متعة النظر

“ليس العمل الفني شيئا آخر سوى النصوص التي حيكت حوله”، هذا ما قالته جوليا كريستيفا في تناولها اللغة البصرية، وهي واحدة من المقولات التي يعالجها الفنان والأكاديمي التونسي خليل قويعة في كتابه المثير “العمل الفني وتحولاته بين النظر والنظرية”، وهو محاولة في إنشائية النظر كما يفسر الكاتب عنوان كتابه.
وهو تفسير قد لا يؤدي إلى الوصول إلى عتبة الفهم إلاّ من خلال قراءة متأنية وصبورة للكتاب الذي يقع في حوالي أربعمئة صفحة. ولكن لو شئنا التبسيط، فإن الكتاب محاولة في تفكيك عملية النظر إلى الأعمال الفنية.. أين تبدأ؟ وأين تنتهي؟ وما هي الأدوات التي تستند عليها؟
في الماضي وعبر سنوات من الكتابة الخلاقة التي لا تشبه أي كتابة التقط الفنان المصري الراحل محيي اللباد مفردة “نظر” من بيت شعري لأحمد شوقي غناه محمد عبدالوهاب في رائعته “جفنه علم الغزل”، ذلك البيت الذي يقول فيه “إن عشقنا فعذرنا/ أن في وجهنا نظر”، ليكون عنوانا ومحورا لمقالة أسبوعية كان يكتبها في مديح الجمال.
كان النظر بالنسبة للباد معجزة يتبعها خيالها، وهو يخترع جمالا مجاورا لذلك الجمال الذي ينبعث من الطبيعة، ذلك ما سعى قويعة إلى وضعه على طاولة التشريح بدءا بالأسئلة الملهمة التي تشكل قطرا لدائرة سحرية ملأها الناقد بمفردات التقطها من مختلف العصور، ليكتشف من خلالها أن هناك انسجاما كونيا بين محاولات النظر من داخل الموضوع وخارجه.
وينتهي قويعة إلى الإقرار بأن التحول العظيم الذي شهده الفن إنما يعتمد على معادلة الانتقال من سؤال “ماذا نرسم؟” إلى سؤال “كيف نرسم؟”، وهو تحول يستلهم قوته من اتساع دائرة السلطة التي يمارسها النظر بعد أن صار مؤكدا أن متلقي الأعمال الفنية يساهم هو الآخر في العملية الفنية.
سافر قويعة بين النظريات التي تعين على تذوق جمال الأعمال الفنية، غير أن رحلته اتسمت بطابع شخصي هو سر المتعة التي يشعر بها القارئ.