مقاطعة عرب إسرائيل للانتخابات.. لا للمقاعد الفارغة والصناديق المهجورة

احتلال موقع ولو بسيط، يعطي الرمزية بأن الفلسطيني ما زال هنا، ولو اكتفى بالتفرج وبعض الصراخ والاحتجاج المبحوح، ذلك أفضل ألف مرة من الغياب واللامبالاة.
الثلاثاء 2019/04/09
الحضور داخل اللعبة بدل إدانتها

الذين يدعون فلسطينيي الداخل إلى مقاطعة الانتخابات الإسرائيلية، سواء بعدم الترشح أو بعدم التصويت، هم من أولئك الذين يمضون في امتطائهم شعارات الممانعة الجوفاء عبر انتهاج سياسة الكراسي الفارغة والصناديق المهجورة.

الأجدر بعرب إسرائيل أن يبقوا على المعركة تحت قبة البرلمان، تحت أضواء الإعلام، وغير بعيدة عن الرأي العام المحلي والعالمي، عملا بالمثل الشعبي العربي “اِلْحَق الكذاب إلى خلف الباب” وإحراجا للدولة التي لطالما تباهت بديمقراطيتها المزعومة. ومن هذا المنطلق يُعد قرار المشاركة في الانتخابات خطوة جريئة وشجاعة من طرف الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية، والذين قد يفوق عددهم المليون ونصف مليون مواطن، أي حوالي 20 بالمئة من سكان إسرائيل، وهو رقم ليس بالهين على الإطلاق.

ومن مصلحة العرب داخل دولة إسرائيل أن يتمسكوا بكل حق تسمح به هوامش هذه الديمقراطية المزعومة، والتي ما تنفك تضيق وتتراجع على خلفية تصريحات اليمين ودعواته على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن “إسرائيل ليست دولة لجميع مواطنيها”، فإن قرار المحكمة الإسرائيلية العليا السماح لتحالف يضم “القائمة العربية والتجمع الوطني الديمقراطي” بخوض السباق الانتخابي، يعد صفعة لليمين الإسرائيلي بعد أن تقدمت أحزاب تنتمي إليه بطلب لشطب طرفي التحالف من السباق المذكور بحجة أنهما يدعمان “المقاومة الفلسطينية أو لا يؤمنان بيهودية الدولة”.

وفي هذا السياق يرى مطانس شحاذة، أمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي في إسرائيل، ضرورة استمرار “المعركة السياسة داخل الكنيست”. وأضاف مطانس الذي قرر خوض الانتخابات أن “خوض الانتخابات البرلمانية جزء من خدمة أبناء شعبنا وجزء من تحدي المشروع الصهيوني”.

مقاطعة الانتخابات لا تخدم إلا اليمين المتطرف داخل إسرائيل، وتزيد من عزلة الفلسطينيين في ظل أوضاع خانقة تعيشها مدنهم وقراهم. وليس أمامهم وسط هذه الظروف الصعبة إلا أن يتجندوا لمعركة وجودهم على شكل كتلة برلمانية واحدة في الداخل، وهو ما أكده نشأت الأفطش، أستاذ الإعلام في جامعة بير زيت، بقوله “اعتقد أن فلسطينيي الداخل أمام تحدي كبير، فغزة محاصرة وانتهى أمرها، والضفة الغربية ابتُلعت والآن نتحدث عن مدن محاصرة وبقيت الآن المعركة في الداخل”.

ما يريده اليمين الإسرائيلي من الفلسطينيين هو الابتعاد عن مواقع القرار والتأثير -ولو بشكل ضعيف- بهدف العزل ثم إذابتهم وابتلاعهم فلا يبقى لديهم أي صوت

إن ما يريده اليمين الإسرائيلي من الفلسطينيين هو الابتعاد عن مواقع القرار والتأثير -ولو بشكل ضعيف وخافت- وذلك بهدف العزل ثم إذابتهم وابتلاعهم فلا يبقى لديهم أي صوت، وهو، وللأسف الشديد، ما تدعو إليه بعض الجهات الفلسطينية بدافع سوء التقدير أو تجنب استخدامها كديكورات ديمقراطية تلمّع صورة إسرائيل.

ولمن يعبر عن مقاطعته التمثيل العربي في الكنيست بقوله إنه “مكياج رديء للسياسات العنصرية الإسرائيلية”، نقول له بأن هذا “المكياج” يمكن أن يساهم في تبيان الصورة الحقيقية للديمقراطية المزعومة أمام الرأي العام العالمي بدل أن يجملها، وذلك من خلال العمل على كشف زيفها بالحجة والبرهان، والقول للعالم: انظروا كم نحن صادقون في تصديقنا لهم وكم هم كاذبون ومراوغون، وغير موثوقي الجانب.

ما يسر الخاطر هو أن فلسطينيين كثيرين فهموا اللعبة وآثروا الحضور والنضال من داخل اللعبة بدل إدانتها من بعيد، خصوصا من طرف نساء مناضلات قرنوا فكرة المساواة وتحرر المرأة بحركة النضال الوطني في مفهومها الأوسع مثل المرشحة سندس صالح من قائمة الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير برئاسة أيمن عودة المتحالف مع أحمد الطيبي، والتي قالت “علينا ألا نترك الساحة البرلمانية خالية من النضال، فيها يتم سن القوانين”. وأشارت إلى أن “هناك أحزابا عربية قدمت الكثير لشعبنا… إذا قاطعنا لن نحصل سوى على عناوين بارزة في الصحف العالمية”.

المؤسف أن بعض العرب والفلسطينيين ما زالوا يعتقدون بأن مبدأ المقاطعة الكلية هو موقف وطني ونضالي في كل الأوقات والظروف، ولئن كان لهذه السياسة من أصداء إيجابية في زمن ما، فإنها اليوم لم تعد تعني إلا السلبية والهروب من تحمل المسؤوليات تحت ذرائع واهية.

لن يتوقف اليمين الإسرائيلي عن تماديه في سن القوانين العنصرية ضد العرب الفلسطينيين لينسحب هؤلاء من أي تمثيل في البرلمان أو البلديات أو غيرهما من المؤسسات، وسوف يتمادى هذا اليمين في عربدته دون أي رادع، وبذلك يكون المقاطعون والممانعون العرب قد “مدوا يد العون” إلى العنصريين الإسرائيليين، وساعدوهم على بلوغ أهدافهم دون أن يدروا.

قد لا يغير التصويت أو الترشح شيئا يذكر، وقد تستمر الأمور على حالها من قمع، لكن احتلال موقع ولو بسيط، يعطي الرمزية بأن الفلسطيني ما زال هنا، ولو اكتفى بالتفرج وبعض الصراخ والاحتجاج المبحوح، ذلك أفضل ألف مرة من الغياب واللامبالاة.

12