"معرض الكتاب الإماراتي" يبحث عن بدايات التدوين في البلاد

في نسخته الأولى، ناقش معرض الكتاب الإماراتي، تاريخ الحركة الأدبية في دولة الإمارات، وأهم المحطات التاريخية التي شكّلت حركة الأدب المحلي وقادت إلى نهضته الممتدة منذ سنوات طويلة.
الأربعاء 2019/05/29
مثقفون إماراتيون: إبداعنا الأدبي له تاريخ عريق

انطلقت الأحد فعاليات “معرض الكتاب الإماراتي” في دورته الأولى، وجاء المعرض توافقا مع تخصيص السادس والعشرين من مايو سنويا يوما للكاتب الإماراتي، كما يأتي ضمن احتفالات الشارقة العاصمة العالمية للكتاب 2019. وقد شهد المعرض إقبالا لافتا خاصة من الأدباء والكتاب الإماراتيين الذين ناقشوا أهم القضايا الثقافية والأدبية.

الشارقة- شهد “معرض الكتاب الإماراتي”، الذي تنظمه هيئة الشارقة للكتاب، بالتعاون مع اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بمشاركة 25 دار نشر إماراتية، فعاليات ثقافية متنوعة وعرضت خلاله آلاف العناوين للأدباء الإماراتيين منذ بدايات التجربة الإبداعية المحلية، وقد استمر المعرض على مدار ثلاثة أيام في مبنى مدينة الشارقة للنشر.

وناقش “معرض الكتاب الإماراتي” في نسخته الأولى، تاريخ الحركة الأدبية في دولة الإمارات، وأهم المحطات التاريخية التي شكّلت حركة الأدب المحلي وقادت إلى نهضته الممتدة منذ سنوات طويلة، وحتى اليوم.

حضور المبدع

استضافت الندوة الحوارية التي انتظمت تحت عنوان “تاريخ الحركة الأدبية في الإمارات”، كلّا من رئيس مجلس أمناء مكتبة محمد بن راشد الأديب محمد المرّ، ورئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الكاتب حبيب الصايغ، ومدير أكاديمية الشعر في أبوظبي الباحث الإماراتي سلطان العميمي، وأدارتها الشاعرة شيخة المطيري، وقد نوقش خلالها أهم ما يميّز الأدب الإماراتي والمنعطفات التي مرّ بها تاريخيا، ودور الصحافة والإعلام في مواكبة الكاتب ومنجزاته وإيصالها للقارئ.

إيمان اليوسف: الجميل في الأدب هو أنك لا تستطيع أن تقدم تجربة فريدة بمعزل عما قدم من قبلك
إيمان اليوسف: الجميل في الأدب هو أنك لا تستطيع أن تقدم تجربة فريدة بمعزل عما قدم من قبلك

وقال المرّ “في البداية لم يشهد الواقع الثقافي المحلي أي حراك يسعى إلى الترويج للكتاب بل كانت المؤلفات والقصائد والمشاريع الأدبية تنطلق من الصفحات الثقافية في الصحف المحلية -مثل الاتحاد والخليج والبيان وغيرها من اليوميات- التي لها الفضل في أن تقدم للجمهور هذه الإنتاجات، لكن الوضع الآن اختلف، فبات هناك الكثير من المنابر التي تنقل الأصوات الأدبيّة وتقدمها للجمهور ناهيك عن تنوّع دور النشر الحكومية والخاصة، ما ساهم بفائدة كبيرة عمّت الأدباء وجمهور الثقافة بشكل عام”.

وحول دور اتحاد الكتاب والأدباء الإماراتيين والعرب وما يقدمه للكاتب والمبدع المحلي، قال الصايغ “نقوم اليوم في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بدور أكبر، وهو العمل على الاتحاد العربي وتوسعة رقعة حضور المبدع المحلي، كوننا نقود اتحاد العرب، ونحن نعمل مباشرة لصالح الكاتب الإماراتي في أعوام استحقاق كبيرة في الدولة، ونعيش فترة نجاح خاصة في ظل هذا المعرض، حيث لم يتجمع كتّاب الإمارات يوما تحت سقف واحد سوى هذه الليلة، وهذا أمر يبشر بالخير”.

