الاقتصاد التركي ينتظر عقوبات أوروبية وأميركية

عادت الليرة التركية إلى الهبوط أمس في ظل تصاعد تشاؤم الأوساط الاقتصادية وفي ظل تهديد واشنطن بفرض عقوبات ضد تركيا إذا مضت قدما في صفقة شراء صواريخ من روسيا، في وقت لوح فيه الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات إذا واصلت أنقرة التنقيب عن الغاز في المياه القبرصية.
لندن - أشعل الرئيس رجب طيب أردوغان المخاوف من انحدار الاقتصاد التركي المتعثر إلى حفرة أعمق بتصعيد التوتر مع واشنطن على خلفية صفقة شراء صواريخ أس 400 من روسيا، إضافة إلى تصعيد مواجهة أخرى مع الاتحاد الأوروبي بشأن التنقيب عن الطاقة في المياه القبرصية.
وقال في مؤتمر صحافي نادر لوسائل الإعلام الأجنبية، إنه سيرد على واشنطن بقوة إذا فرضت عقوبات ضد أنقرة ونصحها بالتفكير مليا قبل فرض عقوبات على عضو في حلف شمال الأطلسي.
وتخشى الأوساط الاقتصادية التركية من معركة خاسرة جديدة بعد أن أدى التصعيد مع واشنطن في العام الماضي بشأن اعتقال قس أميركي إلى أزمة مالية واقتصادية طاحنة وانتهت بتراجع أنقرة وإطلاق سراح القس الأميركي.
ويتوقع مراقبون تداعيات أخطر من أزمة العام الماضي، التي أسقطت الاقتصاد في قبضة الركود والانكماش وأدت إلى فقدان الليرة لأكثر من 30 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار، خاصة أن التصعيد مع واشنطن يتزامن مع مواجهة أخرى لا تقل خطورة مع الاتحاد الأوروبي.
وتعمقت أزمات الاقتصاد التركي في العام الحالي بسبب تراجع ثقة المستثمرين بسيادة القانون في البلاد بعد إلغاء نتائج انتخابات بلدية إسطنبول، التي فازت بها المعارضة، وقد فقدت الليرة نحو 16 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام الحالي.
وقالت كلارك كوبر مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية والعسكرية إن فرض عقوبات اقتصادية على تركيا إذا أقدمت على شراء منظومة دفاع صاروخي روسية أمر “وارد جدا” وأنها تواصل العمل مع شركائها في الناتو لثني أنقرة عن ذلك.
لكن أردوغان بدا ماضيا في التصعيد، حيث جدد أمس التأكيد أن الأمر بات محسوما. وأكد أنه لا يرى “أي إمكانية لفرض عقوبات” أميركية. واستدرك قائلا إنه في حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات “فستكون لدينا عقوباتنا الخاصة بنا”.
ويستند توقع أردوغان بعدم فرض عقوبات أميركية في ما يبدو على علاقته الشخصية بالرئيس دونالد ترامب، حيث أكد أن “علاقاتنا مع ترامب في وضع يمكنني القول عنه إنه جيد للغاية… ففي حالة وقوع أي مشكلات، نجري اتصالات هاتفية على الفور”.
ويرى محللون أن الرئيس التركي يسيء تقدير الأمور ولا يدرك خطورة إقدام بلد عضو في حلف الناتو على شراء أسلحة روسية، وأكدوا أن الأمر قد يصل إلى إقصاء تركيا من الحلف العسكري. ويبدو أن الرئيس التركي يسعى من وراء تلك المواجهات إلى حشد الحماس الوطني قبل انتخابات بلدية إسطنبول يوم الأحد المقبل، ولم يستبعدوا إمكانية تراجعه بعد ذلك الموعد.
ولا يبدو الاقتصاد التركي في وضع يمكّنه من تحمل عقوبات أميركية، بسبب الركود الاقتصادي وغليان التضخم وارتفاع أسعار الفائدة ومعاناة معظم الشركات من جبال الديون وهي تترنح على حافة الإفلاس.
وتؤكد تقارير عالمية أن الوضع المالي التركي أكثر هشاشة مما تظهره البيانات الحكومية، بعد الكشف عن عمليات احتيال واسعة لتجميل بيانات الاحتياطات المالية والتدخل بطرق خطرة لحقن العملة التركية بالمنشطات. في هذه الأثناء هدد الاتّحاد الأوروبي تركيا بفرض عقوبات عليها إذا لم توقف عملياتها “غير القانونية” للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص.
وجدّد قادة الاتّحاد خلال قمّة في بروكسل التأكيد على إدانتهم “أنشطة الحفر غير القانونية” بعد ساعات على إرسال أنقرة سفينة ثانية للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل الجزيرة المتوسطية العضو في الاتحاد الأوروبي.
وقال رئيس الوزراء اليوناني اليكسيس تسيبراس أمس إن تركيا قد تواجه عقوبات أوروبية إذا استمرت في تحدي حق قبرص في التنقيب عن الغاز. وأضاف أن العدوان التركي “لا نلاحظه فقط في علاقاتها باليونان وقبرص” فهي تخوض مواجهات مع بلدان مهمة مثل الولايات المتحدة ومع أوروبا.
وكانت الدول الأعضاء في الاتحاد (28 دولة) قد طلبت هذا الأسبوع من المفوضية الأوروبية ودائرة العمل الخارجي الأوروبي تقديم خيارات الإجراءات التي يمكن اتخاذها ضد تركيا على نحو عاجل.
وقال الزعماء في بيان إن “الاتحاد الأوروبي سيواصل مراقبة التطورات عن كثب وهو مصمّم على الردّ بشكل مناسب وبكلّ تضامن مع قبرص”. وكانت السفينة “يافوز″ التي طليت بالعلم التركي، قد أبحرت يوم الخميس بمواكبة سفينة عسكرية بعد حفل استعراضي شارك فيه وزير الطاقة التركي فاتح دونماز، الذي قال إن تركيا “تواصل أعمال التنقيب من دون توقف. إنّه حقنا الشرعي”.
وانضمت السفينة التي ستبدأ أعمال التنقيب مطلع يوليو إلى سفينة التنقيب التركية “فاتح” التي أرسلتها أنقرة قبل أشهر إلى المياه الواقعة قبالة سواحل قبرص.
ولا تسيطر الحكومة القبرصية المعترف بها دوليا سوى على القسم الجنوبي من الجزيرة في حين يخضع الشطر الشمالي لاحتلال تركي منذ عام 1974 ولا تعترف به سوى تركيا. ووقعت قبرص في السنوات الأخيرة عقود تنقيب عن النفط والغاز مع شركات عالمية عملاقة مثل إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية وإكسون موبيل الأميركية.