ليبيا.. من يقف في وجه طوفان الكرامة

كل من يعادون مشروع الدولة ويناهضون مؤسساتها، ويستفيدون من حالة الفوضى والانفلات الأمني والإفلات من العقاب، يقفون اليوم مع السراج في مواجهة الجيش الوطني، وضد إرادة الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الليبي.
الخميس 2019/04/11
من يقف في وجه الجيش اليوم

عملية “طوفان الكرامة” التي أطلقها الجيش الليبي قبل أسبوع من الآن، لتحرير العاصمة من براثن الميليشيات ودواعش المال العام وسلطة الأمر الواقع وتطهيرها من بقايا الإرهاب، كشفت بشكل واضح طبيعة التحالفات القائمة ضد استرجاع مؤسسات الدولة، وفي مواجهة أي محاولة للخروج من النفق المظلم من خلال عرقلتها الحل السياسي والمصالحة الشاملة.

المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المنبثقة عن اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015 والتي لم تحصل إلى حد الآن على تزكية البرلمان المنتخب، كان يمكن أن يكون مع الجيش لا عليه، وخاصة إذا نظرنا إلى التفاهمات الحاصلة بين رئيسه فايز السراج والقائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر، وآخرها اتفاق أبوظبي حول السماح للجيش النظامي بدخول العاصمة دون قتال، لتأمين خطوات الحل السياسي، ومنها الانتخابات التي لا يمكن أن تجري تحت سلطة ميليشيات قد تنقلب بسهولة على النتائج، تماما مثلما حدث في 2014 عندما انقلبت منظومة فجر ليبيا على نتائج الانتخابات البرلمانية، ودفعت بالحكومة المنبثقة عن البرلمان المنتخب إلى الفرار إلى مدينة البيضاء في شرق البلاد، وقامت باحتلال مؤسسات الدولة في العاصمة طرابلس، وشكلت حكومة موازية هي حكومة الإنقاذ، وفرضت واقعا جديدا بتواطؤ خارجي سرعان ما أثمر اتفاقا هجينا وهو اتفاق الصخيرات الذي كان هدفه الأساس إعادة رسكلة قوى الإسلام السياسي، سواء من خلال تشكيل ما سمّي بمجلس الدولة كنظير إخواني لمجلس النواب، أو اعتماد المجلس الرئاسي كسلطة فعلية معترف بها دوليا، دون أن تحظى بشرعية الداخل.

بعد ثلاث سنوات من تمركز المجلس الرئاسي في طرابلس، لم يظهر أي بريق أمل في الخروج من الأزمة، بينما استمر الإخوان في التغلغل في مؤسسات الدولة، وتمدد نفوذ الميليشيات في العاصمة وضواحيها، واتجه كل طرف للبحث عن المخرجات التي تسمح له بالاستمرار في السلطة والنفوذ، بما يعنيه ذلك من إمعان في الفساد ونهب للمال العام والحصول على الامتيازات، لتلتقي أهداف الساسة مع أهداف الميليشيات، وليغمض كل منهما عينه عن الآخر، وحتى مجلس النواب الذي يتخذ من مدينة طبرق في شرق البلاد مقرا له، وجد بعض نوابه مصلحتهم في التواصل مع مجلس الدولة الإخواني بطرابلس للاتفاق معه على تشكيل سلطة جديدة مشتركة، هدفها الإبقاء على الواضع على ما هو عليه إلى أقصى حد ممكن.

أما فايز السراج، النائب المنتخب في 2014 عن دائرة حي الأندلس بطرابلس، والمهندس المعماري الذي لا تاريخ سياسيا له قبل 2011، فقد ذهب للمشاركة ضمن وفد البرلمان في مفاوضات الصخيرات، مثله مثل بقية المشاركين، ليلمع فجأة ويطرح اسمه في مقدمة المرشحين لقيادة المرحلة، الأمر الذي أثار استغراب المراقبين، ولكنه لم يثر استغراب محرّكي الأحداث ممن يعرفون كيف يصنعون أدواتهم لخدمة مصالحهم، ومن ذلك الجهات التي كانت تعمل على تكريس سلطة الإسلام السياسي في ليبيا عبر وجوه غير محسوبة فعليا على الإخوان أو الجماعة المقاتلة، حتى أن حلفاءه اليوم هم الذي رفضوا آنذاك تعيينه رئيسا للمجلس الرئاسي، واعتبروه تكريسا للوصاية الغربية على ليبيا.

يقف السراج اليوم قائدا عاما للميليشيات الخارجة عن القانون في مواجهة القوات المسلحة الليبية، ويظهر تحالفه مع جماعة الإخوان والجماعة المقاتلة المرتبطة بتنظيم القاعدة، ويستعين بالميليشيات الجهوية والعقائدية في مصراتة، ويبدي إعجابه بأداء ميليشيات أبوعبيدة الزاوي في مدينة الزاوية، ويمد يديه إلى فلول سرايا الدفاع عن بنغازي ومجالس شورى المجاهدين الفارة من ضربات الجيش في بنغازي ودرنة والهلال النفطي والجنوب، وإلى إبراهيم الجضران وصلاح بادي وآخرين ممن يخضعون لعقوبات من مجلس الأمن ومن وزارة الخزانة الأميركية، ويعتمد على فتاوى الصادق الغرياني.

