بريكست يضع أعرق ديمقراطيات العالم محل تشكيك

بعيدا عن تأثيرات بريكست الاقتصادية على بريطانيا والتي يتخوّف منها البعض ويقلل من شأنها البعض الآخر، أصبح الانفصال عن الحاضنة الأوروبية يهدد أركان الديمقراطية الأعرق في العالم ويدفع نحو إعادة تشكيلها وفقا لمفاهيم قومية تنامى زخمها واشتد عودها خاصة بعد الفوز الساحق الذي حققه حزب بريكست، حديث الولادة، في الانتخابات المحلية البريطانية مؤخرا وصعوده كذلك إلى البرلمان الأوروبي.
لندن- يعتزم ناشطون يدعون إلى تعديل النظام الانتخابي في بريطانيا تحويل المئات من حاويات القمامة إلى صناديق اقتراع رمزية الشهر المقبل، لتوضيح رؤيتهم بأن معظم أصوات الناخبين في البلاد مصيرها سلّة القمامة.
وستقيم جماعة “ميك فووتس ماتر” (لتكون أصواتنا مهمّة) “يوما للمطالبة بالديمقراطية” في أنحاء البلاد السبت المقبل، الموافق للسادس من يوليو الجاري، من أجل الدعوة إلى “تحرك جماهيري بهدف حشد، وإبراز الدعم، لنظام التمثيل النسبي في الانتخابات العامة” بالبلاد.
وفي الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت في عام 2017، فإن 68 بالمئة من الناخبين “لم يكن لهم دور فاعل في النتائج، لأنهم صوتوا لمرشحين خاسرين أو آخرين فازوا ولم يكونوا في حاجة لكل هذه الأصوات”، بحسب ما ذكره دارين كولين هيوز، رئيس “جمعية الإصلاح الانتخابي” في بريطانيا.
وفي عام 2015، جرى ما أطلقت الجمعية “أكثر الانتخابات غير المتكافئة في تاريخ بريطانيا”، وفاز حزب المحافظين بالأغلبية، بنسبة 37 بالمئة فقط من إجمالي الأصوات في ظل نظام “الفائز بأعلى نسبة من الأصوات” القائم على الدوائر الانتخابية، وهو النظام المطبق بالشكل الذي هو عليه الآن منذ عام 1950.
ويبدو أن معظم الناخبين في بريطانيا راضون عن هذا النظام الذي سمح للمحافظين وحزب المعارضة الرئيسي، العمال، بالهيمنة على مقاليد السياسة في البلاد.
ومن المقرر اختيار خليفة لرئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي أواخر يوليو الجاري، ولكن دون الحاجة لإجراء انتخابات عامة، وهو ما جرى قبل ثلاث سنوات عندما انتخب المحافظون ماي رئيسة للحزب، لتصبح بالتبعية رئيسة للحكومة، عقب إخفاق سلفها ديفيد كاميرون في إقناع الناخبين بالبقاء داخل الاتحاد الأوربي في الاستفتاء الذي جرى في عام 2016.
ووافقت ماي على التخلي عن منصبها بسبب إخفاقها في إتمام عملية الانسحاب من التكتل الأوروبي. ولكن النقاش الدائر بشأن مغادرة الاتحاد الأوروبي، والذي اندلع قبل استفتاء عام 2016، شكل حافزا لإحداث تحول في المواقف إزاء الحزبين الرئيسيين، وربما إزاء النظام الانتخابي ككل.
وقال هيوز، وهو عضو سابق في برلمان نيوزيلندا (2011-2002)، “لدينا نظام انتخابي لا تتناسب فيه المقاعد مع أصوات الناخبين، ولذلك رأينا على نحو منتظم تشكيل حكومات الحزب الواحد التي تستند على نسبة مئوية صغيرة من الأصوات، تنخفض في بعض الأحيان إلى نسبة 30 بالمئة”.
وأضاف “ولذلك، ثمة مشكلة هيكلية ومشكلة تتعلق بالثقافة السياسية في هذه اللحظة، وهي التقلبات بين الناخبين”. وكشفت انتخابات المجالس المحلية وانتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت مؤخرا تحولا دراماتيكيا يعد نذير شؤم بالنسبة للمحافظين والعمال.
وأنشأ الناشط المخضرم، المتشكك في جدوى الاتحاد الأوروبي، نايجل فاراج “حزب بريكست” في أبريل الماضي، وتمكن من انتزاع نصيب مذهل من أصوات الناخبين من بين فكي “الاثنين الكبار”. ونال كل من “حزب بريكست” والمحافظون 22 بالمئة من تأييد المشاركين في استطلاع حول نوايا الناخبين بشأن التصويت في الانتخابات العامة، أجرته مؤسسة “يو غوف” البريطانية لاستطلاعات الرأي عبر الإنترنت، وأعلنت نتائجه الأسبوع الماضي، وذلك مقابل 20 بالمئة لحزب العمال، و19 بالمئة لليبراليين الديمقراطيين.
وقال جون كيرتيس، أستاذ علم السياسة بجامعة ستراثكلايد الاسكتلندية “هناك قليل من الشك في أن نظام الحزبين التقليدين في بريطانيا يواجه أكبر تحد له في أعقاب مأزق بريكست”.
ويرى هيوز أن الوعي السياسي يتزايد بأن “خطأ جوهريا هنا، أننا نسعى إلى تحويل مجتمع متعدد الأحزاب إلى آخر قائم على نظام الحزبين، وهو أمر يحمل في طياته جميع أنواع العواقب المفزعة”. ولكن الطريق شاق صوب التغيير، حيث إن “قوة تغيير تكمن أساسا في أيدي المنتفعين من النظام الانتخابي الذي نحن بصدده”. وتعهد فاراج بخوض غمار الحرب من أجل الإصلاح السياسي، ويريد إلغاء مجلس اللوردات، الغرفة الأعلى غير المنتخبة من البرلمان الإنكليزي.
ويدعو الحزب الليبرالي الديمقراطي وحزب الخضر وحزب استقلال المملكة المتحدة، الذي جرى تهميشه منذ استقالة فاراج من رئاسة الحزب في عام 2016، إلى الأخذ بنظام التمثيل النسبي (القائمة النسبية) في الانتخابات البرلمانية.
وقال النائب البرلماني توشكا أومونا، الذي انضم إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي عقب انشقاقه عن حزب العمال في شهر فبراير الماضي، مؤخرا أمام مجموعة برلمانية بشأن نظام التمثيل النسبي، إن النظام الانتخابي “يجرى تزويره في الأساس لصالح الحزبين المحافظين والعمال”.
وأضاف أومونا “يستطيع المرء أن يقول إن هذا كان مناسبا في بريطانيا في عهد مختلف، عندما كانت بلادنا مقسمة في الأساس بين مصالح الأعمال ورأس المال من ناحية ومصالح طبقة العمال من ناحية أخرى، لا نستطيع تقسيم بلادنا على هذا النحو في هذا اليوم وهذا العصر”.
ورغم هذا، يتعيّن الحصول على تأييد واحد من “الاثنين الكبار” من أجل إحداث التغيير في النظام الانتخابي إلى نظام القوائم الحزبية. وأوضح أومونا أن أي تحرك في اتجاه تغيير نظام الانتخابات على المدى القصير قد يحتاج إلى الاعتماد على تغيير حزب العمال لبرنامجه الانتخابي ، وهو “ما يبدو غير ممكن في ظل قيادة جيريمي كوربين للحزب”.