سلاح قطع الإنترنت يخون الحكومات أحيانا

خلال ثماني سنوات من التوترات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية والدول المجاورة لها، عمدت السلطات إلى قطع خدمات الإنترنت لنزع فتيل الاحتجاجات، لكن هذه الطريقة أثبتت فشلها لمضاعفة غضب الجمهور أولا، ثم قدرته على تجاوز الحجب عبر التقنيات الحديثة ثانيا.
إسطنبول – كلما ارتفع منسوب الغضب الشعبي في بعض أرجاء العالم، تمتد أيادي السلطات مباشرة إلى الانترنت لقطعه، سعيا نحو إخراس الأصوات، وإجهاض الثورات، أو التعتيم على بعض الأحداث بحجج مختلفة، لكن هذا الإجراء أثبت عدم فعاليته في أحيان كثيرة بعد مضاعفة الغضب الشعبي.
ولم يعد الأمر حالة استثنائية، بل تحول إلى ما يشبه “الآلية” أو الخيار المفضل للسلطات خلال التوترات السياسية، بهدف إسكات أصوات المحتجين وإضعاف قدراتهم التنظيمية.
وخلال العقد الأخير، لعبت منصات التواصل الاجتماعي دورا بارزا في تعزيز جهود المتظاهرين، ونشر دعواتهم، وتحديد مطالبهم وحشد طاقاتهم الاحتجاجية ضد الأنظمة الحاكمة في عدة دول بالمنطقة.
ولجأت عدة دول عربية، على مدى أكثر من 8 سنوات، إلى استخدام سلاح قطع خدمات الإنترنت لأغراض سياسية، منها مصر وتركيا وموريتانيا والسودان والجزائر وسوريا.
وفي موريتانيا عقب إجراء انتخابات رئاسية الأحد الماضي، أعلن فيها عن فوز محمد ولد الغزواني، انضمت موريتانيا إلى نادي الدول العربية التي تقوم بقطع اتصالات الإنترنت لأغراض سياسية.
ووفق تقارير إعلامية، بينها صحيفة الأخبار الموريتانية، شهدت العاصمة نواكشوط وجميع الولايات (المحافظات)، انقطاعا في خدمات الإنترنت، بالتزامن مع احتجاجات قوى معارضة على إعلان فوز مرشح النظام، محمد ولد الغزواني، والتنديد بوقوع تزوير واسع في الرئاسيات.
ونقلت تقارير صحافية عربية، عن مدوّنين موريتانيين من الخارج، قولهم إن خدمات الإنترنت تعطّلت في كل أنحاء البلاد التي يستخدم فيها حوالي مليون شخص هذه الخدمة، واقتصرت خدمة الاتصالات على المكالمات والرسائل النصية.
وأكد تقرير لمنظمة “نيت بلوكس” المتخصصة بالأمن الإلكتروني والحقوق الرقمية، انقطاع شبكة الإنترنت في موريتانيا لأغراض سياسية.
وفي 3 يونيو الجاري، فضّت السلطات السودانية اعتصام الآلاف من المحتجين السودانيين بالقوة من أمام مقر قيادة الجيش بالعاصمة، كما لجأت لقطع اتصال الإنترنت لعدة أيام.
وقال المجلس العسكري السوداني، آنذاك، إن قطع الإنترنت “خطوة ضرورية لضمان الأمن الوطني”، فيما استمر تبرير السلطات السودانية لهذا الإجراء تحت دعوى حفظ الأمن والاستقرار.
وفي مؤتمر صحافي في حينه، أوضح وكيل وزارة الخارجية السودانية المكلّف، عمر دهب فضل، أن “أحداث التحول الديمقراطي تتطلب إرساء دعائم الأمن ما يستوجب تعطيل هذه الخدمة (الإنترنت) لفترة معقولة”.
وفي 23 يونيو أصدرت محكمة سودانية تعليمات لشركات الاتصالات بإعادة خدمة الإنترنت المقطوعة بأنحاء البلاد في وقت سابق من الشهر الحالي، وفق وسائل إعلام محلية.