كل من يعادون مشروع الدولة ويناهضون مؤسساتها الأمنية والعسكرية، ويستفيدون من حالة الفوضى والانفلات الأمني والإفلات من العقاب، يقفون اليوم مع السراج في مواجهة الجيش الوطني، وضد إرادة الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الليبي، تضاف إليهم  قطر راعية المشروع الإخواني في المنطقة، وشريكتها تركيا التي تنظر إلى ليبيا كجزء من مشروع الهيمنة العقائدية لرجب طيب أردوغان وكغنيمة اقتصادية وتجارية وكبوابة لأفريقيا ومصدر إزعاج لمصر، إلى جانب بريطانيا التي تمثل حاضنة الإسلام السياسي والنافذة عبرهم إلى القرار السياسي والاقتصادي في بلدانهم، وإيطاليا التي لا يزال لديها طموح لبسط نفوذها على مستعمرتها القديمة من خلال الميليشيات والإسلاميين ولصوص الثروة وأحفاد مناصريها القدامى.

وممن يناهضون تحرير طرابلس من الجماعات الإرهابية والميليشيات الخارجة عن القانون، الدولة العميقة في الجزائر التي لا تخفي عداءها للجيش الوطني الليبي، وتنظر إلى عملية “طوفان الكرامة” على أنها استغلال للوضع الحالي في البلاد، والنظام السوداني الذي كان دائما من مناصري إخوان ليبيا ومن الدافعين بالسلاح والمرتزقة ضد عملية الكرامة منذ إطلاقها في 2014، إضافة إلى قوى الإسلام السياسي وحلفائهم من المرتبطين بأجندات قطر وتركيا في تونس.

إلى وقت قريب كانت هناك مراهنات إقليمية ودولية تتنزل في مصلحة الميليشيات والإخوان في طرابلس، بعضها يصب في إمكانية إبقاء الوضع على ما هو عليه إلى حين التوصل إلى تحييد القيادة الحالية للجيش الليبي، أو إلى التجييش لقيادة حملة كبرى بهدف الاستحواذ من جديد على مواطن الثروة، أو حتى إلى الدفع نحو العودة بليبيا إلى النظام الفيدرالي، وإقناع العالم بأن الجيش الحالي هو جيش جهوي في شرق البلاد، مقابل جيش آخر في طرابلس، كان سيتشكل من الميليشيات وبقيادات عسكرية تخضع للمجلس الرئاسي الحالي، أو الدفع إلى حل سياسي لا يرى النور، ولو من خلال المؤتمر الجامع الذي كانت سينعقد في مدينة غدامس بعد أيام، فالمهم هو أن تبقى طرابلس بؤرة للإسلام السياسي في شمال أفريقيا.

بالمقابل قدمت المنطقة الشرقية نموذجا متفردا في المصالحة الشاملة، وفي استعادة مؤسسات الدولة لفرض الأمن والاستقرار بعد أن نجحت في القضاء على الإرهاب، والجيش الذي يقود اليوم عملية “طوفان الكرامة” ليس جيش برقة كما يقال، وإنما هو جيش وطني محترف يعتمد على التراتبية العسكرية والضبط والربط والانضباط الكامل، ويتكون من ضباط وضباط صف وجنود من كل قبائل ومناطق ليبيا بما في ذلك المنطقة الغربية والعاصمة طرابلس.

وإذا أردنا النظر إلى من يقفون في وجه الجيش اليوم، فسنجد أنهم ميليشيات مؤدلجة وجهوية ومرتزقة وجماعات إرهابية ومسلحون متورطون في جرائم تستوجب العقاب، وناهبون للمال العام وآخرون يحاول مزيد الاستفادة من الثروات المبدّدة، وبعض القوى الباحثة عن النفوذ والمصالح في ظل استمرار غياب الدولة.

وبنظرة خاطفة على من يقف وراءهم في الخارج، يمكننا أن نكتشف طبيعة الحرب الدائرة حاليا، بينما لا تخطئ العين بإجماع الأغلبية الساحقة من الليبيين وأغلب القوى الخارجية، على ضرورة أن يتواصل طوفان الكرامة ليجرف كل مظاهر الفوضى وليعيد للدولة الليبية سيادتها انطلاقا من عاصمتها، حتى يسود الأمن والاستقرار، ويتم التوافق على الحل السياسي، لينعم الشعب بخيرات بلاده وينطلق في معركته الأكبر، وهي معركة المصالحة والبناء وتحقيق الرقي والازدهار.

9