من جانبه أشار سلطان العميمي إلى أن بدايات التدوين الأدبي في الدولة لا يمكن حصرها بمعزل عن العودة إلى مؤلفات أبناء الإمارات، مشيرا إلى دور الرحالة شهاب الدين أحمد بن ماجد، في التأريخ لتلك الفترة التي تعود إلى القرن الخامس عشر للميلاد.

وتابع العميمي “لقد عثر الباحث الفرنسي جبرائيل فران في العام 1912 على مخطوطتين عربيتين في المكتبة الوطنية بباريس حملت الأولى عنوان (الفوائد في أصول علم النحو والقواعد لأحمد بن ماجد) وضمت مجموعة من القصائد، وبعد عشر سنوات عثر على نسخة مماثلة للمخطوطة السابقة في المكتبة الظاهرية بدمشق ثم ظهرت نسخة ثالثة في مكتبة الأستاذ علي التاجر في البحرين ثم رابعة في الكويت في مكتبة الشيخ عبدالله خلف وأخرى خامسة في مكتبة البودليان في أكسفورد البريطانية وكل هذا مذكور في مقدمة الكتاب الذي حققه الأستاذ حسن صالح شهاب”.

وأضاف “هذا المؤلف المهم الذي انتهى ابن ماجد من كتابته حوالي العام 1490 ميلادي يضعنا أمام تساؤل حول تاريخ التدوين أو بداياته في دولة الإمارات، حيث إن الظروف الاجتماعية والسياسية والبيئية التي عاشتها المنطقة والدولة، حالت دون العثور على مدونات ومخطوطات لأبناء المنطقة ولو لم تصلنا نسخ من مؤلفات ابن ماجد لفقدنا أعماله تماما، وبلا شك إن تاريخ التدوين في الدولة مرهون بما وصلنا من مخطوطات ونوادر نقيس من خلالها ذلك الزمن، فتلك المؤلفات دلّت أيضا على ابن ماجد الشاعر والباحث والعالم، ما يضعنا أمام كنوز ثقافية وإنسانية”.

الرواية الإماراتية

تناولت جلسة استثنائية جمعت ثلاث مبدعات إماراتيات، ضمن فعاليات معرض الكتاب الإماراتي، التجربة الروائية النسوية الإماراتية ودورها، وتاريخها، وعلاقتها بغيرها من الأجناس الأدبية. وتحت عنوان “الرواية الإماراتية الآن”، استعرضت المشاركات النماذج الإبداعية للرواية المحلية وتأثيرها على مسيرة الكتابة بتجلياتها وأبعادها.

واستضافت الجلسة، التي أدارها الكاتب محمد أبوعرب، كلّا من الروائيات: إيمان اليوسف، وصالحة عبيد، ونادية النجار، اللواتي تحدثن عن تجاربهن في الكتابة، وتاريخ الرواية المحلية ودورها في إثراء المشهد الثقافي الإماراتي.

الندوتان ناقشتا تاريخ الأدب الإماراتي وأهم ما يميزه وأدب المرأة الإماراتية ومنجزها في الكتابة بين الرواية والقصة 

كما تحدثن عما يشغل الكاتب وينطلق به لإتمام مشروعه الإبداعي سواء كان قضية أم فكرة، ومناقشة صورة المرأة وانعكاس حضورها في المجتمع على مكانتها ودورها في مجال الأدب.

واستهلت إيمان اليوسف، صاحبة المجموعة القصصية “الطائر في حوض الأسماك”، ورواية “حارس الشمس”، حديثها بالإشارة إلى أنه لا يمكن أن تقوم تجربة أدبية إبداعية بمعزل عن سابقتها، في إجابة عن سؤال يتمحور حول ما إذا كانت التجربة المحلية تراكمية أم أن الأصوات الإبداعية النسوية الحالية هي التي تقود المشهد.

