قطر تستقطب شخصيات سياسية لإرباك المشهد السوداني

قطر تشعر أنها باتت خارج مدار اللعبة السودانية بعد الإطاحة بنظام الرئيس عمر حسن البشير، وهي تحاول اليوم العودة من بعيد، من خلال محاولات دؤوبة لاختراق تحالف قوى الحرية والتغيير، خاصة بعد إدراكها بأنه لا سبيل لكسب ود المجلس العسكري.
الخرطوم – أثارت زيارة ساطع الحاج، رئيس الحزب الناصري، والقيادي بقوى الحرية والتغيير إلى الدوحة جدلا في الأوساط السودانية، التي صنفت هذه الزيارة في خانة المساعي القطرية لاختراق تحالف الحرية والتغيير، وتوظيف ما يضمه من طيف سياسي ومهني واسع في استقطاب بعض عناصره، بما يمنع صعود قوة سودانية مناوئة لمصالحها في المنطقة. وتأتي هذه الخطوة بعد أن فشلت الدوحة في الرهان على تطويع المجلس العسكري وجذب قيادته الحالية نحوها.
وجاءت زيارة ساطع الحاج تحت مبرر المشاركة في ندوة علمية بعنوان “الثورة السودانية.. تحديات الانتقال وإعادة البناء”، شاركها فيها أحمد أبوشوك أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة قطر، وادريس سليمان الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي (الإسلامي)، والناشطة السياسية ناهد محمد الحس، ومحمد عصمت يحيى القيادي في الحرية والتغيير، بالأقمار الصناعية من الخرطوم.
لكن النقاش كشف أن الأمر يتجاوز حدود الحوار بشأن تحديات المرحلة الانتقالية في السودان، حيث عكست الندوة التي نظمها صلاح الدين الزين رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لقناة الجزيرة، موقفا حادا من المجلس العسكري، ورصد المتابعون تصعيدا مبالغا فيه حيال تنفيذ جميع مطالب الحرية والتغيير.
واعتبر المراقبون أن هذه الندوة بما دار فيها من حديث تساهم في حالة التعقيد وتأزم الأمور في السودان، وتنظيمها في مثل هذا الوقت ومشاركة قيادي من قوى التغيير فيها يعتبران بمثابة صب للمزيد من الزيت على النيران لحرق الترتيبات الجادة بشأن التفاهم حول الحكم خلال المرحلة الانتقالية.
وأوضح الكاتب والصحافي السوداني خالد التيجاني، أن زيارة ساطع الحاج للدوحة ترتبط مباشرة بما تسعى إليه قطر من رغبة في تنويع علاقاتها مع القوى السياسية داخل السودان، لكنه “من الصعب اتخاذها دليلا كافيا على إحرازها تقدما كبيرا في توطيد العلاقة مع قوى الحرية والتغيير”.
وأضاف لـ”العرب” أن قطر خسرت كثيرا بعد سقوط البشير، وتسعى إلى التماسك والتعامل مع الوضع الجديد في السودان وتقليل خسائرها، وتعي صعوبة أن يكون هناك إقصاء تام لأي من القوى السياسية الموجودة، وتحاول تطوير علاقاتها لتدعم تنظيم الإخوان.
وتبدو القوى المنخرطة في تحالف المعتصمين أمام وزارة الدفاع بالخرطوم متماسكة وثابتة على مواقفها الوطنية، وتسير في اتجاه التصميم على دولة مدنية ديمقراطية، وهو ما يتقبله المجلس العسكري ويقر بتطبيقه، مع تحفظ بسيط ينبه إلى ضرورة مراعاة العراقيل التي تضعها قوى جعلت نجاح ثورة السودانيين في كفة، وحضور الإسلاميين في كفة مقابلة.
وأكدت الأحداث الأخيرة أن الكفة الثانية خاسرة لا محالة، وهو ما دفع الدوحة إلى السعي حثيثا نحو جذب وإغراء شخصيات سياسية لتبني رؤيتها في استعادة الخرطوم إلى صفها والتأثير على مستقبل السودان، الذي قررت قيادته التحلل من محور قطر وتركيا، والانحياز إلى الدول التي تقف بالمرصاد للتنظيمات المتطرفة.
وقال هاني رسلان، الخبير في الشؤون السودانية، إن قطر تحاول أن تدخل إلى الساحة السودانية من الأبواب الخلفية، بعد إدراكها أن قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، لن يحققا ما تهدف إليه، خاصة في الشق المرتبط بمشاركة تيار الإسلام السياسي في السلطة عقب سقوط الرئيس عمر حسن البشير.
وأشار في تصريحات لـ “العرب” إلى أن توجيه الدعوات لبعض السياسيين السودانيين، تحت غطاء الندوات السياسية أو الثقافية، حيلة مكشوفة، وهي أحد مداخل الدوحة لإقناع التيارات الفاعلة في تحالف الحرية والتغيير بإقامة حوار غير مباشر معها، على أمل أن يحدث ذلك ثغرة أو شقاقا سياسيا في الشارع، يسمح بحضور مستقبلي لتنظيم الإخوان المسلمين.
ولفت رسلان إلى أن الدوحة تجيد لعبة استقطاب الشخصيات والقوى السياسية عبر شخصيات إخوانية تحظي بقبول سياسي وإعلامي قوي لديها، بما يجعلها قادرة على التحرك خلفها بدرجة عالية من المرونة. غير أن قوى الحرية والتغيير تدرك المراوغات القطرية جيدا، ما جعلها تتبرأ فيها من أي علاقة أو حوار مع الدوحة في الفترة الحالية.
ويفيد قطر في هذه المرحلة أن تتواصل حالة الاستعصاء في السودان، بعد أن خسرت دوائر مهمة في الخرطوم كانت داعمة لتوجهاتها سابقا، وتسعى الآن إلى محاولة شراء شخصيات مؤثرة بأي ثمن، أملا في أن تجد لها مكانا في سودان ما بعد مرحلة التغيير الذي نجحت قيادته الراهنة في إبعاده مبكرا عن تجاذبات الدوحة وأهدافها.
وأوضح التيجاني أن قطر تحاول إثبات حضورها السياسي من خلال بعض الشخصيات التي من الممكن أن تلعب أدوارا تخدم مصالحها؛ فيما أشار متابعون إلى أن استقطاب الشخصيات السياسية ليس سوى حلقة في سلسلة محاولات الدوحة التي تراهن أيضا على التعجيل بإجراء انتخابات مبكرة في السودان كخيار للخروج من المأزق الحالي، ويمكن أن تصب نتائجها في صالح الحركة الإسلامية، باعتبارها القوة الأكثر تنظيما حتى الآن.
لكن، تتغافل الدوحة عن حقيقة التطورات على الأرض، وترفض الاعتراف بأن حكم جماعة الإخوان انتهى، كما أن تجربة عمر البشير تجعل الشيء الوحيد تقريبا الذي يتفق عليه أغلب السودانيين هو رفض هيمنة الحركة الإسلامية ومنع عودة ذراعها السياسية حزب المؤتمر الوطني، وتجفيف جميع مؤسسات الدولة من العناصر التابعة له.