لا تقل صباح الخير

إذا أردت أن تطّلع على حقيقة أي مجتمع، فما عليك إلا بالتاكسيات، استعملها بقدر ما تستطيع، وحاول جر أصحابها للحديث في مواضيع شتى، هذا إن لم يبادروا هم بجرك إلى مواطن اهتماماتهم.
وكَوْني تونسيا، فقد فهمت أن المجتمع ليس بخير كما يعتقد البعض، هناك طفرة من التدين الاجتماعي ظهرت بعد 2011 وبدأت تتحول إلى تشدد واضح نتيجة الخطاب الديني المسيّس الذي يحاول اللعب بعقول البسطاء من الناس لتحويلهم إلى أدوات لخدمة مشروع سياسي، معتمدا في ذلك على عدم قدرتهم على النقد أو الجدل أو التشكيك في المعلومات التي تضخ في العقول.
في مناسبات عدة، كنت أستقل سيارات تاكسي صباحا، وكلما قلت للسائق صباح الخير، رد عليّ بلغة الواثق من قناعاته: وعليك السلام، أسأله: وماذا عن صباح الخير؟ يجيبني: تحية الإسلام السلام عليكم ولا يجوز تحية المسلم بغيرها.
منذ أسبوع، استقللت سيارة تاكسي صباحا، وحييت سائقها بتحية الإسلام، فرد عليّ بمثلها، وبعد دقائق: بادرني بالقول: يبدو اليوم حارا منذ بدايته، أجبت: نعم يبدو، فاسترسل قائلا: إن الله يحاسبنا نتيجة أفعالنا، قلت: كيف؟ أجاب: اذهب إلى الشاطئ وانظر كيف تكتفي النساء بلباس البحر، أليس ذلك كافيا ليحل بنا غضب الله؟ قلت له: العلماء يقولون إن العالم كله يشهد ارتفاعا في درجات الحرارة نتيجة التحولات المناخية، رد علي بغضب: أي علماء؟ العلماء الحقيقيون يقولون إن ما نراه هو من غضب الله علينا؟ قلت له وأنا أهم بالنزول: أخي العزيز أنا أتحدث عن العلماء الذين صنعوا السيارة التي تستقلها والهاتف النقال الذي تتلقى به اتصالات الزبائن والراديو الذي تستمع من خلاله إلى العلماء الذين تتحدث عنهم.
سائق آخر، بدأ يتحدث عن الماء وأزمة الماء، ثم قال لي: إن الله خلق لكل إنسان نصيبه من الماء، فإذا لم يجد هذا النصيب فالأكيد أنه تعرض للسرقة، سألته: كيف؟ فأجاب: المسابح المنزلية هي سبب أزمة الماء، ومنذ ظهرت في بيوت الأثرياء، صرنا نعاني أزمة في المياه، حيث أنها تأخذ من الفرد نصيبه الذي خصصه الله له.
تذكرت كيف استقللت ذات يوم سيارة تاكسي في مدينة خليجية، وقد سألني سائقها من أيّ بلد أنت؟ فأجبته: من تونس، فسألني: هل تونس مسلمة؟ أجبته: نعم، فانفرجت أسارير وجهه، وقال لي الحمد لله أنها ليست دولة كافرة، قلت له: أنت تقود سيارة صنعها رجل غير مسلم وتعود إلى بلادك في طائرة صنعها غير مسلم، فابتسم ورد علي بحزم الواثق من نفسه: ولكن الله منح النفط الذي يشغّل السيارة والطائرة للمسلمين، وتلك حكمة الله، وما كان مني إلا أن رددت عليه بالقول وأنا أعتقد أنني انتصرت عليه: اطمئن يا أخا الإسلام فهناك دول غير مسلمة بها نفط وغاز، فما كان منه إلا أن أفحمني بالقول: حتى تلك الدول خلقها الله لتخدم المسلمين.