التلصص على حياة الكاتب فضيلة

جابر طاحون يؤكد أن التلصص على حياة الكاتب المفضل يصبح فضيلة لأنه يبدد الوحدة ويكشف عن جوانب من حياة الكاتب الذي يتخذه صاحبا ويشغف بالسماع منه.
السبت 2019/04/06
الوجه الآخر للكاتب (لوحة للفنان سعد يكن)

تتبدى أهمية الحوارات الصحافية مع كبار الروائيين والشعراء في ما تتيحه من كشف عن جوانب خفيّة من حياتهم وأفكارهم وأعمالهم المنشورة، وتصير فرصة ثريّة للاقتراب من العالم الخاص والحميميّ للكاتب، فيصاحبه القارئ مرة من خلال عمله وأخرى عبر ما يبوح به في حواره.

في الكتاب الصادر حديثا عن منشورات الربيع بعنوان “لعنة حياة مثيرة”، يُقدّم الكاتب والمترجم المصري جابر طاحون مجموعة من الحوارات مع كُتّاب عالميين مثل كازو إيشيجورو، وسفيتلانا ألكسيفيتش، ودون ديليلو، ومارجريت آتوود، وتشارلز سيميك، وسلمان رشدي، مُبيّنا في مقدمة الكتاب أن التلصص على حياة الكاتب المفضل يصير فضيلة لأنه يبدد الوحدة ويكشف عن جوانب من حياة الكاتب الذي يتخذه صاحبا ويشغف بالسماع منه.

الكتابة والشغف

في الحوار الذي أجراه الكاتب والناقد الأميركي جراهام سويفت في لندن مع الروائي الياباني كازو إيشيجورو الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 2017، تحدث الكاتب عن مولده في اليابان ونشأته في إنكلترا منذ الخامسة من عمره وما أتاحه ذلك من خليط ثقافي بات مؤثرا على ما يكتب لاسيّما مع اهتمامه بالكتابة عن الإمبراطورية اليابانية وتهاويها بعد الحرب العالمية الثانية، التي تحضر في روايتي “منظر شاحب للتلال” و”فنان العالم الطليق”. يقول عن ذلك الاهتمام “أنا أميل للانجذاب إلى فترة ما بعد وما قبل الحرب؛ لأني مهتم بمسألة القيم والمُثل التي كانت موجودة وتعرضت للاختبار”.

تشارلز سيميك: إذا نويت إظهار غضبك أو اكتئابك، فلن تكون قادرا على كتابة شعر جيد
تشارلز سيميك: إذا نويت إظهار غضبك أو اكتئابك، فلن تكون قادرا على كتابة شعر جيد

يتحدث إيشيجورو عن توظيف الفن في خدمة السياسة وحدود ذلك، فالكاتب والفنان برأيه له دور خاص وحاسم في المجتمع، والسؤال ليس “هل ينبغي أم لا ينبغي؟”، إنما السؤال دائما “إلى أي مدى؟” وهو ما يتغير بمرور الوقت، اعتمادا على البلد الذي يقيم به الكاتب، والفئة المجتمعية التي ينتمي إليها، لكنه يرى بشكل عام أن الروايات غير مناسبة للمواجهة في الخط الأمامي، وإنما تكمن قوتها في أن تُقرأ بعمق، على مدى طويل من قِبل أجيال لها مستقبل.

الصحافية والكاتبة البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفيتش حاورها في نيويورك جون فريمان عقب فوزها بنوبل للآداب في عام 2015، اهتمت بالكتابة عن تأثير الشيوعية واندثارها على الناس في الاتحاد السوفيتي سابقا، مستندة إلى مقابلات مع سكان الاتحاد السوفيتي.

تتحدث ألكسيفيتش في الحوار عن العوامل التي أنضجت اهتمامها بتلك الأصوات والقضايا التي ضمها كتابها “أصوات من تشرنوبل” قائلة “حصل ذلك في طفولتي المبكرة، كنت أعيش في الريف، قرية ما بعد الحرب، التي كانت ممتلئة بالنساء المضطرات للعمل بجد طوال اليوم وبعد انتهاء العمل يتسامرن، وكان الاستماع إليهن مثيرا للغاية ولافتا للانتباه، وحين التحقت بمدرسة الصحافة أدركت أن لا شيء مثيرا للاهتمام كأصوات الحياة الواقعية”.

