العراق يستنسخ الآلية الأوروبية لتخفيف أزمات إيران

كشف مسؤولون عراقيون أن بغداد استنسخت الآلية الأوروبية الخاصة لفتح نافذة مالية لطهران لإيداع مستحقات وارداتها من الكهرباء والغاز وتسهيل استخدامها لتسديد واردات إيرانية، لكن محللين يقولون إنها ستواجه الكثير من العقبات السياسية والمالية والعملية.
بغداد - كشف تقرير أن الحكومة العراقية تحاول إنشاء “منفذ” مالي يتيح لها مواصلة شراء الكهرباء والغاز من إيران والالتفاف على العقوبات الأميركية، في استنساخ مباشر لآلية أوروبية دخلت حيز التنفيذ الجمعة الماضي.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسة إلى ثلاثة مسؤولين عراقيين تأكيدهم أن “آلية الأغراض الخاصة” تستهدف السماح للعراق بتسديد ثمن الطاقة الإيرانية المستوردة بالدينار العراقي، لتمكين طهران من استخدام العوائد في شراء البضائع الإنسانية حصرا.
وأمدوا أن هذا الحل البديل سوف يتيح للحكومة العراقية الاستمرار بعملية الاستيراد وتجنب الاحتجاجات الشعبية الناجمة خصوصا عن النقص في الإمدادات الكهربائية، دون أن تتعرض للعقوبات الأميركية.
وتسير بغداد على حبل رفيع محفوف بالمخاطر بين حليفيها الرئيسيين طهران وواشنطن، في ظل انقسام حاد في البرلمان والحكومة بين فريق موال لطهران وفريق متحفظ على نفوذها الكبير في الساحة العراقية.
وأوضح أحد المسؤولين العراقيين، طالبا عدم ذكر اسمه، أن تلك الآلية كانت نتاج أشهر من المحادثات بين المسؤولين العراقيين والإيرانيين والأميركيين.
وأكد أن “الحكومة العراقية سوف تواصل السداد لإيران مقابل إمدادات الغاز والكهرباء عن طريق إيداع أموال في حساب مصرفي خاص داخل العراق بالدينار العراقي”. وأشار إلى أن “إيران لن تكون قادرة على سحب الأموال، لكنها سوف تتمكن من استخدامها لشراء سلع من خارج العراق”.
وكان وزير النفط الإيراني بيجان نمدار زنغنة قد أكد أن العراق مدين لإيران بسداد فاتورة معلقة تصل قيمتها إلى نحو ملياري دولار ثمنا لعملية شراء غاز وكهرباء سابقة.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى مسؤول أميركي قوله إن واشنطن على علم بإنشاء هذه الآلية، لكن السفارة الأميركية في بغداد رفضت التعليق على الموضوع. وقالت الوكالة إنها لم تتمكن من الحصول على تعليق من السفارة الإيرانية في بغداد.
وأكد مسؤولان عراقيان أن بغداد تقوم بإنشاء آلية المدفوعات بعلم الولايات المتحدة، لكنهما لم يحددا ما إذا كانت عملية الإيداع في الحساب قد بدأت بالفعل. وقال أحدهما “كيف يمكن للعراق أن يدفع ما عليه لإيران؟ ليس لدينا خيار آخر”.
صراف إيران الآلي
للتغلب على النقص المزمن في موارد الطاقة، يستورد العراق ما يصل إلى 28 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي من طهران لمصانعه، كما يشتري بشكل مباشر نحو 1400 ميغاواط من الكهرباء الإيرانية.
لكنّ مراقبين يشيرون إلى وجود تناقضات، بعد أن قلّص العراق عمليات حرق الغاز المصاحب، وقام بتصدير العشرات من الشحنات إلى الخارج في وقت يستعد فيه لتصدير الغاز إلى الكويت.
كما تتعرض الصفقات مع إيران لانتقادات بسبب السعر الذي يدفعه العراق لشراء الغاز الإيراني، والذي يفوق ضعف متوسط الأسعار العالمية.
وتُبدي الولايات المتحدة عدم ارتياحها لاستمرار اعتماد العراق على الإمدادات الإيرانية، وقد مددت إعفاء بغداد من العقوبات حتى نهاية سبتمبر المقبل، لكنها طالبت بمضاعفة الجهود للتخلّي عن مشتريات الطاقة الإيرانية.
