رسالة مؤسس "العرب": دعونا ننحاز للمستقبل

مؤسسة "العرب" مدينة اليوم في تطورها، وفي المكانة التي تحتلها، في الساحة الإعلامية العربية والدولية، لجهود تلامذة أفضل ما ميزهم هو التواضع والالتزام بنهج أسس له الحاج الهوني عام 1977، وما زال مستمرا إلى اليوم.
الخميس 2019/04/18
أحمد الصالحين الهوني

اليوم تحل الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الحاج أحمد الصالحين الهوني، مؤسس صحيفة “العرب”، وقبل كل شيء، الوالد.. والد كل الذين عملوا إلى جانبه، في الصحيفة على مدار عقود ثلاثة.

لن أكون مبالغا إن قلت إن روحه الطاهرة مازالت ترافقنا في عملنا اليومي، رغم مرور الأعوام الـ13 على الرحيل.

أجدني اليوم مضطرا إلى التساؤل: هل كان الحاج أحمد الصالحين الهوني ليرضى عما يجري في العالم العربي من أحداث ساخنة؟ هل كان ليتمسك بالسلاح الذي طالما تمسك به.. التفاؤل والثقة بالمستقبل، أم، كما الكثير اليوم، ما كان له إلا أن يكون متشائما؟

هل يحق لي أن أجيب نيابة عنه، وأمسك القلم بأصابع مرتجفة، لأكتب نيابة عنه؟

الجامع بين رؤيتينا، هو التفاؤل، والإيمان بالمستقبل، والأهم الإيمان بالشعوب العربية، خاصة الشباب.

كان الحاج يحترم كبار السن، ويقدر حكمتهم، ولكنه كان يرى أن المستقبل في عهدة الشباب.

ماذا فعل الشباب العربي خلال 13 عاما، لينال ثقة الحاج؟ فعل الكثير، فعل ما لم تفعله أجيال متلاحقة من الشيوخ.. فجر الأرض، براكين، وهزات، وزلازل. فعل كل ذلك بسلاح يحترمه الحاج الهوني، وكثيرا ما دافع عنه، وكان سباقا في استخدامه، والإنحياز له.. إنه الإعلام، الإعلام الذي تحرر من كل السلطات، ومن كل القيود، واستحال ماردا لا تمكن السيطرة عليه، بعد أن وفرت له وسائل الاتصال الاجتماعي والإنترنت منصة لإيصال صوته إلى العالم.

لم يكن الحاج مجرد وزير للإعلام في ليبيا، قبل أن يغادرها مضطرا، بل كان راعيا للفن، وراعيا للإعلاميين. ورعايته هذه لم تشمل إعلاميي ليبيا، وفنانيها فحسب، بل طالت أيضا إعلاميين وفنانين في مصر، ولبنان، والسودان، وسوريا، ودول المغرب والخليج.

اتسع اهتمامه وتنوع، ليشمل الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.. إلا أنه لم يتشبث يوما بشعارات جوفاء، كان قوميا ببعد إنساني، لم ينسه حبه للقومية العربية الأقليات على اختلافها، ولم يبعده ورعه عن أبناء الديانات والطوائف الأخرى.. رعايته لم تستثن أحدا.

كان أفضل تجسيد لشعار “الدين لله والوطن للجميع”.. فتحولت “العرب” تحت إشرافه إلى وطن للجميع، ومدرسة للتسامح. الجنسيات العربية جميعها التقت في “العرب” ومطبوعاتها.

ربيع إعلامي، ومدرسة تخرج منها الكثيرون.. وليس أدل على ذلك من أن من يقود سفينة المؤسسة اليوم هم من تلامذة “العرب”.

العباءة اتسعت للجميع، كما اتسع القلب للجميع.. كان الحاج ليبتهج لو رأى البذرة التي بذرها أنبتت ثمرا، نال الإعجاب.

مؤسسة “العرب” مدينة اليوم في تطورها، وفي المكانة التي تحتلها، في الساحة الإعلامية العربية والدولية، لجهود تلامذة أفضل ما ميزهم هو التواضع والالتزام بنهج أسس له الحاج الهوني عام 1977، وما زال مستمرا إلى اليوم.

ولكن، كيف يمكن للحاج أن يتفاءل، والوطن العربي الذي أحب يتفكك ويعاني، والربيع الذي أنبته الشباب، سرق وشوه وجفت أزهاره.. الربيع العربي، الذي شهد ولادته الأولى في تونس، البلد الذي اختاره للاستقرار آخر سنين عمره، ومنحه جنسيته، وكان فخورا بها، واعتبرها وساما علق على صدره.

ثماني سنوات مرت على الحدث، الذي أثار من الجدل ما أثار، ومن الصراعات والدمار الذي لم ينج منه بلد، وكانت حصيلته مئات الآلاف من القتلى والجرحى، وملايين المهجرين.

إنها الولادة، مهما بلغت آلامها، ومهما بلغ الثمن، يجب تقبلها، ليس المهم كم خسرنا، ولكن المهم أن نحول الخسارة، في النهاية، إلى ربح.

بصيرة الحاج الهوني، ما كان لها أن تقف على ما يظهر على السطح، بل كانت لتغوص في أعماق الحدث وتحلله، وتعي أن القادم أفضل، وأن المستقبل مشرق، وأن ما يحدث اليوم في الجزائر، والسودان، وليبيا، وما حدث في مصر، والعراق، وسوريا، واليمن، هو الثمن الذي يجب أن ندفعه لنعبد طريق الحرية، والتسامح، والعدل، والرخاء الاقتصادي.

لو كان الحاج الهوني بيننا اليوم، ما كان له إلا أن ينحاز لخيار الشباب والمستقبل كما يرونه. دعونا ننحاز جميعا للمستقبل، دعونا نحرق سفن الهجرة، ونبني دولا يستطيع فيها الشباب تحقيق أحلامه وطموحاته.

هذه هي رسالة مؤسس “العرب”، التي تحرص المؤسسة، بجميع العاملين فيها، على صونها.

شكرا لجميع العاملين في الصحيفة بإصداراتها وبمواقعها الإلكترونية، شكرا لجيش من النبلاء، المتفوقين منهم، وأصحاب القدرات المحدودة، ولكل من ساهم ويساهم في نقل الرسالة.

شكرا لكل إعلامي نبيل ساهم بغرس وردة في ربيع التسامح العربي.

7