هاري ماثيوز روائي وشاعر ومترجم أميركي، نشر له أكثر من ثلاثين عملا بين الرواية والقصة والشعر، من أعماله تولوز، سجائر، حياتي في السي أي أيه، المحادثات، الصحافي. هاري ماثيوز مولع بالتجريب، يستخدم المنهج الرياضي والتقنيات الموسيقية في بناء بعض رواياته، البعض كان يصفه بأنه يتقاطع مع كل من بيكيت وجويس وكافكا.

تحدث ماثيوز عن تأثير الشاعر الأميركي جون آشبيري عليه، وعن عاداته في الكتابة، وقراء أعماله، والفرق بين كتابته للقصيدة والرواية، وعن التجانس الموسيقي في كتاباته، وكيفية تشكُّل أفكار الروايات في ذهنه. في كتابه “حياتي في السي أي إيه” مذكرات افتراضية لحياته في باريس في فترة السبعينات، يقول عنها “أصبحت مهتما باستخدام جزء من حياتي كسيرة، حين سُئِلت عنه كان جوابي: كل ما قلته صحيح، وكل ما قلته زائف، الوقائع ليست الحقيقة، الواقع مسألة مقاربات. بالنسبة إلي غاية الكاتب أن يجعل شيئا حقيقيا يحدث فوق الورق وعلاقته بالواقع غير حقيقية”.

يسرد المسرحي الأميركي إدوارد ألبي صاحب الثمانية عشر عملا مسرحيا، وثلاث جوائز بوليتزر، في حواره مع باريس ريفيو بداية توجهه صوب الكتابة الإبداعية، فعندما كان في السادسة من عمره بدأ في كتابة الشعر لكنه توقف عن كتابته بعد عشرين عاما، ثم كانت له تجارب في كتابة الرواية اعتبرها فاشلة، ومن ثم جاء استقراره  على الكتابة المسرحية.

كُتّاب عالميون تُطاردهم "لعنة حياة مُثيرة"
كُتّاب عالميون تُطاردهم "لعنة حياة مُثيرة"

يرُد الكاتب على انتقادات بعض النقاد له بأن مسرحياته تفتقر إلى الثيمة، أو أنه يكرر الثيمة ذاتها مع كل عمل مسرحي، قائلا “أصعد إلى غرفتي، لمدة تقارب الثلاثة أو الأربعة أشهر كل سنة، وأكتب، لا أولي اهتماما كبيرا إلى مسألة ترابط الثيمة بين كل مسرحياتي. أعتقد أن هذا خطير جدا لأقوم به، لأن الواحد في المسرح واثق بنفسه، بما يكفي لئلا يخطط للمستقبل أو علاقة ثيمة كل مسرحية بالأخرى. الواحد يأمل، أن يتطور، أن يكتب بشغف، وذلك ما يجب أن أقف عنده”.

أن تكون حرا

الشاعر والروائي التشيلي روبرتو بولانيو جمع بين غريزتين أساسيتين للروائي: الانجذاب إلى الأحداث التاريخية، والرغبة في تصحيحها، للإشارة إلى الأخطاء. يوضح الكاتب في الحوار  أولوياته في الكتابة والبُعد الذاتي في أعماله، يرى أن الأدب الأميركي اللاتيني في القرن الماضي اتبع بواعث المحاكاة والتمرد، معتبرا أن هناك بلدين فقط لديهما تقاليد أدبية حقيقية تمكنا من الإفلات من هذا المصير، هما الأرجنتين والمكسيك.

ويتحدث عن الكتابة قائلا: عندما أكتب فالشيء الوحيد الذي يهمني هو الكتابة نفسها، كون الواحد كاتبا مسألة ممتعة، كلمة كتابة هي المقابل الدقيق لكلمة انتظار، وربما أكون مخطئا، ويحتمل أن تكون الكتابة شكلا آخر من الانتظار، انتظار الأشياء المتأخرة”.

