غزو السيارات المستعملة يستنزف احتياطات ليبيا النقدية

حذرت الأوساط الاقتصادية الليبية من أن انفلات استيراد السيارات المستعملة سيحول البلاد إلى مستودع كبير لخردة العالم ويؤدي في نهاية المطاف إلى تداعيات اقتصادية أكبر في ظل تفاقم الأزمة المالية الخانقة وشح السيولة النقدية من السوق المحلية.
طرابلس - تؤكد بيانات الجمارك الليبية في المنطقتين الشرقية والغربية تزايد تدفق السيارات المستعملة إلى البلاد منذ بداية العام الجاري، في وقت تعاني فيه الدولة من مشاكل مالية لا حصر لها.
ورغم الفوضى الأمنية والسياسية، شهدت الموانئ خلال السنوات الأخيرة حركة كبيرة في وصول السيارات المستعملة، التي تعتبر الدول الأوروبية والآسيوية أهم مصادرها.
ووجدت الحكومتان اللتان تتنازعان السلطة في توريد أسطول ضخم من تلك النوعية حلا مؤقتا بسبب نقص السيولة النقدية على ما يبدو.
لكن هناك تحديات تعترض تنفيذ ذلك على أرض الواقع تتمثل في المشاكل الفنية والمالية والتسويقية مع ارتفاع أسعار هذا النوع من السيارات في السوق المحلية في ظل غياب رقابة رسمية من الجهات المعنية.
وتقول الأوساط الاقتصادية إن اللجوء إلى هذا الحل سيحول ليبيا إلى مستودع كبير للخردة العالمية خاصة وأن الدولة تعج بمئات الأطنان من مخلفات الحرب المتعلقة بترسانة المعدات الحربية والسيارات التي تم تدميرها.
وأكدت هذه الأوساط أن هذا الاتجاه المتزايد يضع الجميع أمام حقيقة واحدة وهي أن هناك ارتجالا في تسيير دواليب الدولة النفطية، التي تعاني من أزمة اقتصادية حادة نظرا إلى استنزاف الاحتياطات النقدية.
وأشار الخبير الاقتصادي عبيد الرقيق إلى العدد الهائل من السيارات المستعملة، التي جلبها الليبيون من أوروبا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والصين خلال العقدين الماضيين حين فتح باب استيرادها.
ووصف في تدوينة على حسابه في موقع فيسبوك ما يحصل اليوم بأنه عبارة عن “حالة جديدة من النهب المبرمج لثروات الليبيين”.
ولا تزال الدولة العضو في منظمة أوبك تعاني من تركة ثقيلة خلفتها الفوضى عقب الإطاحة بحكم معمر القذافي قبل ثماني سنوات، والتي أتت على كافة مظاهر حياة الناس.
ووفق بيانات إدارة ميناء مصراتة الواقع بغرب البلاد وصلت السبت الماضي باخرتان محملتان بقرابة 7 آلاف سيارة مستعملة قادمة من كوريا الجنوبية، هي الأولى خلال هذا الشهر.
وكان الميناء قد استقبل نهاية يوليو الماضي ثلاث بواخر قادمة من أسواق مختلفة هي كوريا الجنوبية وبلجيكا وإيطاليا، حيث تجاوز مجموع الشحنات 4 آلاف سيارة مستعملة.
وأظهرت بيانات رسمية لحركة الشحن بميناء بنغازي شرق ليبيا ارتفاع وتيرة التسابق الأوروبي والكوري الجنوبي على تصدير السيارات المستعملة إلى السوق الليبية.
وحسب إحصائيات ميناء بنغازي، فقد تم استقبال قرابة 12 ألف سيارة مستعملة خلال الفترة الفاصلة بين منتصف يونيو ومنتصف يوليو الماضيين، 52 بالمئة منها قادمة من أوروبا.
ولم تكشف السلطات في المنطقتين عن قيمة صفقات توريد تلك السيارات، لكن متابعين يعتقدون أنها بملايين الدولارات، ما يعني أن عملية استنزاف الاحتياطي النقدي مستمرة دون ضوابط رغم التأكيد على أنها إجراءات مقننة.
وأقر المجلس الرئاسي المعترف به دوليا، والذي يدير شؤون ليبيا من العاصمة طرابلس، في فبراير الماضي ضوابط لعملية استيراد سيارات الركوب والنقل المستعملة بداية من منتصف شهر أبريل.
ومن بين الضوابط أن تكون السيارة المستعملة لغرض الاستعمال الخاص وليس للتجارة، وفي حدود واحدة فقط للشخص خلال السنوات الثلاث المقبلة. وطالب حينها بألا يزيد عمر السيارات العائلية والنقل الخفيف على عشر سنوات من تاريخ تصنيعها وألا تزيد حمولة سيارة النقل الخفيف على أربعة أطنان.
وأجاز قرار المجلس لمزاولي الأنشطة الاقتصادية المختصة استيراد السيارات بمختلف أنواعها “للقيام بعملية الاستيراد لغرض التجارة وفقا لبعض الضوابط”.
وذكرت تقارير محلية في الفترة الماضية أن تجارة السيارات المستعملة في معظم المدن تأثرت كثيرا بالوضع الاقتصادي، الذي تعيشه ليبيا حاليا.
وأشارت إلى أن ارتفاع أسعار السيارات بشكل كبير أدى إلى ضعف إقبال الزبائن على الشراء و تراجع نسبة المبيعات وهو ما تسبب في حالة من الركود في حركة البيع والشراء طوال الأشهر الماضية.
وأكد تجار أن انخفاض سعر صرف الدينار أمام سلة العملات الرئيسية ونقص السيولة في المصارف التجارية، فضلا عن تهريب عدد كبير من السيارات وبيعها خارج ليبيا أسباب ساهمت في انكماش السوق. في المقابل، يقول بعض المستهلكين الليبيين إن أسعار السيارات المستعملة بلغت مستويات غير معقولة وأنه لم يعد في وسعهم شراؤها.
وتشير التقديرات إلى تضاعف أسعار السيارة المستعملة خمس مرات قياسا بما كانت عليه في 2014، حيث قفز سعر سيارة هيونداي، على سبيل المثال، من ألفي دينار (1.4 ألف دولار) إلى 10 آلاف دينار (نحو 7 آلاف دولار). ويأتي ارتفاع أسعار السيارات لينضم إلى قائمة طويلة من احتياجات الليبيين، الذين يكابدون جراء تأخر الرواتب والارتفاع المستمر لأسعار السلع والخدمات.