هل تستخدم روسيا والصين إيران لمشاغلة الولايات المتحدة

خلق الانشغال الأميركي في التصدي للتهديدات الإيرانية مؤخرا متنفسا لكل من الصين وروسيا اللتين التقطتا بسرعة الإشارات واندفعتا بكل ثقلهما إلى المساهمة في تأجيج الأوضاع من خلال الدعم المباشر وغير المباشر للقادة الإيرانيين خاصة المتشددين منهم حيال واشنطن. ويخدم التصعيد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط بدرجة أولى أجندات كل من بكين وموسكو التي لم تعد من أولويات واشنطن بعد أن كانت أهمها.
واشنطن - يرى خبراء أن تصاعد التوتر مع إيران يهدد بتقويض استراتيجية وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الرامية إلى التركيز على “المنافسة كقوة عظمى” والتصدي لروسيا والصين، في الوقت الذي توجه فيه باتريك شاناهان القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي إلى آسيا الثلاثاء لإلقاء خطاب عن السياسات الرئيسية تجاه المنطقة.
ووضعت الولايات المتحدة في يناير 2018 الصين وروسيا في قلب استراتيجية جديدة للدفاع، مغيرة أولوياتها بعد أكثر من 15 عاما من التركيز على مكافحة التشدد الإسلامي.
وطلب شاناهان في اليوم الأول لتوليه منصب القائم بأعمال وزير الدفاع من القادة بالجيش الأميركي التركيز على “الصين ثم الصين ثم الصين”، لكن تصاعد التوترات مع إيران في الشهر الماضي يمكن أن يضعف هذا التركيز.
وأشار الجيش الأميركي إلى ما يعتبره تهديدا بهجوم محتمل من جانب إيران لدى نشره قوات إضافية بالمئات في المنطقة بالإضافة إلى صواريخ باتريوت وقاذفات والتعجيل بتحريك مجموعة قتالية تضم حاملة طائرات.
وأعلنت الولايات المتحدة الجمعة نشر 1500 جندي في الشرق الأوسط ووصفت ذلك بأنه يأتي في إطار جهود لتعزيز الدفاعات في مواجهة إيران، في حين اتهمت الحرس الثوري الإيراني، الذي صنفته منظمة ارهابية، بالمسؤولية المباشرة عن هجمات على ناقلات نفط قبالة الإمارات هذا الشهر. ويعد نشر هذه القوات تحركا ضئيلا بالمقارنة مع نحو 70 ألف جندي أميركي متمركزين في مختلف أرجاء الشرق الأوسط وأفغانستان ولم يكن نشرهم كافيا لتغيير استراتيجية البنتاغون، لكن استمرار التوترات لفترة طويلة من شأنه التسبب في انتكاسة لهذه الاستراتيجية.
وقالت مارا كارلن المسؤولة السابقة بالبنتاغون والتي تعمل حاليا لدى معهد بروكينجز “الطريقة المثلى لوأد استراتيجية الدفاع القومي وتركيزها على المنافسة على المدى الطويل والاستعداد لاحتمال نشوب صراع مع الصين وروسيا هي بدء حرب أخرى في الشرق الأوسط”.
وأضافت كارلن أن الحرب مع إيران ليست وحدها التي ستصرف أنظار وزارة الدفاع عن استراتيجيتها بل إن التخطيط ذاته يمكن أن يستنزف الموارد.
وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى إن قيادة البنتاغون تستهلك الوقت في مناقشة مسألة ما يمكن أن يعنيه نشوب صراع على نطاق واسع مع إيران بالنسبة للتركيز على الصين وروسيا.
وأضاف المسؤول أن الأمل هو أن تكون إجراءات الردع التي يتخذها البنتاغون، بإرسال طائرات وسفن إلى المنطقة، كافية لتجنب صراع كبير مع إيران. وقال إبراهام دنمارك النائب السابق لمساعد وزير الدفاع لشؤون شرق آسيا إن حلفاء الولايات المتحدة في آسيا بالإضافة إلى الصين يتعاملون بحساسية شديدة مع درجة تركيز الولايات المتحدة على منطقتهم.
وأضاف دنمارك الذي يعمل حاليا في مركز وودرو ويلسون للدراسات “إنهم يراقبون عن كثب كلامنا واستثماراتنا ونشرنا للقوات في أي منطقة خارج آسيا، يترقبون ويثيرون الشكوك حول استدامة الالتزام الأميركي تجاه آسيا”.
ومن المتوقع أن يعرض شاناهان، خلال منتدى شانجاري-لا الدفاعي السنوي المقام في سنغافورة في وقت لاحق هذا الأسبوع، رؤيته الخاصة بمنطقة آسيا والمحيط الهادي مع التركيز بصفة خاصة على الصين وما يقوم به البنتاغون على وجه الخصوص لتنفيذ استراتيجيته الدفاعية في المنطقة.
وسيأتي الخطاب المرتقب في وقت توترت فيه العلاقات بين الصين والولايات المتحدة المنخرطتين في سلسلة من النزاعات من أبرزها حرب تجارية واسعة النطاق وتناحر على النفوذ العسكري في المنطقة.
ونفذت الولايات المتحدة في الشهر الماضي وحده عمليتين في بحر الصين الجنوبي وعملية عبور من مضيق تايوان وهي خطوات أثارت غضب الصين.
وقال مسؤول دفاعي أميركي بارز إن خطاب شاناهان في سنغافورة سيؤكد على استمرارية الالتزام الأميركي تجاه المنطقة. وأضاف المسؤول “هناك الكثير من الأمور التي يتعين علينا كقوة عالمية التعامل معها، لكن هذه الرحلة تتعلق نوعا ما بإظهار كيف ينفذ التزامنا تجاه آسيا والتأكيد عليه”.
ومن المقرر أن يزور شاناهان كذلك، في أول زيارة يقوم بها لآسيا كقائم بأعمال وزير الدفاع، إندونيسيا وكوريا الجنوبية واليابان.
ومن المتوقع أن يجتمع شاناهان، الرئيس التنفيذي السابق لشركة بوينغ والذي يعتزم الرئيس دونالد ترامب ترشيحه رسميا لمنصب وزير الدفاع، مع نظيره الصيني في سنغافورة.
وقال المسؤول إن البنتاغون سيصدر كذلك تقريرا جديدا عن الاستراتيجية العسكرية الأميركية للمنطقة يلقي الضوء على المجالات التي ستستثمر فيها الولايات المتحدة وتقيم تحالفات في المنطقة.
وقال البريدج كولبي الذي يقود تطوير البنتاغون لاستراتيجية الدفاع القومي “الصين يمكنها تغيير العالم، لا نتحمل الخسارة في آسيا، آسيا هي جوهرة التاج”.
وتابع كولبي الذي يعمل حاليا لدى مركز الأمن الأميركي الجديد “لذلك يتعين علينا البقاء في الشرق الأوسط، لكن يتعين خفض الحرارة وتقليص الطلبات”.