التوقيع، حمل رئيس المجلس العسكري عبدالفتاح البرهان الوثيقة التي وضعت في غلاف سميك باللون الأخضر عاليا ولوح بها وسط تصفيق الحاضرين، وبينهم رؤساء دول وحكومات أفريقية وممثلون عن الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كما حضر وزراء ومسؤولون من دول خليجية وعربية.
وجلس حميدتي والربيع على المنصة الرئيسية وبجوارهما رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، الذي قاد الوساطة التي أدت إلى الاتفاق.
واعتبر آبي أحمد أن الاتفاق بمثابة بداية مرحلة جديدة، مجددا الالتزام بدعم السودان خلال المرحلة الانتقالية، داعيا القوى السودانية إلى التعاون ووحدة الصف، ومشيرا إلى أن الطريق إلى الديمقراطية بدأ الآن.
وقال ممثل الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، في كلمة ألقاها بعد التوقيع “هذا الإنجاز التاريخي العظيم هو نتيجة طيبة من هندسة وصنع الإرادة الوطنية والمجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير والحركات المسلحة والفاعلين السياسيين”.
ثم ألقى الزعيم السوداني المعارض، الصادق المهدي، كلمة اعتبر فيها أن هذا اليوم هو “يوم عبور إلى الحكم المدني الذي سيحقق السلام والتحوّل الديمقراطي عبر انتخابات حرة احتكاما للشعب السوداني”.
وحث على فتح الباب أمام “كل القوى التي لم تلوث مواقفها بالاستبداد”، وإلى عدم إقصاء أحد.

من جهته، أكد محمد ناجي ممثل قوى الحرية والتغيير، على ضرورة العمل على أن يكون السلام شاملا في كافة مناطق الحروب دون استثناء، مشددا على تمسك قوى الحرية والتغيير بإجراء التحقيق العادل في فض اعتصام القيادة العامة وألا يفلت أي مجرم من العقاب.
وقال “نتطلع لإنهاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة وكفالة حقوقها قانونا وممارسة”، مطالبا بالعمل على إعادة السودان إلى المجتمع الدولي بشكل عاجل، وبنبذ العنصرية والقبلية وإشاعة التسامح وإعلاء قيمة الوطن فوق كل شيء. وشدد على ضرورة تحقيق المساواة بين أقاليم السودان المختلفة.
وينهي الاتّفاق الذي تم التوصل إليه في الرابع من أغسطس نحو ثمانية أشهر من الاضطرابات بدأت بتظاهرات حاشدة ضدّ الرئيس المعزول عمر حسن البشير. وأطاح الجيش بالبشير تحت ضغط الشارع في أبريل، بعد 30 سنة من حكم السودان بقبضة من حديد.
وتم التوصل إلى الاتفاق بين المجلس العسكري الذي تولى الحكم بعد الإطاحة بالبشير والمحتجين بوساطة إثيوبية، بعد عملية قمع دامية لاعتصام كان يطالب بتسليم الحكم إلى المدنيين. وتسببت عملية القمع بمقتل أكثر من 250 شخصا، بحسب لجنة الأطباء المركزية القريبة من المحتجين.
وبدأ حفل التوقيع، السبت، بالنشيد الوطني السوداني ثم تمت تلاوة آيات من القرآن الكريم، قبل أن يتلو أحدهم آية من مزمور من العهد القديم في الكتاب المقدس “هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنبتهج ونفرح به”.
وعلقت لافتات داخل القاعة الفخمة كتب عليها “فرح السودان”. وخيمت الأجواء الاحتفالية على البلاد منذ الصباح. وتقاطر الآلاف من المواطنين من جميع أنحاء السودان إلى الخرطوم للمناسبة.
ومع التوقيع الرسمي على الاتفاق، سيبدأ السودان عملية تشمل خطوات أولى فورية مهمة، إذ سيتم، الأحد، الإعلان عن تشكيلة مجلس الحكم الانتقالي الجديد الذي سيتألف بغالبيته من المدنيين.
وأعلن قادة الحركة الاحتجاجية، الخميس، أنّهم اتّفقوا على تعيين المسؤول السابق في الأمم المتحدة عبدالله حمدوك، وهو خبير اقتصادي مخضرم، رئيسا للوزراء.
ومن المتوقّع أن يركّز حمدوك جهوده على إصلاح الاقتصاد السوداني الذي يعاني من أزمة منذ انفصال الجنوب الغني بالنفط في 2011 عن الشمال. وشكّل الوضع المعيشي شرارة الاحتجاجات ضد حكم البشير.
لكنّ العديد من السودانيين يشكّكون في قدرة المؤسسات الانتقالية على كبح جماح القوى العسكرية خلال فترة السنوات الثلاث التي ستسبق الانتخابات.

روزاليند مارسدن: التحدّي الأكبر سيكون تفكيك الدولة الإسلامية العميقة
روزاليند مارسدن: التحدّي الأكبر سيكون تفكيك الدولة الإسلامية العميقة

وسيحكم البلد الذي يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة مجلس سيادة يتألف من 11 عضوا. وينص الاتفاق على أنّ يعين العسكر وزيري الداخلية والدفاع.
وتقول روزاليند مارسدن من مركز “تشاتام هاوس” في لندن إنّ “التحدّي الأكبر الذي يواجه الحكومة هو تفكيك الدولة الإسلامية العميقة التي سيطرت على جميع مؤسسات الدولة والقطاعات الرئيسية في الاقتصاد، بما في ذلك المئات من الشركات المملوكة للجهاز الأمني-العسكري”.
وقال العضو البارز في المجلس العسكري الانتقالي اللواء الركن محمد علي إبراهيم، الجمعة، إنّ التوقيع الرسمي “سيفتح الباب مجدّدا أمام العلاقات الخارجية للسودان”.

ويشكّك البعض في معسكر الاحتجاج في قدرة الاتفاق على الحدّ من سلطات الجيش وضمان العدالة.
وغابت عن حفل السبت المجموعات المتمرّدة في المناطق المهمّشة مثل دارفور والنيل الأزرق وكردفان.
وكانت الجبهة الثورية السودانية التي توحّدت هذه الحركات تحت رايتها دعمت الحركة الاحتجاجية، لكنّها رفضت الإعلان الدستوري وطالبت بتمثيل في الحكومة وبالمزيد من الضمانات في محادثات السلام.
وحذّر الصحافي البارز، عثمان الميرغني، من المبالغة في الاحتفالات.
وكتب ميرغني الذي يرأس تحرير صحيفة “التيار” في زاويته السبت “نحتفل اليوم بتوقيع وثائق الانتقال… لكن بالله عليكم لا تضيعوا مزيدا من العمر في الاحتفالات”.

بداية مرحلة جديدة
بداية مرحلة جديدة

 

1