حملة سحب السلاح تثير هواجس العشائر الأردنية

عمان- تتفاعل على الساحة الأردنية هذه الأيام قضية سحب السلاح من المواطنين التي أثارها وزير الداخلية العائد سلامة حماد، وسط إبداء كثيرين من متبني نظرية “المؤامرة” شكوكا حول المغزى من هذا القرار وتوقيته.
ويشكل السلاح المنفلت في الأردن أحد أكبر الهواجس الأمنية، في ظل معطيات تفيد بأن الأردن يحتل المراتب الأولى في حيازة مواطنيه للأسلحة مقارنة بعدد سكانه. وقد ذكرت دراسة ميدانية أجرتها الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، قبل فترة أن نحو 24 بالمئة من الأردنيين يملكون أسلحة نارية وأتوماتيكية.
وشهدت المملكة ارتفاعا مطردا في معدلات الجريمة، الأمر الذي جعل الدولة تدق ناقوس الخطر، خاصة وأن نسبة كبيرة تقارب 92 بالمئة من الجرائم جرت بأسلحة نارية غير مرخصة، فضلا عن تحول السوق السوداء في المملكة إلى مصدر أساسي لتزود التنظيمات الجهادية بالأسلحة للقيام بعمليات إرهابية في الداخل.
وتعرض الأردن في السنوات الأخيرة لعدة هجمات إرهابية كان أخطرها في ديسمبر 2016 والتي استهدفت قلعة الكرك الأثرية جنوب المملكة وأسفرت عن مقتل 14 شخصا بينهم 7 أمنيين.
وفي مداخلة له بالبرلمان خلال مناقشة قانون جديد يضبط الأسلحة في الأردن، قال وزير الداخلية إنه حان الوقت لإعادة النظر في القانون الحالي، لافتا إلى أن دخول الأسلحة المهربة إلى المملكة شهد ارتفاعا مخيفا منذ اندلاع الأزمة السورية.
وأشار حماد إلى أن الجنوب السوري كان لفترة طويلة خارج سيطرة الدولة السورية مما سمح بتخزين آلاف القطع من الأسلحة المختلفة وتهريبها إلى الأردن. وأكد أن وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية ضبطت الكثير من المهربين والأسلحة التي حاولوا تمريرها.
المشروع يلزم المرخص لهم اقتناء الأسلحة الأوتوماتيكية وحملها، بتسليمها إلى أقرب مركز أمني، خلال مدة لا تتجاوز 6 أشهر من تاريخ نفاذ أحكامه
ويناقش البرلمان مشروعا جديدا يقنن حيازة الأسلحة وضبطها، وهناك انقسام واضح في الشارع الأردني حيال هذا القانون خاصة وأنه يتضمن في أحد بنوده إلغاء رخص الأسلحة الأوتوماتيكية، وحظر منحها للأشخاص الطبيعيين. وتبدو عشائر الأردن الأكثر تحفظا حيال هذا القانون خاصة وأن ثقافة حمل السلاح متأصلة في صفوفها فهي تعتبره رمزا للقوة والسيطرة، وبالتالي فإن التخلي عن أسلحتها يعد محاولة لإضعافها وتقليم “مخالبها”.
وأعرب رئيس الديوان الملكي الأسبق رياض أبوكركي في منشور على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي عن معارضته للمشروع الجديد قائلا إن امتلاك العشائر الأردنية للأسلحة يعني الدفاع عن الأردن، معتبرا أن العشائر هي رديف القوات المسلحة.
وعرض أبوكركي جملة من الوقائع التاريخية التي كان للعشائر دور حاسم في رد الاعتداءات على المملكة منها حينما هبت قبيلتا بني صخر والعدوان للتصدي لهجوم من الجنوب في عشرينات القرن الماضي.
واستذكر رئيس الديوان الأسبق الدور الذي لعبته قبيلة بني حسن في إجهاض محاولة انقلاب في العام 1953، وأيضا دور أهل إربد حينما ساعدوا الجيش في التصدي للقوات السورية حينما اجتازت الحدود الأردنية. وينظر العديد من أبناء العشائر في الأردن إلى أن الخطوة الحكومية تعكس قلق الدوائر العليا، وتراجع منسوب الثقة في العشيرة التي لطالما شكلت سندا رئيسيا للمؤسسة الملكية.
ويرون أن مشروع سحب السلاح في هذا التوقيت نابع من هواجس في علاقة بالأزمة الاقتصادية المتفاقمة، والتي لا يبدو أن هناك أفقا لاحتوائها ما يعني أن المملكة مهددة بهزات اجتماعية جديدة على غرار ما جرى في مايو من العام الماضي.
ويذهب البعض حد ربط المسألة بخطة السلام الأميركية المعروفة بصفقة القرن والتي تم عرض الشق الاقتصادي منها في ورشة بالبحرين الشهر الماضي، فيما تتضارب المعطيات بشأن توقيت كشف الجانب السياسي منها والتي يخشى الأردن أن تأتي على حسابه.
ومن الهواجس التي تحملها صفقة السلام الأميركية هو فرض توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة وبينها المملكة، الأمر الذي سيعني في حال تحقق قلب الموازين الديموغرافية لفائدة الفلسطينيين وعلى حساب العشائر.
ويقول نشطاء من العشائر إن خطوة سحب السلاح في هذا التوقيت خطيرة في ظل التحديات الخارجية التي تواجهها المملكة، معيدين التذكير بعمليات سحب الأسلحة من الضفة الغربية قبل احتلالها من جانب إسرائيل.
في المقابل يرى شق واسع من الأردنيين أن هناك مبالغة في تصور الدوافع من سحب الأسلحة، مشددين على أنه حان الوقت لإنهاء مظاهر السلاح المنفلت الذي كبد خسائر بشرية فادحة سواء خلال الاحتفال بمناسبات اجتماعية أو في النزاعات بين العشائر، وحتى خلال مداهمات القوى الأمنية لاعتقال مطلوبين، مشيرين إلى حادثة عجلون في فبراير الماضي.
ووفق مشروع القانون المعروض “يُحظر على الأشخاص الطبيعيين، التعامل بالأسلحة الأوتوماتيكية”، وتُلغى رخص اقتنائها وحملها الصادرة سابقا. ويلزم المشروع، الذي نشرته بعض وسائل الإعلام المحلية، المرخص لهم اقتناء الأسلحة الأوتوماتيكية وحملها، بتسليمها إلى أقرب مركز أمني، خلال مدة لا تتجاوز 6 أشهر من تاريخ نفاذ أحكامه.
ويعطي أيضا للمرخص الذي يسلم سلاحه، الحق في “تعويض عادل”، كما يحظر المشروع التعامل ببنادق الصيد الأوتوماتيكية “التي تعمل بمخزن ذخيرة ثابت أو متحرك، يتسع لأكثر من طلقة (بمبكشن أو أوتوماتيك)”.
ويتيح مشروع القانون لوزير الداخلية الأردني منح رخصة اقتناء مسدس أو بندقية صيد أو سلاح هوائي، ورخصة حمل مسدس، في حين يقتصر حمل الأسلحة الأوتوماتيكية على شركات الحماية والحراسة الخاصة المرخصة.