السعودية تبحث عن صوت إعلامي مسموع في لبنان

الرياض ما تزال مهتمّة بدعم مشاريع إعلامية في لبنان لكنّها تنتظر أن يكون خطابها فاعلا ومؤثرا بعد فشل تجارب سابقة.
الأربعاء 2019/07/03
الصحيفة قد تمثل صوتا كان غائبا أو خافتا

بيروت - ينظر المراقبون في لبنان إلى حدث صدور جريدة “نداء الوطن” من موقع يختلف عن الاحتفالية المتعلقة بولادة صحيفة ورقية في بلد شهد انهيارا واختفاء لعدد من الصحف العريقة.

ويلفت هؤلاء إلى ما يعنيه هذا الحدث على المستوى السياسي اللبناني وما يحمله من مضامين تتعلق بالتوازنات الداخلية وامتداداته الخارجية.

ويعتبر المراقبون أن توقيت الصدور الجديد للصحيفة له دلالات كبرى تتعلق بمستقبل ما يحاك لكل المنطقة بما في ذلك لبنان.

ويلفت هؤلاء إلى أن التطورات المتعلقة بمستقبل الصراع الأميركي الإيراني كما المداولات الجارية للتوصل إلى تسوية تنهي الصراع في سوريا كما الورش الاقتصادية الكبرى المتعلقة بغاز شرق المتوسط، بما في ذلك الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، تفرض توازنات جديدة في الداخل اللبناني تحتاج إلى تموضع إعلامي يتّسق مع المآلات المقبلة.

وعلى الرغم من أن تمويل “نداء الوطن” ينتمي إلى القطاع الخاص وفق ما هو معلن (يملكها رجل الأعمال اللبناني ميشال مكتف)، غير أن الأوساط السياسية تعتبر أن صدور الجريدة يصب داخل التيار السيادي الذي كان ينتمي سابقا إلى تحالف 14 آذار، وسيمثل تحديا إعلاميا جديدا لوسائل الإعلام المحسوبة على حزب الله وإيران ونظام دمشق.

وتضيف هذه الأوساط أن الصحيفة قد تمثل صوتا كان غائبا أو خافتا داخل التيار السياسي اللبناني المتحالف مع السعودية.

وتقول الأوساط ذاتها إن صدور الصحيفة دليل على أنّ الرياض لا تزال مهتمّة بدعم مشاريع إعلامية في لبنان، لكنّها تنتظر أن يكون خطابها فاعلا ومؤثّرا، بعد فشل تجربة صحيفة المستقبل.

ومعروف أن “نداء الوطن”، وعلى الرغم من الخطاب المستقل لإدارة الصحيفة ستكون قريبة من خط حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع.

وتعتبر صحف أخرى كالمستقبل والنهار والشرق واللواء أصواتا تعبر عن الخط السياسي المناهض لإيران والقريب من السعودية.

إلا أن قواعد التسوية الرئاسية التي أبرمت بين زعيم المستقبل سعد الحريري وزعيم التيار الوطني الحر ميشال عون (والتي أفضت إلى انتخاب الأخير رئيسا للجمهورية)، قد قلصت من هامش القول والمناورة لدى هذه الصحف، التي أخذت بعين الاعتبار أن تلك الصفقة أبرمت برعاية حزب الله وتواطئه.

ويرى مراقبون أن هناك مكانا رحبا للصحيفة الجديدة لانتهاج خط أكثر وضوحا بالمستوى الذي يتناسب مع سياسة “القوات” وزعيمها.

ويلفت هؤلاء إلى أن الصحيفة ستعكس طبيعة التحالف الذي لم يصب بأي وهن بين جعجع والرياض مقارنة بعلاقة السعودية مع الحريري التي تعرضت للكثير من الهزات المربكة.

ويضيف هؤلاء أن رعاية الرياض لجعجع وتمسكها بدعمه والوقوف عند خياراته هي التي وضعت خطوطا حمراء للحريري وغيره لصد المحاولات التي هدفت إلى تحجيم القوات داخل الحكومة والمحاولات الفاشلة لتقليص حجمها داخل مجلس النواب اللبناني.

وتدعو بعض المنابر إلى تأمل حدث صدور جريدة ورقية قريبة من تيار جعجع المتحالف مع السعودية، مقارنة بالأزمة المالية التي تعاني منها منبر تيار الحريري الإعلامية المفترض أنه يمثل السياسة السعودية في لبنان.

ورغم أن هذه المنابر لم تعط تفسيرا لهذه المفارقة إلا أنها لاحظت أن الرياض لم تهب لنجدة الحريري في أزمته ما أدى إلى تقليص شديد في نفقات تلفزيون المستقبل، فيما اضطرت صحيفة المستقبل إلى وقف إصدار مطبوعتها الورقية.

Thumbnail

وتدعو بعض الأوساط إلى عدم انتظار حدوث انقلاب جذري في الخطاب الإعلامي للصحيفة الجديدة خصوصا أن قربها من القوات يفرض عليها الالتزام بقواعد ما هو معمول به منذ انتخاب عون رئيسا للجمهورية.

وتقول هذه الأوساط أنه على الرغم من الخلافات التي باتت علنية بين “القوات” والتيار الوطني الحر برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل، إلا أنه يجب التذكير بأن المصالحة التي أبرمت بين “القوات” و”التيار” هي التي مهدت للحريري إبرام صفقته مع عون.

وتقول أوساط مسيحية إن الصحيفة ستمثل منبرا إعلاميا متقدما للقوات، لاسيما أن المداولات القضائية المتعلقة بمحطة “أل.بي.سي” حول ملكية القناة التي يطالب بها حزب القوات اللبنانية ما زالت معقدة تجعل من عودة القناة إلى حضن القوات أمرا شديد الصعوبة.

وتضيف هذه الأوساط أن الساحة بحاجة إلى صحيفة مسيحية تضخّ خطابا مختلفا داخل لبنان يقف بالمرصاد أمام الخطاب المسيحي الذي يبثه باسيل وتياره، والذي أعاد المسيحيين إلى عقلية سابقة تتحمل جانبا من أسباب اندلاع الحرب الأهلية.

وتخلص هذه الأوساط إلى أن ما جرى في منطقة الشوف الأحد دليل جديد على الفتنة التي يجرّها خطاب باسيل باسم الدفاع عن المسيحيين ووجودهم في لبنان.

ويعتقد بعض المحللين أن المعركة الرئاسية التي افتتحها باسيل باكرا ستفرج عن تطورات قد تشهد تحالفات جديدة وفق ما سيتغير عليه الوضع الإقليمي في المستقبل.

ويضيف هؤلاء أن جعجع وزعيم تيار المردة سليمان فرنجية هما منافسان جديان لباسيل. غير أن أسماء أخرى قد تظهر، بينها قائد الجيش جوزيف عون لتفرض أجندات جديدة مربكة للجميع، وأن تموضع القوات إعلاميا بات ضروريا وملحا لمواجهة المرحلة المقبلة.

وعلى الرغم من أنه ما زال من المبكر تقييم أداء “نداء الوطن” إلا أن هذا المشروع قد يكون جزءا من قفزة إعلامية متعددة المنابر قد لا تكون السعودية بعيدة عنها من ضمن جهودها لتحجيم النفوذ الإيراني في لبنان.

3