وأعادت واشنطن فرض العقوبات على المؤسسات المالية الإيرانية وخطوط الشحن وقطاع الطاقة والمنتجات النفطية في نوفمبر الماضي، وألغت جميع الاستثناءات الأخرى، التي منحتها لثمانية بلدان منذ بداية مايو الماضي.
وتصرّ الولايات المتحدة على وجوب إيقاف اعتماد العراق على الطاقة الإيرانية، لكن بغداد تقول إن ذلك قد يستغرق ما يصل إلى أربع سنوات، ستحتاج خلالها إلى شراء الغاز الإيراني على الأقل.
ولتسهيل استمرار المشتريات وافق المصرفان المركزيان العراقي والإيراني في فبراير الماضي على إنشاء طريقة دفع تتفادى العقوبات الأميركية، بحسب ما ذكرت وكالة “إيرنا” الرسمية الإيرانية.
ويعني ذلك عدم التعامل بالدولار الأميركي، وشراء “اللوازم الإنسانية” فقط التي تسمح بها الولايات المتحدة مثل الغذاء والدواء. وأبدى أحد المسؤولين العراقيين معارضته لتلك الآلية بالقول إن العراق سيصبح “جهاز صراف آلي لإيران”.
وبحسب المسؤولين العراقيين رفيعي المستوى، من المرجح أن يتم إنشاء الحساب المذكور في المصرف التجاري العراقي “تي.بي.آي” الذي يقوم بمعظم المعاملات الدولية للحكومة العراقية منذ تأسيسه في أعقاب الغزو الأميركي في عام 2003.
وقال مصدر من داخل المصرف التجاري لوكالة الصحافة الفرنسية إن المصرف شارك في المفاوضات بين المصرفين المركزيين العراقي والإيراني، لكنه أكد أن الحساب لم يفتح حتى الآن.
وأضاف أن “وزارة الخزانة الأميركية لديها ثقة في عمليات المصرف التجاري العراقي. نحن نجري مناقشات للتوصل إلى اتفاق، سيكون بالكامل في إطار الإعفاءات الأميركية”.
دفتر عراقي لحسابات إيران
يرى أحمد الطبقجلي، الباحث في معهد الدراسات الإقليمية والدولية في مدينة السليمانية شمال العراق، أن الأمر سوف يكون التفافا فعليا على العقوبات. وأكد أن الآلية مثل “دفتر الحسابات، تسجل الأموال المدفوعة، وتحتفظ إيران بذلك الرصيد الكبير في العراق”.
وتشير البيانات إلى هذه الآلية ستكون مشابهة للآلية الأوروبية “إنستيكس″ التي تم تفعيلها مؤخرا من قبل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، للتداول بشكل شرعي مع إيران دون الإخلال بالعقوبات الأميركية.
ورغم ذلك، يرى محللون أن هذا النظام محفوف بالتعقيدات السياسية والمالية والعملية.
ويعتمد الاقتصاد العراقي بشكل تام تقريبا على عائدات النفط، المدفوعة بالدولار الأميركي، ما يجعل بغداد عرضة بشكل كبير لخطر فرض إجراءات عقابية يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة ردا على أي انتهاك.
ولا يزال من غير الواضح ما الذي يمكن أن تشتريه إيران بالضبط من العراق، لأن التبادل التجارة يميل في الاتجاه الآخر، حيث يستورد العراق منها ما يصل إلى 12 مليار دولار سنويا ولا يصدر لها أي شيء يذكر.
وأوضح الطبقجلي أن “الائتمان سيتطور لصالح إيران، لكن السؤال كيف ستصرفه؟”.
وأشار إلى أن استيراد البضائع من خارج العراق يتطلب وجود طرف ثالث على استعداد لتحمّل المخاطر السياسية والمالية لتلك الصفقات.
وتتركز معظم معاملات العراق مع إيران في مشتريات نقدية للسلع التجارية. ويقول الطبقجلي إن ذلك يجعل من الصعب على السلطات الأميركية مراقبتها حيث “لا يمكن تعقّب التعاملات النقدية”.