حظر الاستيراد ينعش إنتاج المشروبات العراقية

الفساد يشل جهود السلطات العراقية في مكافحة تهريب السلع من إيران.
الثلاثاء 2019/07/02
انهيار شبكات المياه يضاعف استهلاك المشروبات المعبأة

تزايدت المؤشرات على انتعاش صناعة المشروبات في العراق، بعد حظر الاستيراد، في وقت تتواصل فيه الضغوط على الحكومة لتقديم حوافز أكبر لإخراج الاقتصاد من حالة الانهيار الشامل، ومضاعفة جهودها لمكافحة ظاهرة التهريب المزدهرة وخاصة من إيران.

بغداد - وجدت الحكومة العراقية في منع استيراد المشروبات الغازية والعصائر والمياه المعلبة إحدى الخطوات القليلة لمعالجة تفاقم الأزمات الاقتصادية، وخاصة المتعلقة بالصناعة المحلية التائهة في دروب الفساد والبيروقراطية.

وبعد تأجيل تنفيذ القرار لأكثر من عامين، بدأت المصانع تتلمس طريقها نحو التعافي في أعقاب إعلان وزارة الصناعة والمعادن في أبريل الماضي حظر استيراد المشروبات التي تغرق السوق المحلية، في ظل توفر إمكانات إنتاجها محليا.

وأكدت الوزارة حينها أنه تم إصدار كافة القوانين والتشريعات الخاصة بحماية ومنع استيراد العصائر والمرطبات والمياه المعدنية والمشروبات بمختلف أنواعها.

وذكر مدير عام دائرة التطوير والتنظيم الصناعي في الوزارة علاء موسى علي في وقت سابق هذا العام أن بلاده تمتلك أكثر من ألف مصنع لإنتاج مثل هذه المواد، لكنه لم يذكر بالتدقيق حجم أعمالها السنوي.

ويعاني العراق منذ الغزو الأميركي في 2003 من أزمات مزمنة انسحبت على معظم الأنشطة الاقتصادية الرئيسية، التي فاقمتها التكاليف الباهظة للحرب على الإرهاب.

وتمارس الأوساط الصناعية ضغوطا شديدة على الحكومة لترجمة وعودها بالاستجابة إلى مطالب رئيسية، بينها تأسيس مجلس تطوير القطاع الخاص لتحفيز الأنشطة الاقتصادية ومساعدتها على النهوض من سباتها.

ونسبت الصحافة المحلية لرئيس التجمّع الصناعي العراقي عبدالحسن الشمري قوله إن “العراقيين يملكون الخبرة الصناعية كونهم كانوا روّادا في إنتاج الصناعات الغذائية بجودة أعلى من تلك التي تأتي من الخارج”.

صالح الهمّاشي: إيقاف إغراق السوق بالسلع يجب أن يصاحبه دعم للشركات
صالح الهمّاشي: إيقاف إغراق السوق بالسلع يجب أن يصاحبه دعم للشركات

واعتبر أن قرار الحكومة سيساعد الشركات المحلية في تعزيز إيراداتها وتوفير فرص عمل جديدة للشباب العراقي، خاصة وأن القطاع الخاص “مرهق من السياسات غير المدروسة”.

وتشير التقديرات إلى أن القطاع الصناعي يحتاج إلى دعم حكومي سنوي يقدّر بملياري دولار، حتى يسهم بشكل أكبر في الناتج المحلي الإجمالي.

ومن المتوقّع أن ينفذ قرار المنع بشكل جزئي من خلال السيطرة على المنافذ الحدودية البرية للحد من عمليات التهريب المزدهرة وخاصة مع الجانب الإيراني، لكن الأمر يتوقف على جدية السلطات في تطبيقه.

وتعرّضت الأسواق العراقية إلى ضربات كثيرة من “حيتان التهريب” خلال السنوات الماضية بسبب إغراقها بمواد تموينية وملابس وتجهيزات كهربائية، وغيرها من السلع الاستهلاكية القادمة من إيران.

وتفصل العراق حدود برية مع إيران تصل إلى حوالي 1300 كلم تبدأ من إقليم كردستان شمالا مرورا بمحافظة ديالى شرقا وصولا إلى محافظة البصرة في الجنوب.

وتؤكد المؤشرات وتعليقات السكان بأن تجارة التهريب تزدهر بشكل كبير في ديالى والبصرة والسليمانية وواسط بسبب وعورة الجبال والمساحات المفتوحة، التي تفصل البلدين في تلك المناطق.

لكن الخبراء في هذه المسائل أشاروا إلى أن الفساد هو السبب الرئيسي في انتشار فوضى التهريب، التي قضت على الصناعة المحلية المتضررة أصلا من التهديدات الأمنية لا تزال تطارد فرص إنعاش الاقتصاد العراقي المنهار.

ويرى الشمري أن هناك نوايا حكومية حقيقية للإصلاح الاقتصادي، مشيرا إلى الخطوات الأخيرة لإنعاش قطاع الزراعة، والذي يشكّل وجه العملة الثاني المكمل للصناعة الغذائية، التي تقهقرت بشكل كبير في العقد الأخير.

ويعتقد أن الدعم الحكومي للصناعة يجب أن يكون متكاملا من خلال تسهيل الاقتراض وتحفيز القطاع المصرفي من أجل الخروج من دائرة الخوف المسيطرة عليه والبدء فورا لإنقاذ المصانع المتوقفة عبر ضخ الأموال لمساعدتها على الإنتاج مجددا.

وتقول الأوساط الاقتصادية إن النهوض بالصناعات المحلية سوف يوفر مليارات الدولارات للموازنة العامة، فضلا عن رفد الأسواق المحلية بمنتجات وفق المواصفات الدولية، في ظل توفر اليد العاملة والخبرات المحلية.

وأكد الخبير الاقتصادي صالح الهمّاشي في تصريحات للصحافة المحلية أن تدهور الصناعة يعود إلى بعض القرارات الحكومية، التي تحد من نشاط الشركات الخاصة وتطورها.

وأشار إلى أن منع استيراد أنواع من المشروبات ومحاولة بغداد إيقاف إغراق السوق المحلية بالسلع القادمة من الخارج، وخاصة تلك المتسللة بشكل سري يجب أن تتعزز بفسح المجال للقطاع الخاص في استيراد الآلات.

ويمتلك العراق، ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، إمكانيات واسعة لجذب المستثمرين الأجانب، بفضل عدد السكان البالغ نحو 40 مليون نسمة، وهو ما يجعله واحدا من أكبر الأسواق الاستهلاكية في المنطقة العربية.

وطلب صندوق النقد الدولي من بغداد الشهر الماضي القيام بإجراءات إصلاحات هيكلية بما في ذلك تحسين مستوى الحوكمة لاستدامة الاقتصاد  ولإرساء الأُسس اللازمة للنمو الشمولي.

11