قانون المساواة في مهب مشهد تونسي متغير

عُمق بصيرة الباجي قائد السبسي هداه إلى أن حقوق المرأة بلا تحايل ولا تجميل هي الطريق الوحيد والأقصر لزرع نبتة الديمقراطية وترسيخها في أذهان التونسيين.
الخميس 2019/08/01
ملف حقوق المرأة أهم عامل لتحديد مسار الثقافة الإنسانية التي زرع بذرتها السبسي

فقدت تونس الباجي قائد السبسي رجل الدولة الذي حماها من السقوط في الهاوية كما حصل مع دول الربيع العربي الأخرى. شيخ الليبرالية التي استقاها من مثله الأعلى الراحل الحبيب بورقيبة. لكن طموحه في أن يرقى بتونس إلى أعلى مراتب التحضر أعطاه براغماتية وقدرة على التحدي لم يسبقه إليها أي زعيم عربي.

تابعت مراسيم جنازة الباجي قائد السبسي المهيبة. وقرأت كل ما وقع تحت بصري عن الرئيس الإنسان. ولكني لم أجد أي ذكر لما أؤمن وأعتقد بأنه أكبر إنجاز وأهم إرث ستذكره به المرأة التونسية وسيتحسر عليه المجتمع التونسي بأكمله إن لم تأخذه الأحزاب الأخرى بعين الاعتبار، وهو ملف حقوق المرأة الذي طرحه والذي يمكن أن يكون أهم عامل لتحديد مسار الثقافة الإنسانية التي زرع بذرتها.

عُمق بصيرة الباجي قائد السبسي هداه إلى أن حقوق المرأة بلا تحايل ولا تجميل هي الطريق الوحيد والأقصر لزرع نبتة الديمقراطية وترسيخها في أذهان التونسيين. وهي أيضا الطريق لقتل العنف المجتمعي ولثقافة السلام الداخلي ولكسب احترام العالم.

براغماتية قائد السبسي بدأت عام 2011 حين كان رئيسا للحكومة وقام بإلغاء تحفظات تونس على الاتفاقية الدولية لإلغاء التمييز بحق المرأة.. الأمر الذي استبق به ولا زال جميع الدول العربية التي لا زالت تُبقي على هذه التحفظات باسم الخصوصية الثقافية والدينية. إلغاء هذه التحفظات شكّل نقطة البداية في الكثير من الإصلاحات وإصدار قوانين لصالح التنمية الإنسانية المجتمعية.

المتغيرات القادمة في المشهد البرلماني والحكومي والرئاسي في تونس تدفع إلى التساؤل عن مستقبل مشروع الاقتراحات التي طرحها الباجي قائد السبسي للمساواة في الإرث وغيرها من القوانين

في أغسطس عام 2017 شكّل الرئيس الراحل لجنة رئاسية كلفت بتحويل مواد دستور 2014 إلى قوانين. وفي سبتمبر 2017 سمح للتونسيات بالزواج من غير المسلمين. وتقدم بمقترح قانون للبرلمان غير مسبوق في أي من الدول العربية للمساواة في الإرث. وأثارت هذه الخطوات على طريق الإصلاحات الداخلية جدلا واسعا في تونس وحتى في الدول العربية.

اليوم يتطلع التونسيون بقلق إلى هذا الإرث الإصلاحي، ويخشون قطع الطريق الذي قطعوا فيه خطوات هامة، في ظل مشهد سياسي قد يشهد تغييرات إثر الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة.

تشهد هذه الانتخابات تراجعا لحزب نداء تونس، الذي أصابه التشتت والانقسام، وهو الذي كان في الانتخابات السابقة الحصن ضد تغوّل حركة النهضة الإسلامية. في هذه الانتخابات يغيب الباجي قائد السبسي فيما يحضر راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة مرشحا ضمن السباق الانتخابي البرلماني.

المتغيرات القادمة في المشهد البرلماني والحكومي والرئاسي في تونس تدفع إلى التساؤل عن مستقبل مشروع الاقتراحات التي طرحها الباجي قائد السبسي للمساواة في الإرث وغيرها من القوانين التي لم تُعرض على البرلمان للمصادقة عليها.

كما تطرح أسئلة عن مستقبل النموذج التونسي الذي يأبى الاحتكام لأطروحة الإسلام السياسي التي رسخها حسن البنا “الإسلام دين ودولة، مصحف وسيف”، وهي الأطروحة التي تؤمن بها النهضة وجميع الحركات الإسلامية. ولنا أن نتخيل معنى هذه الأطروحة لمستقبل تونس ومستقبل الإنسان العربي الذي لا يزال غير قادر على التفريق بين الإسلام كدين والإسلام السياسي كممارسة سلطوية؟

9