الاعتداءات على المسلمين في سريلانكا تتجاوز الانتقام وتأخذ أبعادا سياسية

كولمبو - أقدمت مجموعة معادية للمسلمين في سريلانكا على إضرام النار في مصنع شمالي العاصمة كولمبو الأربعاء، لتتواصل أعمال العنف ضد المسلمين عقب هجمات استهدفت المسيحيين في عيد الفصح الشهر الماضي، فيما أشار كاردينال العاصمة إلى وجود دوافع سياسية وراء الاعتداءات.
وهاجمت المجموعة المتطرفة المصنع الذي يملكه مسلمون، وعمدت إلى تدمير بعض محتوياته ثم أضرمت فيه النار، فيما أدان رئيس أساقفة العاصمة الكاردينال مالكولم رانجيت الهجمات المتصاعدة ضد المسلمين في جميع أنحاء البلاد، داعيا جميع فئات المجتمع الدينية والعرقية للتوحد.
وشدد رانجيت على ضرورة إيقاف الهجمات ضد المسلمين في أقرب وقت، داعيا المسلمين والمسيحيين والبوذيين والهندوس “للاتحاد وللتعايش معا لبناء سريلانكا الجديدة”.
وأشار إلى أن الهجمات ضد المسلمين مرتبطة بجهات سياسية، ودعا السياسيين لتجنب هذه الأعمال المخالفة للقوانين.
ورأى المعلق السياسي فيكتور آيفان أن أعمال العنف كانت مدبرة. وقال إن “المعارضة تشعر بأن بإمكانها تحقيق مكاسب وسط عدم الاستقرار فيما الحكومة تبدو ضعيفة”. وأضاف “هناك أدلة على أن شخصيات سياسية من مستويات أدنى تقوم بالتحريض على أعمال العنف الأهلية”.
وتابع “المؤسسة السياسية -ومنها المعارضة- فشلت في إثبات قدرتها على القيادة واستعادة الثقة بعد هجمات 21 أبريل التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية”.
وأعلنت الحكومة السريلانكية الثلاثاء فرض حظر التجول لليلة الثانية على التوالي في أعقاب مقتل رجل مسلم خلال أعمال شغب ضد مسلمين جاءت بعد هجمات عيد الفصح الإرهابية التي أودت بحياة 258 شخصا. وهناك مخاوف بين المسلمين في البلاد من أن الحظر قد يؤجج التوتر في الدولة متعددة الأعراق والديانات، لكنّ مسؤولي الحكومة قالوا إن الحظر سيساعد قوات الأمن على التعرّف على الأشخاص، فيما تتعقب أي متشددين متبقين وأفراد شبكات الدعم لهم في أنحاء البلاد.
واندلعت أعمال العنف في ساعة متأخرة الإثنين بعد ثلاثة أسابيع على تفجيرات انتحارية، حيث أحرقت محلات وقام نحو ألفي شخص بتخريب مسجد، وفق شهود، ما دفع الشرطة إلى فرض حظر التجول في كافة أنحاء البلاد لليلة الثانية على التوالي في مسعى لوقف أعمال العنف.
وكان حظر التجول مطبقا طوال اليوم في الإقليم الشمالي الغربي حيث قالت الشرطة إن رجلا مسلما يبلغ من العمر 45 عاما، قتل في ورشة النجارة التي يملكها في ساعة متأخرة الإثنين على أيدي حشد غاضب كان عدد من أفراده يحملون السيوف.
وجرت مراسم جنازة فضل الأمين الثلاثاء في مقبرة في ناتنديا وسط إجراءات أمنية مشددة. وانتشر عدد من رجال الشرطة والجيش المدججين بالسلاح خلال المراسم التي شارك فيها قرابة 100 شخص. وقالت الشرطة الثلاثاء إن 13 شخصا اعتقلوا، بينهم اميث ويراسنغه، وهو من الغالبية السنهالية البوذية والذي كان موقوفا بسبب دوره في أعمال شغب في مارس العام الماضي.
وفي أماكن أخرى من الإقليم الشمالي الغربي الواقع في شمال كولمبو أحرقت حشود غاضبة، فاق عدد أفرادها أعداد رجال الشرطة وقوات الأمن، محلات يملكها مسلمون وتعدت على منازل وحطمت نوافذ وأثاثا ومحتويات داخل العديد من المساجد.
وفي منطقة غامباها المجاورة قام رجال يقودون دراجات نارية بإضرام النار في أماكن في بلدة مينوانغودا (45 كلم شمال كولومبو).
وقال صاحب متجر للسلع الإلكترونية لوكالة فرانس برس “بدأ رجال على متن دراجات نارية أعمال العنف. كانوا من خارج البلدة”، مضيفا “ثم قاموا بتحطيم متاجر للمسلمين وألقوا عبوات حارقة، وانضم إليهم سكان”.
وأكد أن رجال الشرطة وقوات الأمن كانوا على ما يبدو مرتبكين، وعندما أطلقوا النار في الهواء لتفريق مثيري الشغب كانت عدة متاجر قد خربت أو نهبت. وتم تدمير مصنع مكرونة يملكه مسلم بعد أن قام مهاجمون، لم تحدد هويتهم، بإلقاء إطارات مشتعلة داخل المصنع، ما حوله إلى رماد.
وقال مالك المصنع أشرف جيفثي إن “رجال الشرطة وقوات الأمن لم يفعلوا شيئا لإخماد النيران، ثلاثة من عمالي المسلمين أصيبوا بجروح لدى محاولتهم الهرب من المصنع المشتعل”.
وحسب ما قال رجال دين من المنطقة، في الإقليم الشمالي الغربي استهدف مهاجمون بشكل منهجي مساجد ليومين. وفي بلدة كينياما تم تحطيم مسجدين فيما وقف رجال الشرطة والأمن الذين كانوا أقل عددا، متفرجين.
وفي رسالة إلى الأمة مساء الاثنين أعلن رئيس الوزراء رانيل ويكريميسينغي أن الاضطرابات تعيق التحقيق في الاعتداءات التي استهدفت ثلاث كنائس كاثوليكية وثلاثة فنادق.
وتأتي أعمال الشغب خلال شهر رمضان، حيث يمثل المسلمون نحو 10 بالمئة من سكان الدولة التي تدين بالبوذية في غالبيتها فيما يمثل المسيحيون نحو 7.6 بالمئة من السكان.
ولا تزال حالة الطوارئ التي أعلنت بعد هجمات عيد الفصح مطبقة، ومنحت قوات الأمن صلاحيات واسعة لتوقيف المشتبه بهم. وكثفت السلطات في أنحاء البلاد من الإجراءات الأمنية كما جرى حظر مجموعتين إسلاميتين تنشطان في البلاد، للاشتباه في صلتهما بالتفجيرات.
وتشتبه السلطات في أن أعضاء جماعتين محليتين لا يعرف الكثير عنهما، وهما جماعة التوحيد الوطنية وجمعية ملة إبراهيم، نفذوا الهجمات، على الرغم من أن تنظيم الدولة الإسلامية أعلن مسؤوليته عنها.
ووفقا للتعداد السكاني لعام 2012، من إجمالي سكان سريلانكا البالغ عددهم نحو 22 مليونا، 70 بالمئة من البوذيين و12.6 بالمئة من الهندوس و9.7 بالمئة من المسلمين و7.6 بالمئة من المسيحيين.