صراع على المناصب يعجّل بتفجير التحالف السني الأكبر في العراق

بغداد - تلقّى التمثيل السنّي في العملية السياسية بالعراق ضربة جديدة من شأنها أن تكرّس ضعفه وارتباكه القائم أصلا بفعل ضعف رموزه وغرقهم في صراعات هامشية على المناصب والمكاسب المادّية واكتفائهم بدور تجميلي لحكم الأحزاب الشيعية الموالي أغلبها لإيران.
ولم تكتمل بعد السّنة الأولى منذ الإعلان عن تحالف سياسي تحت مسمّى “المحور الوطني” ليشكّل أكبر كتلة سُنيّة في البرلمان العراقي، حتى انشطر إلى جزئين بخروج “تحالف القوى العراقية” عنه، في أول احتكاك بين أقطابه بسبب خلاف على الفوز بمنصب محافظ محافظة نينوى بشمال البلاد.
وجاء انقسام التحالف بعد ساعات من قرار إلغاء عضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي تمهيدا لمفاتحة الكتل السياسية من أجل انتخاب رئيس جديد للبرلمان.
وعلى إثر ذلك انسحب 32 نائبا سنيا من تحالف المحور الوطني وشكلوا تحت زعامة الحلبوسي “تحالف القوى العراقية” بـ33 عضوا، بينما بقي النواب الـ17 الآخرون ضمن المحور بزعامة رجل الأعمال خميس الخنجر.
وكشفت العملية مجدّدا عن هشاشة التحالفات السياسية في العراق، وسهولة نثرها وإعادة تركيبها كون العملية مصلحية محضة ولا علاقة لها بالأفكار والسياسات والبرامج.
وبسرعة كبيرة تحوّل “الحلفاء” المنضوون ضمن المحور الوطني إلى أعداء مطلقين يتراشقون بأخطر التهم التي لا تستثني تهمة الإرهاب، غافلين عن كون تهمة من هذا العيار تشملهم هم أنفسهم إذ تعني أنّهم كانوا متحالفين مع “إرهابيين” حسب توصيفهم.
وقال المساندون للحلبوسي في صراعه ضدّ خميس الخنجر إنّهم مجمعون “على ضرورة حل تحالف المحور الوطني واستبعاد الخنجر من أي تشكيل سياسي سني بسبب إساءته وتشويهه لسمعة المكون وتورطه بصفقات تمويل الإرهاب وصفقات السمسرة في بيع وشراء منصب محافظ نينوى”. وطالبوا القوى السياسية والكتل البرلمانية بعدم التعامل معه “حفاظا على سمعتهم بين جمهورهم”.
وتعليقا على تلك التطورات، قال عضو تحالف القوى العراقية رعد الدهلكي لوكالة الأناضول إنّ “التحالف الذي شكل حديثا هو الذي يمثل جميع المحافظات المحررة من سيطرة داعش الإرهابي، ويتولى نقل معاناتهم إلى قبة البرلمان لإيجاد الحلول”.
واعتبر الدهلكي “الاعتراضات على رئيس البرلمان الذي يؤدي واجبه بشكل طبيعي ذات أجندات سياسية تتعلق بصفقات الفساد عبر المتاجرة بالمناصب”.
وتصاعدت حدة الاتهامات بالفساد بين جناحي التحالف السُنّي على مدى الأسابيع الماضية على خلفية دعم مرشحين محددين لتولي منصب محافظ نينوى. إذ اتهم كل طرف الطرف الآخر بدفع مبالغ مالية كرشاوى لأعضاء في مجلس المحافظة للتصويت لصالح مرشحه.
وفي المقابل قال عضو تحالف المحور الوطني أحمد الجبوري إنّ “جميع النواب أحرار في اختيار شركائهم السياسيين”، في إشارة إلى انسحاب الحلبوسي و32 آخرين من التحالف.
وأوضح الجبوري أنّ “الاتهامات الموجهة من الطرف الآخر بشأن الفساد غير مقبولة، ونحن نقول إن من يريد الخروج من تحالف المحور هذا قراره وله حرية اتخاذه”.
وكان تحالف المحور الوطني قبل انشطاره إلى قسمين يعتبر التحالف السُني الأكبر في البرلمان العراقي بـ50 مقعدا من أصل 329 مقعدا.
سرعان ما يتحول المنتمون إلى التحالفات المصلحية إلى أعداء يتراشقون بأخطر التهم التي لا تستثني تهمة الإرهاب
وكثيرا ما توجّه الاتهامات للشخصيات السياسية السنية المشاركة في العملية السياسية التي انطلقت سنة 2003 في العراق على أنقاض حكم حزب البعث، بالانصراف عن خدمة مكوّنهم إلى تحقيق مصالحهم الشخصية والاكتفاء بدور ثانوي ومكمّل قياسا بدور الأحزاب الشيعية المتحكّمة فعليا بمقاليد السلطة.
وعلى هذه الخلفية ما تفتأ شعبية تلك الشخصيات تسجّل تراجعا مستمرّا الأمر الذي يدفعها بشكل متزايد للتقرّب من الأحزاب الشيعية ورموزها حفاظا على حصة في السلطة.
ومثّلت حرب داعش التي دارت بشكل رئيسي في مناطق السنّة بالعراق وخلّفت بها أضرارا كارثية، محكّا أخيرا لاختبار كفاءة القيادات السياسية السنوية في خدمة مكوّنهم وحمايته من المخاطر، وهو الاخبار الذي فشلت فيه تلك القيادات فشلا ذريعا، بينما نجحت طيلة السنوات التي تلت الغزو الأميركي للبلاد في تحقيق الكثير من المنافع الشخصية والمكاسب المادية.
ويعتبر كلّ من محمّد الحلبوسي رئيس البرلمان وخميس الخنجر من الأسماء الجديدة التي حاولت ملء الفراغ وتقديم نفسها كزاعمة سنيّة.
وقد ساند تحالف الفتح الممثّل السياسي للحشد الشعبي والذي يجمع صقور الموالاة لإيران الحلبوسي في الحصول على منصب رئيس البرلمان، ولا يزال يدعمه للحفاظ عليه.
أمّا خميس الخنجر فطالما توجّهت إليه الانتقادات لضعف خلفيته السياسية وتعويله بشكل أساسي على ثروته في محاولته لعب دور سياسي في العراق من دون أن يكون له مشروع حقيقي ومختلف، وأنّ ثروته الضخمة هي مدار فعله السياسي وأنّ غايته لا تتعدّى المشاركة في العملية السياسية المعيبة التي تقودها الأحزاب الشيعية الموالية لإيران والظفر بالحصّة المخصّصة للمكوّن السني في السلطة، وهي حصّة مضبوطة بحدود ومقيدة بدور لا يمكن تجاوزه.