قطر تكرّر خطاب التحالف مع إيران بعد عامين من مزاعم القرصنة

الدوحة – أعادت قطر صياغة مفردات موقفها من إيران ردّا على قمم مكة بنفس معطيات الخبر “المقرصن” الذي بثته وكالة الأنباء القطرية قبل عامين وأدّى إلى حملة المقاطعة العربية لها، فهي تتصرف بمثابة محام يدافع عن مصالح إيران ويعارض أي تشدد معها حتى لو كان من دول مجلس التعاون الخليجي الذي يفترض أن قطر ملتزمة بقراراته.
وأعلنت الدوحة بشكل مفاجئ تحفظها بشأن بيانات قمم مكة المكرمة، بدعوى أنه لم تتم استشارتها في الصياغة “التصعيدية” ضد إيران، وحثت على الاستجابة لمبادرة إيران في “عدم الاعتداء”.
وعكس الموقف القطري تناقضات كثيرة، ليس فقط لكونه جاء عكس ما كانت قطر تسعى إليه من وراء إرسال رئيس وزرائها إلى مكة المكرمة في محاولة لتحقيق “اختراق” في أزمة بلاده مع جيرانها، وحين فشلت في ذلك تم افتعال أزمة تصعيدية تحت مسوغ البيانات لا تلزم قطر.
والأهم أن قطر وجدت نفسها تعيد نفس الكلام الذي قالت في السابق إنه غير صحيح، وزعمت أن “هاكر” سيطر على وكالتها الرسمية وقام بتمريره.
وأعاد وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الأحد، تأكيد المبررات التي بنت عليها دول المقاطعة موقفها من علاقات خارجية للدوحة على حساب الأمن القومي لدول مجلس التعاون، أي وضع العلاقة مع إيران قبل مصالح مجلس التعاون ودوله.
وأعلن وزير الخارجية القطري، الأحد، أنّ بلاده تحفّظت على بياني القمتين الخليجية والعربية اللتين عقدتا في مكة المكرمة لأنّهما أُعدّتا مسبقا و”لم يتم التشاور حولهما”.
كما قال إنّ “بيان القمة الخليجية تحدّث عن خليج موحّد”، متسائلا “أين هو هذا الخليج الموحّد في ظل استمرار حصار قطر؟”.
وأضاف أنّ البيانين “تبنّيا سياسة واشنطن تجاه إيران، وهي سياسة لا تأخذ الجوار الخليجي معها بعين الاعتبار، بل تدين إيران دون الإشارة إلى سياسة وسطية للتحدّث معها”.
وعبرت مصادر سياسية خليجية عن استغرابها من موقف الوزير القطري بشأن الحوار مع إيران وكأن السعودية أو الإمارات هي من هاجمت السفن وإمدادات النفط وليس إيران.
وقالت إن الشيخ محمد بن عبدالرحمن ترك المسوغات التي دعت إلى عقد سلسلة قمم خليجية وعربية وإسلامية في مكة المكرمة، وتمسك بمناقشة جزئية الحوار مع إيران والاستجابة لفكرتها عن إبرام اتفاقية عدم الاعتداء المتبادل بين دول المنطقة، في وقت قامت السلطات الإيرانية، بشكل مباشر أو عبر أذرع محلية، بهجمات على أمن الملاحة ما استدعى تحركا دوليا لردعها.
وعكست المقابلات المختلفة التي أجراها وزير الخارجية القطرية (سواء مع وسائل إعلام تابعة للدوحة أو روسيا اليوم) رغبة في الدفاع عن إيران، وإفشال مساع إقليمية ودولية جادة لوقفها عند حدها ومنعها من تهديد أمن الملاحة، فضلا عن محاولة إرباك أي تحرك خليجي أو عربي جماعي لمجرد أن قطر ليست طرفا فاعلا فيه.
