قانون للجمعيات الأهلية بمصر يرضي كل الأطراف عدا المنظمات الأجنبية

حقوقيون يخشون أن تكون التسهيلات الممنوحة للمنظمات الحقوقية والأهلية في القانون الجديد خطوة مقصودة من الحكومة لإظهار المرونة على الورق واستمرار المضايقات في الواقع.
الاثنين 2019/05/20
لا يضمن الحرية المطلقة

رحاب عليوة

 القاهرة - يستعد مجلس النواب المصري خلال الأيام القليلة المقبلة لمناقشة مشروع قانون جديد للجمعيات الأهلية، بعد انتهاء الحكومة من إقراره أخيرا، في خطوة توحي باستعداد النظام لتحسين مستوى التعامل مع القضايا الحقوقية التي هي محل اعتراض الكثير من المنظمات الدولية، وتخفيف حدة الانتقادات الموجّهة للحكومة في ما يتعلق بالتضييق على الحريات.

ويحظى القانون الجديد بدعم دوائر سياسية عديدة، وأعدته الحكومة بالتشاور مع ممثلي المجتمع المدني والأهلي لأول مرة، استجابة لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، ما يعني أن البرلمان سيمرره بالأغلبية المطلقة من دون خلاف أو إجراء تعديلات على نصوصه، بحكم التناغم الحاصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وترغب الحكومة في تمرير القانون الجديد في أقرب وقت ممكن، قبل حلول موعد المراجعة الدورية لمصر أمام مؤتمر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف في سبتمبر المقبل، حيث كان قانون الجمعيات الأهلية رقم 70 لعام 2017 محل انتقاد واسع لها.

وتدرك القاهرة أن استمرار النبش في قضايا المجتمع المدني يعرضها لخسائر على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، ويمكن أن يكون سببا لتشويه التحركات الإيجابية التي تقوم بها على المستويين الإقليمي والدولي، وربما يؤدي مع الوقت إلى إحراج حكومات غربية ترى في الحكومة المصرية شريكا مهمّا في مكافحة الإرهاب وصمام أمان في مجال الهجرة غير الشرعية.

أكدت مواد مشروع قانون الجمعيات الأهلية، محل النقاش، أن النظام المصري حسم أمره ليكون دور المنظمات الحقوقية والأهلية اجتماعيا وليس سياسيا، كي لا يتحول المجتمع المدني إلى قناة بديلة للأحزاب السياسية.

وتشير أكثر نصوص القانون إلى أن الحكومة قررت إرضاء كل الأطراف إلا المنظمات الأجنبية، حيث استمرت القيود المفروضة على التمويل الأجنبي، بعدما تمسكت بوضع قواعد صارمة في القانون الجديد على وصول المساعدات من الخارج إلى المنظمات والجمعيات في الداخل، ويحتاج الأمر لموافقة الجهة المختصة في وزارة التضامن أو رفضها دون إبداء أسباب، وغير ذلك يعتبر مخالفة تستوجب المساءلة القانونية.

وقررت الحكومة، مقابل الدور المجتمعي والتنموي، إعفاء العقارات المبنية للجمعية من جميع الضرائب العقارية والجمركية والرسوم الأخرى المفروضة على ما تستورده من آلات وأجهزة ولوازم إنتاج وسيارات.

وبررت غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي، هذه الخطوة بأن المرحلة الحالية “تحتاج إلى فلسفة جديدة تقوم على إتاحة فرص للمشاركة في تأسيس الجمعيات الأهلية، وفتح المجال العام أمام المؤسسات القائمة بالفعل لمزيد من العمل، فضلا عن تشجيع قيم التطوع وحماية المتطوعين”.

ورأت الحكومة أن إعادة الملايين من الدولارات التي خرجت من مصر وكانت مخصصة لمجالات تنموية مختلفة بفعل انسحاب المنظمات الحقوقية وجهات التمويل من البلاد، لن يتحقق سوى بإصدار قانون يقنعها بالعمل مرة أخرى داخل البلاد.

حافظ أبوسعدة: القانون حرّر الجمعيات من سطوة السلطة التنفيذية لكن ذلك لا يضمن الحرية المطلقة

وقال جورج إسحاق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن القانون الجديد رسخ مبدأ تأسيس الجمعيات الأهلية بالإخطار، ما يسهل التوسع في إنشائها، بعكس القانون رقم 70 الذي تقرر إلغاؤه، حيث كان يفرض على المؤسسات انتظار موافقة أو رفض الجهة التنفيذية.