وقبل الأيام الأولى للمظاهرات الشعبية التي قادت الجيش إلى عزل الرئيس عمر البشير في 11 أبريل الماضي، كانت منصات التواصل هي بوصلة السودانيين في تحديد قبلتهم الاحتجاجية.
أما في الجزائر، فقد شهدت العاصمة في إحدى جمع الغضب ضد ترشح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في فبراير الماضي، “تشويشات على خدمة الإنترنت”.
ولم يكن التضييق على الإنترنت سياسيا فحسب، بل امتدت لمواجهة ظواهر اجتماعية، حيث أكدت وسائل إعلام جزائرية أن الحكومة قطعت خدمات الإنترنت في يونيو 2018، لمواجهة ظاهرة الغش في اختبارات الثانوية العامة.
بدورها، قامت الحكومة التركية بخفض سرعة الإنترنت، ثم قطعه تمامًا في يوليو 2016 وذلك في أعقاب اعتقالها عددا من نواب البرلمان عن حزب الشعب الديمقراطي الكردي حيث منعت السلطات التركية الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي تويتر، فيسبوك ويوتيوب، كما أصدرت تعليمات إلى شركات الإنترنت بمنع خدمات الـVPN التي يلجأ إليها مستخدمو الإنترنت للدخول إلى المواقع المحجوبة. بحسب ما ذكر الإعلام المحلي.
وحاول حمزة يرلي كايا كبير مستشاري الرئيس رجب طيب أردوغان تبرير عمليات حظر الإنترنت بقوله “قطع الإنترنت ذكرنا بالمحاورات المباشرة التي نسيناها بسبب حواراتنا على هذا العالم الوهمي!”. على حد تعبيره.
ومطلع يوليو 2016، أصدر مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قرارا ينص على “تعزيز وحماية حقوق الإنسان على شبكة الإنترنت”. واعتبر أن الاتصال بشبكة الإنترنت حقٌّ من حقوق الإنسان، وتتضمّن بنوده عدم السماح بالتشويش والإغلاق المتعمد لخدمات الإنترنت.
وفي 28 يناير 2011، أطلق متظاهرون مصريون على ذاك اليوم اسم “جمعة الغضب”، في سياق احتجاجات بدأت قبل ذلك بثلاثة أيام ضد حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وذكر مراقبون، أن انقطاع خدمات الإنترنت ساهم في نزول الملايين إلى الميادين الرئيسية في البلاد، ما أدى إلى وقوع اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن.
وفي سوريا، منذ انطلاق الثورة والانغماس في المواجهات المسلحة في عام 2011، تعاني أغلب مناطق التحرك الشعبي من انقطاع متكرر لخدمات الاتصالات والإنترنت.
وأفاد أحمد أبوالقاسم، الخبير الإعلامي المصري، أن استخدام قطع الإنترنت لمنع الشعوب من التعبير عن رأيها، يعتبر “جريمة تستخدمها الأنظمة الشمولية ظنّا منها بقدرتها على تحجيم غضب شعوبها، والسودان أحدث تلك الأنظمة العربية”.
وقال أبوالقاسم، إن الشعوب أصبح لديها خبرة في التعامل مع الأمر، إما عن طريق استخدام إنترنت مرتبط بالأقمار الصناعية، وإما من خلال شبكات هواتف الدول المجاورة.
وتابع أن هناك بعض الشركات العالمية مثل غوغل وتويتر، تتيح الدخول إلى الإنترنت دون اتصال حال قطع الإنترنت من جانب الحكومات، لأن هذا الأمر يشكل جريمة الاعتداء على حقوق الإنسان.
واستشهد أبوالقاسم بواقعة نزول الملايين من المتظاهرين إلى الشوارع في مصر إبان ثورة 25 يناير 2011، بسبب قطع الإنترنت، وهو ما منح الثورة دفعة قوية جدا إلى الأمام وساهم في نجاحها.
واختتم حديثه بأن “استمرار الأنظمة الدكتاتورية في استخدام سلاح قطع الإنترنت لمعاقبة شعوبها، يعدّ عقوبة جماعية أثبتت فشلها وتحولها إلى حافز إضافي للإطاحة بها”.