وتابعت اليوسف “لا يمكن القول إن التجربة المحلية تراكمية، كما لا يمكن القول إنها غير ذلك، ما نكتبه اليوم كتب سابقا، الجميل في الأدب هو أنك لا تستطيع أن تقدم تجربة فريدة بمعزل عما قدم من قبلك، لكن في كل الأحوال والأشكال الإبداعية والأجناس فإن الكاتب يقدم تجربته الذاتية، ويكتب ذاته، ويعبر عن كينونته، فالعالم هو سرد للحكايات، وكلنا نعيش في قصة”.

وفي ما يتعلق بارتباط القصة بالرواية والعكس، لفتت اليوسف إلى أن القصة والرواية كلّ واحدة لها عالمها الخاص، وقالت “الرواية لها رهبة؛ عوالم متداخلة، شخصيات، حبكات مكثفة. القصة مختلفة؛ فهي ومضة سريعة من الحكاية، سرد مكثف وسريع يخلو من الإطالة والعوالم المتداخلة، والكثير يعتقد أن كتابة القصة أمر هيّن، بل هو على العكس تماما فهو يحمل تحديات أكبر من كتابة الرواية، وأنا أكتب لأسأل، وأكتب لأسمع نفسي”.

صالحة عبيد: الفكرة هي التي تقود الكاتب إلى جنس العمل
صالحة عبيد: الفكرة هي التي تقود الكاتب إلى جنس العمل

من جهتها، أشارت صالحة عبيد، صاحبة رواية “لعلها مزحة”، ومجموعة قصصية “خصلة بيضاء بشكل ضمني”، وغيرها، إلى وجود نماذج روائية إماراتية رائدة مستشهدة بالمجموعة القصصية التي صدرت للكاتب عبدالله صقر في العام 1971، وقالت إن “هذه المجموعة عبّرت عن صوت مرحلة، وعن تاريخها، ومكانها، ولا يمكن لي أنا ككاتبة أن أتجاوزه، على العكس أنا أبني على ما قدّم لي، وأستفيد منه، وأوظفه كيفما استطعت، ودوري هو أن أجعل القارئ يرى من خلال ما أكتبه الواقع الذي أعيش فيه وأطمح إلى أن أجعله يلمس الزمان الذي عشته”.

وعلى صعيد ارتباطات القصة والرواية، قالت عبيد إن الفكرة هي التي تقود الكاتب إلى جنس العمل، إذ يجب النظر إلى القصة باعتبارها جنسا إبداعيا منفصلا عن الرواية.

وعمّا يشغل الكاتب حتى ينطلق بمشروعه الأدبي، والأدوات التي يمتلكها، قالت عبيد “القضية التي تشغل الكاتب في هذا الوقت هي مسألة البتر، فصله عن واقعه الذي كان يعيش به سواء في البحر أو على الساحل ونقله إلى المدينة الحديثة، هذا عامل مهم يجب الانتباه له، إلى جانب التنوع والتداخل الذي حصل في الدولة، ويمكننا أن نقول إنه يشغل الكاتب ليبني عليه موضوعه”.

من جانبها، أشارت الروائية نادية النجار، صاحبة روايتي “مدائن اللهفة” و”ثلاثية الدال”، والعديد من الأعمال الأخرى الموجهة للأطفال، إلى أن التجربة الروائية في الإمارات رائدة، لافتة إلى أن رواية “شاهيندا” التي قدمت في العام 1971 واحدة من الأعمال البارزة والتي تدل على هذا الواقع المتطور والثري.

وتابعت “أسعى في كتابة مشروعي الخاص إلى أن أستند على كل ما كتب، ودائما ما أسأل نفسي: أين موقعي في المشهد الثقافي وما هو الدور الذي يجب عليّ أن أقدمه لأخدم هذا الواقع وأثريه؟”.

وفي إجابتها على من يخدم الثاني القصة أم الرواية، قالت “هناك فكرة مغلوطة عن أن الكاتب عليه أن يبدأ من القصة ليصل إلى الرواية، هذا أمر غير صحيح، القصة تختلف تماما عن الرواية، سواء على صعيد الشخصيات أو الحبكة وغيرها، ولا بد أن يمتلك الكاتب أدواته للعمل على مشروعه الخاص، وأرى أن الكاتب الجيد ينطلق في منجزه الأدبي من الإنسان ويصل به إلى الإنسان”.

16