وأضاف لـ”العرب”، أن أهم إنجاز تحقق هو إلغاء العقوبات السالبة للحريات، وحبس المخالفين، والاكتفاء بالغرامة المالية فقط، بعدما كان القانون القديم أقر مدد سجن تصل إلى 5 سنوات لأصحاب الجمعيات التي تعمل دون ترخيص.

وتقرر خفض رسوم القيد عند إنشاء الجمعية الأهلية، من 580 دولارا إلى 60 دولارا، وإلغاء الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية، وهو جهة ابتدعها القانون المجمّد، وتتشكل من ممثلين عن المخابرات العامة ووزارات الداخلية والعدل والتضامن والخارجية، فضلا عن الجهاز المركزي للمحاسبات (أعلى جهاز رقابي حكومي).

وتعمدت الحكومة عند إعداد القانون الجديد الاستعانة بتجارب وقوانين دولية في تنظيم العمل الأهلي لتأكيد حسن نواياها، وتحصين نفسها من اتهامات مستقبلية تطالها بشأن التضييق على المنظمات الحقوقية والأهلية، وتوصيل رسائل بأنها مهتمة بتصحيح المسار لتجنب الانتقادات.

ويخشى حقوقيون أن تكون التسهيلات الممنوحة للمنظمات الحقوقية والأهلية في القانون الجديد خطوة مقصودة من الحكومة لإظهار المرونة على الورق فقط واستمرار المضايقات في الواقع العملي، حتى إذا تعرضت لانتقادات لاحقة ترد بالنفي وإظهار الوثائق (النصوص القانونية) التي تدعم صحة موقفها.

ويستند هؤلاء على ترويج النظام المصري لوجود حرية رأي غير مسبوقة بدليل عدم وجود نصوص قانونية سالبة للحريات، في حين أن الواقع يعكس تصاعد التضييق، وبالتالي ربما تكتفي الحكومة بإصدار قانون للمنظمات الحقوقية على الطراز الأوروبي، لكنها لن تسمح سوى بتنفيذ المواد التي تتوافق مع سياستها.

وترى الحكومة أن الحديث حول الحقوق والحريات بمفهومها الغربي، “نوع من الرفاهية”، وفي بلد مثل مصر، تعاني الفقر وتحتاج إلى تحسين ملفات الصحة والتعليم، ثمة ما هو أولى من الحريات السياسية.

وأكد جورج إسحاق لـ”العرب”، أن وضع حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية والأهلية في مصر يتجاوز قضية القانون، ويرتبط بالإرادة السياسية، ويحتاج الملف إلى طفرات، ونية صادقة من أجل التغيير إلى الأفضل وليس مجرد نصوص ورقية.

ويعزز تلك المخاوف أن مشروع القانون الجديد نص على ضرورة تقديم صحيفة جنائية لمؤسسي وأعضاء الجمعيات والمنظمات الأهلية، كضمانة لعدم توظيف المساعدات في مساندة ودعم تنظيمات متطرفة تحت غطاء العمل الأهلي.

وقدمت الحكومة أدلة تؤكد تغذية جمعيات أهلية تابعة لجماعة الإخوان لتنظيمات مسلحة، وتقرر غلق وتجميد أصول وأموال 500 جمعية إخوانية بتهمة دعم الإرهاب وتمويل المسلحين.

وأوضح حافظ أبوسعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن تصنيف العمل التطوعي وفق صحيفة الحالة الجنائية خطأ، “لأننا نتحدث عن تقديم مساعدة تطوعية ومن المفترض أن نمنح المواطنين حق المشاركة فيها دون تفرقة”.

وأضاف لـ”العرب”، أن الميزة الأهم في القانون الجديد أنه حرر الجمعيات الأهلية من سطوة الجهات التنفيذية، فلم يعد هناك شرط الموافقة كتابيا قبل فتح المنظمة فروع لها في الداخل أو الخارج، لكن ذلك لا يعني تماما أن المنظمات تعمل في جو من الحرية المطلقة، فهناك جهات رقابية تمارس دورها بطرق مختلفة.

2