الاستفتاء على التعديلات الدستورية يسبق الانتخابات المحلية في مصر

القاهرة - استيقظ المصريون، السبت، على وجود الآلاف من اللافتات في شوارع القاهرة والمدن الكبرى، تدعو إلى المشاركة الإيجابية في استفتاء تعديل الدستور، وتحرّضهم مباشرة على التصويت بالموافقة، وهو ما اتخذه معارضون نشطون على مواقع التواصل الاجتماعي ذريعة للحضّ على رفض المشاركة ردا على ما اعتبروه دعاية فجّة مجهّزة مسبقا.
ورغم عدم اكتمال المراحل القانونية للتعديلات، وعدم إقرارها من جانب البرلمان حتى الآن، غير أن رجال أعمال وأعضاء في مجلس النواب وقيادات الأحزاب سارعوا إلى وضع لافتات كثيرة تدعو إلى التصويت لصالح التعديلات تحت شعار “اعمل الصح” كأن الأمرين متلازمان، مصحوبة بالعلامة التي تدل على الموافقة التلقائية في خدعة بصرية تلقائية.
ولم تكن المفاجأة في حضّ المصريين على تأييد الاستفتاء على التعديلات الدستورية، المحدد له مبدئيا أيام 21 و22 و23 أبريل الجاري، بل في تبديل الأولويات بتأخير قانون الانتخابات المحلية لصالح تقديم التعديلات الدستورية.
يقول محمد عطية، مدرس ثانوي لـ”العرب”، “كنا ننتظر تشكيل المجالس المجمدة منذ سنوات في الأحياء والمدن لمراقبة الجهات التنفيذية، والتي تمثل رئة يتنفس منها المواطنون، ثم فوجئنا بالسرعة الشديدة في تعديلات الدستور”.
لم تجر الانتخابات المحلية منذ 11 عاما في مصر، وضربت الحكومة عرض الحائط بالكثير من وعودها لوضع قانون جديد ينظمها، وجعلت الاستفتاء يتقدم على جميع الأولويات، ودخلت انتخابات المحليات وقانونها طي النسيان مرة أخرى.
وأوضح عطية لـ”العرب”، أنه ذهب إلى صناديق الاقتراع ثلاث مرات للتصويت على دساتير جديدة (الإعلان الدستوري عام 2011، واستفتاء دستور عام 2012 واستفتاء على تعديلات الدستور عام 2014)، وفي كل مرة لا يعرف سبب التعديل والتغيير، ويمني نفسه أن يحلّ ذلك مشكلات البنية التحتية المتهالكة في الحي الذي يقطن فيه، ومواجهة أزمات البطالة وارتفاع الأسعار وانتشار القمامة.
قبل أن تطفو التعديلات الدستورية على السطح، كانت أحزاب مصرية تتهيأ بالفعل لانتخابات المحليات، وعقدت ورش عمل لإعداد كوادر، وبحثت عن التحالفات المناسبة للفوز، لكن خطواتها ظلت دون قوة دفع لازمة لغياب قانون المحليات المتداول داخل البرلمان منذ عام.
وفي الوقت الذي انتظرت فيه الساحة السياسية تحريك قانون تُحدد بموجبه اختصاصات المجالس وهياكلها وتقسيم الدوائر داخل البرلمان، صعد مقترح تعديل الدستور لتصبح مصر على مشارف استفتاء على تعديلات تمنح المرأة حق التمثيل في البرلمان بنسبة 25 بالمئة، وتُجري تغيرات في المنظومة القضائية، والأهم تمدّد الفترة الرئاسية من أربع سنوات إلى ست.
ويستبعد مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، إجراء انتخابات محلية قريبا، حتى مع وجود نصوص ووعود بذلك. وقال لـ”العرب” إن “الحكومة لا تزال لديها تخوفات من نجاح المعارضة ومرشحي الإخوان والمتعاطفين معهم في المحليات”.
وأضاف “غياب القانون الذي ينظم المحليات مؤشر على أنها ليست ذات أولوية لدى الحكومة، فهي لا تريد خطوات عملية تسبب لها إزعاجا سياسيا”.
وبعد الانتهاء من استفتاء على تعديلات الدستور، سوف تبدأ البلاد في الاستعداد للانتخابات البرلمانية على غرفتي، مجلس النواب والشورى، وبالتالي يتعطل قانون المحليات.
يعوّل المصريون على انتخابات المحليات لكونها إعلان حرب على الفساد المتفشي في أركان الجهاز الإداري للدولة، ومحاولة جادة للتنفيس ومواجهة تجاوزات عديدة.
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، نوه في يناير الماضي، إلى إنهاء الفساد عبر قانون رادع وانتخابات عادلة للمحليات، وهي خطوة مهمة نحو بناء دولة حديثة وقوية يعد بها السيسي في خطاباته دائما.
وأشارت سنية محمود، ربة منزل، إلى أنه لا يهم نوع الاقتراع المعلن، وما يهمها هو أن تجد تحسنا ملموسا في الاحتياجات الأساسية لأسرتها، من سلع وتعليم وصحة وتوفير الكهرباء والغاز بأسعار مناسبة والمياه النظيفة.
وأضافت لـ”العرب”، “إذا كانت تعديلات الدستور ستحقق أحلام الشعب في دولة متحضرة وعادلة فأهلا بها، وإذا كانت انتخابات المحليات ستفعل ذلك فنحن في انتظارها، المهم أن نتخلص من الفساد الذي يسرق تعبنا وحقوق الأبناء في الحياة بصورة كريمة”.
ورفض جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة حلوان بجنوب القاهرة، التشكيك في نية إجراء انتخابات المحليات عقب الاستفتاء على تعديلات الدستور بأي حجة. وقال إن “أموال الاقتراع حاضرة دائما، وهناك منظمات عالمية جاهزة لتمويلها مثل الأمم المتحدة، والأزمة ليست في توفير الغطاء الأمني، لأن مصر تنعم باستقرار يؤهلها لإقامة الاقتراعين (الاستفتاء والمحليات) في غضون وقت قصير”.
وأكد لـ”العرب” أن التعديلات الدستورية “ليست قفزة مجهولة، بل هي ضرورة، لأنها تمهد لإجراء انتخابات المحليات، وتساعد في تقسيم الدوائر وتحديد شكل الانتخابات المقبلة”.
ولم يحسم محمد عطية وسنية محمود، أمرهما بالمشاركة في الاستفتاء على التعديلات، ويتابعان الحملات الإعلانية المؤيدة لها، وكل ما يهمهما؛ هل تسهم هذه التعديلات في خفض الأسعار وتخفيف أعباء الغلاء أم يستمر صراع البحث عن الدعم ومواجهة الأزمات الاقتصادية المتفاقمة؟