في الحوار الذي أجرته إيما واتسون مع الكاتبة والشاعرة الكندية مارجريت آتوود، تتحدث الكاتبة عن أجواء كتابتها لرواية “حكاية أمة” التي حازت نجاحا وقبولا واسعا، وأصبحت علامة لهؤلاء الذين يكتبون عن التحولات في السياسات التي تهدف إلى السيطرة على النساء، خاصة أجسادهن.

تجيب آتوود على سؤال: كيف خرجت الرواية بقولها “أثناء كتابة الرواية، لم أضع فيها شيئا لم يحدث في وقت ما أو في مكان ما من قبل، كل التفاصيل لها سوابق في الحياة الحقيقية”.

ويتحدث الشاعر الأميركي من أصل صربي تشارلز سيميك في حواره الذي أجري عبر الهاتف عن بدايات كتابته للشعر وعن ذائقته الشعرية. يقول: كان أبي يلاحق شعري المبكر، وفيما كبرت كانت أمي تقوم بذلك أكثر. بدأت كتابة الشعر باللغة الإنكليزية، أعتقد أنك إن نويت إظهار غضبك أو اكتئابك، فلن تكون قادرا على كتابة شعر جيد، ولكن، أن تكون حرا أثناء الكتابة، هو مركز مسؤوليتك الحقيقية تجاه العالم، ولذلك فالحرية عمل سياسي.

هاري ماثيوز: غاية الكاتب أن يجعل شيئا حقيقيا يحدث فوق الورق وعلاقته بالواقع غير حقيقية
هاري ماثيوز: غاية الكاتب أن يجعل شيئا حقيقيا يحدث فوق الورق وعلاقته بالواقع غير حقيقية

أما الروائي البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي، والذي يُعد من أكثر الكتاب إثارة للجدل في القرن الماضي، فيقول “لقد انتظرت وقتا طويلا لأحكي، لأني أردت أن أصل إلى نقطة أكون فيها على مسافة كبيرة مما حصل حتى يمكنني الكتابة بموضوعية، لم أرغب أن تكون كتابة عاطفية عابرة. أنا شخص ملعون بالرغبة في حياة مثيرة. في النهاية، يقضي الكاتب معظم حياته في مناخ خاص جدا، في عزلة تساعده على القيام بعمله”.

وتحدث الكاتب الأميركي بول أوستر عن علاقته بالكتب، الأعمال الكلاسيكية التي يجبها، وكُتّابه المفضلين معتبرا رواية “إلى الفنار” لفيرجينا وولف واحدة من أجمل الروايات الكلاسيكية التي قرأها، فيما تركّز الحوار مع الشاعر الفرنسي إيف بونفوا على انطباعاته الأولى عن شكسبير، وبدايات توجهه نحو الترجمة له وعن أهمية النفَس الشعري في ترجمة العمل المسرحي. يقول بونفوا: الشعر يمس الناس الذين يعرفون كيف يكونون حساسين تجاه ما يتحرك في داخلهم. النَفس الشعري هو قوة روح التراجيديا.

وتطرق جورج سوندرز الذي حاز جائزة بوكر 2017 عن رواية “لينكولن في باردو” التي تتناول الحياة الشخصية للرئيس الأميركي إبراهام لينكولن بعدما فقد ابنه الصغير بيلي في بداية الحرب الأهلية، في حواره للحديث عن نظرته للكتابة وروايته المذكورة، وعن التكنولوجيا وعلاقته بها إذ يرى أن هناك موجة رفض لوسائل التواصل الاجتماعي قادمة، وسيكون هناك رد فعل كبير ضدها.

دون ديليلو أحد أهم وأعظم أصوات الرواية الأميركية لفترة تجاوز العقدين، يرفض إجراء المقابلات إلا أن نشر روايته التاسعة “برج الميزان”، التي تحكي قصة تخيلية لاغتيال جون كيندي من منظور المتهم بقتله، دفعه إلى الكلام، يتحدث في الحوار عن بواعث كتابته للرواية والوقت الذي استغرقه في كتابتها.

15