سبأ القوسي تشكيلية يمنية تواسي الضحايا بلوحات رمزية

أعمال الفنانة اليمنية تسرد قضايا مختلفة في دلالاتها، فيما يتفاوت إعجاب الذوق العام بها كون أغلبها مرتبطا بمراحل مختلفة.
الجمعة 2019/06/07
العمل الفني يكسر جمود المكان

تنعكس الحروب على المبدعين والفنانين بشكل كبير كما تؤثر في أعمالهم وقد تغيرها جذريا، حيث تتحول إلى أدوات للدفاع عن مبادئهم وشعوبهم منصرين للحياة متجندين ضد الموت. في ما يلي لقاء مع الفنانة اليمنية سبأ القوسي التي اختارت أن تكون لوحاتها رسالة ضد القتل والدمار والحرب في بلادها.

صنعاء - منذ سنوات والفنانة التشكيلية اليمنية سبأ القوسي ترسم بريشتها لوحات إبداعية تجسد واقع بلادها التي تعاني من ظروف صعبة تفاقمت كثيرا جراء الحرب المشتعلة للعام الخامس على التوالي.

وفي زمن الحرب، كان لها دور فاعل في إبراز المعاناة التي يتجرعها شعبها جراء الغارات الجوية والقصف والمواجهات.

ونشأت الميول الفنية للشابة القوسي منذ صغرها، من خلال تذوقها لكل ملامح الفنون من حولها باختلاف مجالاتها.

ومع تطور ذائقتها الفنية، شرعت في الرسم، مجسدة فيه أمنيات ملونة، ومنذ سنوات عديدة اتسع نشاطها في الفن التشكيلي، وبدأت ممارسته كحالة تعبيرية ووجدانية كلما أتيحت لها الفرصة وتوفرت الإمكانيات.

وتتميز هذه الفنانة بالحب الكبير للرسم، مع وجود الموهبة فيها، التي دفعتها لصناعة الجمال واستخدامه للتأثير الإيجابي، ونشر رسالتها للجمهور كدافع كبير حفزها على الإبداع، مع محاولة تغيير واقع حكمت عليه ظروف مجتمعية في مرحلة مرتبطة بمفاهيم مغلوطة عن العقيدة الدينية بنبذ الجمال ووضعه في خانة الممنوع والمحرم.

تقول القوسي إن “العمل الفني المعلق على جدار ما عبارة عن كتلة حيوية نفسيه وفلسفية تكسر جمود المكان وتنبض بالمعاني. كما أن الفن التشكيلي سمة من سمات التحضر ورسالة حضارية للشعوب”. وبالنظر إلى أعمالها الفنية، تسرد القوسي أنها مختلفة في دلالاتها، فيما يتفاوت إعجاب الذوق العام بها كون أغلبها مرتبطا بمراحل مختلفة تعكس الجو العام ونفسية المجتمع اليمني المتقلبة.

ومن بين أبرز لوحاتها الفنية “الساعة السليمانية” وهي لوحة تجسد امرأة يمنية تمضغ القات (نبات منشط يمضغه معظم اليمنيين لساعات) وهي بكامل أناقتها المتعارف عليها في التراث الشعبي، بلباس ذي خصوصية يمنية لها مناسبتها.

أما أبرز لوحاتها التي رسمت وقت الحرب، فقد كانت لوحة “الكفيف وحمامة السلام” والتي قالت إنها أثارت ضجة في حينها، وحظيت بانتشار واسع كونها تفضح الهجوم الذي استهدف مركزا للمكفوفين في صنعاء، حسب تعبيرها. وبينت القوسي أنه خلال الحرب أيضا، كانت لها عدة لوحات عكست فيها آثار ما وصفته بالعدوان على أطفال اليمن.

وتشير الفنانة إلى أنها دعت للسلام من خلال مضامين اللوحات ومن خلال مواساتها لأهالي الضحايا عبر تجسيد ما تعرض له أبناؤهم في أعمال فنية، مع تجسيد أرواح الذين قتلوا في لوحاتها، لإيصال رسالة بأن ثمة خلودا يعقب الألم الذي أصاب أقارب الضحايا.

وفي تقييمها لواقع بلادها الحالي فنيا، تقول إن اليمن يشهد حراكا تشكيليا فنيا متنوعا مصحوبا بكمّ نوعي من الفعاليات في معظم المدن، مشيرة إلى أنه ساهم في انبثاق هذا الحراك انفتاح الثقافات بينها نتيجة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي ربطت بين الاهتمامات بكل تفاصيلها، وأنشأت علاقة تنافسية تلقائية من خلال متابعة كل جديد.

وتواصل بالقول “لن ننسى شعور الإنسان اليمني تجاه وطنه المكلوم الذي أيقظ روح المسؤولية لدى الفنان الذي يحاول تغيير واقعه بمواجهة مشكلاته وتداعياتها”.

وفي ما يتعلق بواقع المرأة اليمنية حاليا، تذكر القوسي أن إسهامات المرأة اليمنية مازالت محصورة في إطار شكلي، وكأنه يبدو كإسقاط واجب أمام المجتمع الدولي أكثر منه محاولة إثبات إيمان المجتمع بدور المرأة وبقدراتها وأدوارها المفترضة، واستخدام معطيات شكلية تبين تخطي المجتمع للنظرة الدونية لها من خلال إقحامها  “الشكلي” في ميادين العمل الحكومي والخاص بمختلف مسمياته وتخصصاته.

وتتابع “أثبتت المرأة اليمنية عبر التاريخ حضورها بكرامة وإباء وقوة رغم ما كبلت به من قيود مجتمعية استحدثها تأثر المجتمع بحركات فكرية وسياسية وعقائدية معروفة”.

وتقول إن المرأة في بلادها تجاوزت جميع مشكلاتها، “وهي متمسكة بمبادئها وتقاليدها دون تفريط في قيمها النبيلة”.

وحول طموحاتها الشخصية أفادت بأنها مازالت تطمح في إتمام تعليمها ودراستها للغة الألمانية في ألمانيا نفسها، مضيفة “يحدوني الأمل في ذلك.. فرغم الظروف السيئة التي تمر بها البلاد وضعف الإمكانيات إلا أنني أواصل مسيرتي الإبداعية ورسالتي الإنسانية التي ستترك إرثا خالدا ومساهمة مخلصة في مسيرة بناء الدولة اليمنية المنشودة مع غيري من الحالمين والطامحين إلى الوصول إليها”.

وفي سياق آمالها لبلدها، تقول القوسي “أتمنى أن ترمم إرادتنا ما أتلفته الحرب في نفسي وفي بلدي وما أفسده الصراع البيني من حياة. مثلي كثر يحملون الهم اليمني على عواتقهم ويسعون إلى تحسين بيئتنا الجمالية والثقافية والحضارية”.

وتختتم القوسي حديثها بإيصال رسالتها للقارئ قائلة “إن الإنسان يصنع حاضره ومستقبله… فعليك أن تكون إيجابيا في محيطك ومعطاء لبلدك. عامرا لها لا مخربا، إضافة لها لا عالة عليها. صانع واقع جميل وكريم لها”.

14