مكاتب الموظفين مصدر دائم للتلوث

باريس – يدخل الموظفون إلى مكاتبهم وهم يعتقدون أنهم تخلصوا من خطر التلوث بمجرد الابتعاد عن استنشاق الغازات المنبعثة من عوادم السيارات في طريقهم إلى العمل، لكن ما توصلت إليه نتائج دراسة جديدة يؤكد أن المكتب بدوره لا يخلو من مسببات التلوث ومن الجزيئات السامة المتناثرة في الهواء.
ونقلا عن صحيفة لوموند الفرنسية، تقول إيزابيل فاربوس، طبيبة البيولوجيا الوراثية والجزيئية والمؤسسة المشاركة لمؤسسة “هابيتا هيلث انفارنتمن” في بورد، “هناك حاجة ملحة إلى تنظيف بيئات العمل لدينا”.
وركزت الباحثة أثناء حديثها في مؤتمر نظمته رابطة مديري بيئة العمل (آرساغ) حول معرض فضاء العمل، على المواد الضارة التي يصادفها الموظفون يوميا في أماكن عملهم. وأوضحت أن الموظفين يواجهون يوميا جزيئات خطيرة في العديد من منتجات التنظيف والسجاد والطابعات.
وأكدت فاربوس أن مادة الفورمالديهايد التي تستخدم في منتجات التنظيف أدرجتها الوكالة الدولية لأبحاث السرطان ضمن المواد المسرطنة. وكشفت أن مادة الفثالات التي توجد على أرضية المكاتب أحيانا قد تتسبب في الإصابة باضطرابات الغدد الصماء، علاوة على الجسيمات الدقيقة المنبعثة من أجهزة الكمبيوتر وآلات النسخ والتي تسهم في تهيج الشعب الهوائية.وكان علماء من النرويج قد توصلوا إلى أن استنشاق مواد التنظيف الكيميائية، يزيد من خطر الإصابة بأمراض الرئتين. وأجرى علماء جامعة بيرغن النرويجية دراسة طويلة الأمد، شارك فيها 6236 شخصا، يبلغ متوسط أعمارهم 34 سنة، لمراقبة حالة الجهاز التنفسي لديهم خلال 20 عاما.
الباحثة الفرنسية إيزابيل فاربوس: مادة الفثالات الموجودة على أرضية المكاتب قد تتسبب في الإصابة باضطرابات الغدد الصماء
وتبين أن حجم عمليات الشهيق والزفير اللاإرادية بعد استخدام مواد التنظيف الكيميائية، انخفض في الثانية الأولى وبلغ 3.6 ملليلتر.
وأثبت العلماء من خلال هذه الدراسة، أن الخطر الناجم عن استخدام المواد الكيميائية يوازي الخطر الذي يتعرض له المدخنون خلال 20 سنة.
ويتراجع أداء الرئتين، خاصة لدى عاملات التنظيف، بسبب تهيّج الغشاء المخاطي لجهاز التنفس، بعد استنشاق المواد السامة التي تطلقها المنظفات، مما يؤدي إلى الإصابة بأمراض الرئة كالربو وغيره.
وتراكم هذه المواد والاتصال معها بشكل يومي يجعلانها تشكل خطرا جسيما على الصحة، “الموظف سوف يتنفس هذه الجزيئات لمدة عشر سنوات”، وتقول الباحثة الفرنسية إن هذه الآثاره الضارة على الصحة لم تكن معروفة حتى وقت قريب.
كما أظهرت دراسة سابقة أن تعرض العمال والموظفين لمستويات مرتفعة من التلوث يؤثر سلبا على إنتاجيتهم. الدراسة أجراها باحثون من جامعة سنغافورة الوطنية ونشروا نتائجها في العدد الأخير لدورية “أميركان إيكونوميك جورنال: أبلايد إيكونوميكس”.
ولكشف العلاقة بين التلوث والإنتاجية، أجرى الفريق دراسة استمرت عاما، بالتعاون مع علماء اقتصاد في الجامعة، وشملت 12 شركة ومصنعا في 4 مقاطعات بالصين.
وقام الفريق بحساب إنتاجية العمال، بالتزامن مع قياس مستويات تعرضهم لجسيمات هوائية دقيقة يقل قطرها عن 2.5 ميكرومتر.
وتنبعث الجسيمات الدقيقة المحمولة جوا في الغالب من المصانع وعوادم السيارات وأفران الحطب والتدخين، ويمكن أن تستقر في الرئة مع استنشاقها، وتنتقل إلى مجرى الدم، وتزيد فرص الإصابة بأمراض القلب والشرايين وأمراض الرئة.
علماء من النرويج توصلوا إلى أن استنشاق مواد التنظيف الكيميائية، يزيد من خطر الإصابة بأمراض الرئتين
ووجد الفريق أن متوسط الجسيمات الدقيقة في أحد المواقع بلغ حوالي 7 أضعاف الحد الآمن الذي حددته وكالة حماية البيئة الأميركية، عند 85 ميكروغراما لكل متر مكعب.
كما وجد أن العمال في هذا الموقع تنخفض إنتاجيتهم بنحو 6 بالمئة مقارنة بنظرائهم في مواقع أخرى.
وقال البروفيسور ألبرتو سالفو قائد فريق البحث “معظمنا على دراية بالتأثير السلبي لتلوث الهواء الذي يمكن أن يحدث على الصحة، لكن هدف الدراسة هو توسيع نطاق فهم تلوث الهواء بطرق لم يتم استكشافها من قبل”.
وأضاف أن “الشركات عادة تستفيد من القوانين المتراخية التي لا تكافح التلوث بشكل صارم، عن طريق التوفير في أجهزة التحكم في الانبعاثات وما شابه، وهنا نؤكد أن من يفعلون ذلك ستتأثر إنتاجية عملهم بالسلب”.
وبحسب تقرير صدر عن البنك الدولي في 2016، يتسبب تلوث الهواء في وفاة شخص من بين كل 10 أشخاص حول العالم، ما يجعله رابع أكبر عامل خطر دوليا، واﻷكبر في الدول الفقيرة حيث يتسبب في 93 بالمئة من الوفيات أو اﻷمراض غير المميتة.