وقال الوزير القطري إنه “لا يوجد تصور عربي مشترك تجاه إيران”، وإن “مبادرة عدم الاعتداء التي أعلن عنها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تستحق النظر والدراسة والتجاوب وتحديد المخاوف التي تشكلها إيران لمعالجتها مع طهران بشكل مباشر”.
وسخرت السعودية والإمارات العربية المتحدة، الاثنين، من رفض قطر لمقررات قمتي مكة اللتين عقدتا، الخميس والجمعة، على خلفية التوترات الإقليمية مع إيران.
وفي تغريدة الاثنين، ردّ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على موقف الدوحة قائلا “الدول التي تملك قرارها عندما تشارك في المؤتمرات والاجتماعات تعلن مواقفها وتحفظاتها في إطار الاجتماعات ووفق الأعراف المتبعة، وليس بعد انتهاء الاجتماعات!”.
من جهته، اتهم وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش الدوحة بأنها “ضعيفة” بمواجهة “ضغوط” لم يحدد مصدرها.
وأكد الوزير “يبدو لي أن الحضور والاتفاق في الاجتماعات ومن ثم التراجع عمّا تمّ الاتفاق عليه يعود إما إلى الضغوط على الضعاف فاقدي السيادة وإما النوايا غير الصافية وإما غياب المصداقية، وقد تكون العوامل هذه مجتمعة”.
وتساءل مراقبون كيف يمكن إصدار موقف من حدث دولي كبير شارك فيه رئيس الوزراء القطري الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني، وهو الشخصية الثانية في قطر، بعد يومين من انتهاء القمم وعودة المسؤول القطري إلى بلاده؟
ويعطي هذا التناقض تفسيرات في غير صالح رئيس الوزراء القطري الذي يبدو هنا مغلوبا على أمره، إذ من الواضح أنه طلب منه أن يحضر وأن يلازم الصمت وأن يتهرب من إلقاء كلمته، وأن ثمة جهة نافذة في الدوحة أو خارجها هي من تتولى تقييم المشاركة وتوظيفها.
وبات واضحا أن قرار قطر ليس في يدها، وأن الارتهان لإيران وتركيا والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين بات هو معيار المواقف القطرية واتجاهها في وقت كانت أوساط دبلوماسية مختلفة تراهن على أن رئيس الوزراء القطري سيستغل الدعوة البروتوكولية للمشاركة في القمم الثلاث لتبريد الخلاف مع السعودية، وإظهار رغبة في الخروج من العزلة وتطويق الأزمة الاقتصادية الآخذة في التمدد، عبر أشكال مختلفة بدءا بمعانقة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز عند استقباله له، على غرار الرؤساء الآخرين للوفود المشاركة في القمم الثلاث.
ورأى دبلوماسيون أن تصرف رئيس الوزراء القطري خلال اللقاء كان تحت تأثير الخوف من ردة فعل أخرى غير ردة فعل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، والمقصود ردة فعل أخرى في الدوحة أو خارجها قد تقرأ معانقة الملك سلمان على أنها تراجع أو اعتراف بالفشل أو إدانة للدوحة بدل أن تكون موقفا معبرا عن أخلاق الخليجيين وتقاليدهم.
كما سخر نشطاء على مواقع التواصل من حديث وزير الخارجية القطري عن أن المسؤولين في الوفد لم يتمعنوا في بيانَيْ قمتي مجلس التعاون الخليجي والقمة العربية، لتبرير التراجع في الموقف.
واعتبر النشطاء أن هذا التبرير يسيء لقطر أكثر مما يمكن أن يتخذ خشبة للتراجع، لافتين إلى أن رئيس الوفد في القمم والمناسبات الكبرى ليس هو من يقرأ مسودة البيانات الختامية ويؤشر بالموافقة من عدمها، وأن هناك فرقا متخصصة بالصياغة والتعديل وفق توجه كل دولة ومصالحها وحساباتها.
إقرأ أيضاً: المسؤولون القطريون يعولون على الإعلام الخارجي بعد تراجع تأثير القنوات القطرية