الرياض مستعدة لفك ارتباط تعاملاتها النفطية بالدولار لإجهاض مشروع نوبك

يكشف تلويح السعودية بفك ارتباط تعاملاتها النفطية مع الدولار بسبب مشروع قانون نوبك الأميركي المثير للجدل، عن أسلحتها الاحتياطية في مواجهة ضغوط الولايات المتحدة، خاصة وأن المنتجين الكبار باتوا يفكرون بنفس طريقة الرئيس دونالد ترامب، ما يعني أنّ وجها جديدا من العولمة بدأ يظهر في نشاط السوق.
الرياض - كشفت مصادر سعودية مطلعة أن بلادها تهدد ببيع النفط بعملات أخرى غير الدولار، في حال أقرّت واشنطن قانونا يجعل الدول الأعضاء بمنظمة أوبك عرضة لدعاوى قضائية لمكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة.
وعلى عكس قطر، التي قرّرت في ديسمبر الماضي، الانسحاب من أوبك خشية الوقوع تحت طائلة تشريع نوبك المثير للجدل، فإنّ محللين يرون أن السعودية باتت تفكر بطريقة مختلفة، وأنها على استعدادا لتغيّر شكل “حرب النفط” العالمية.
وقالت ثلاثة مصادر لوكالة رويترز أنّ عددا من كبار مسؤولي الطاقة السعوديين تناقشوا حول خيار التخلّي عن الدولار في الأشهر الأخيرة.
وأكد مصدران أنّ الخطة السعودية نُوقشت مع أعضاء في منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك)، لكنهما لم يذكرا بشكل دقيق متى تم ذلك.
وصرّح مصدر مطلّع على سياسة النفط السعودية بأن الرياض ناقشت الأمر أيضا مع مسؤولين أميركيين كبار في مجال الطاقة.
وفي حال نفّذت الرياض تهديدها فسوف يتعيّن عليها أن تتخلى عن ربط سعر صرف ثابت للريال السعودي مع الدولار والذي يجري تداوله منذ عام 1986.
واحتمالات دخول مشروع نوبك حيّز التنفيذ ضئيلة، كما أن من المستبعد أن تمضي السعودية قُدما في تهديدها، ولكن مجرد بحث الرياض مثل هذه الخطوة الصارمة يعتبر دلالة على انزعاجها من التهديدات القانونية الأميركية المحتملة لأوبك.
وإذا نفّذت السعودية خطوتها، وهو أمر مستبعد، فإن من شأن هذا تقويض وضع الدولار كعملة أساسية للاحتياطي العالمي، وتقليص نفوذ واشنطن في التجارة العالمية وإضعاف قدرتها على إنفاذ العقوبات على حكومات الدول.
وبينما أكد أحد المصادر أن السعوديين يعرفون أن الدولار لديهم كخيار نووي، قال مصدر آخر إن “السعوديين يقولون: لندع الأميركيين يقرون نوبك وسيكون الانهيار من نصيب الاقتصاد الأميركي”.
ولم تعلّق وزارة الطاقة السعودية على الموضوع، لكن مسؤول بوزارة الخارجة الأميركية قال إنه “كمبدأ عام، لا نعلق على التشريعات التي لم يبتّ في أمرها”.
وكان وزير الطاقة الأميركي ريك بيري قد قال في وقت سابق إن “قانون نوبك قد يؤدي إلى عواقب غير مقصودة”.
وأُعلن عن نوبك لأول مرة في عام 2000 بهدف نزع الحصانة السيادية عن قانون مكافحة الاحتكار الأميركي، مما يمهّد الطريق أمام مقاضاة دول أوبك لكبح الإنتاج الذي يهدف إلى رفع أسعار النفط.
ورغم أن نوبك لم يتحوّل قط إلى قانون رغم المحاولات المتعددة، فقد اكتسب زخما منذ تولّى الرئيس دونالد ترامب منصبه.
وقال ترامب إنه يدعم نوبك وذلك في كتاب نشر في 2011 قبل انتخابه للرئاسة، وإن كان لم يعلن تأييده للفكرة كرئيس.
وبدلا من ذلك، شدد على أهمية العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، بما في ذلك بيع معدات عسكرية أميركية.

وسيلقى تحرّك السعودية للتخلي عن الدولار تجاوبا من جانب منتجين كبار للنفط من خارج أوبك مثل روسيا ومستهلكي الخام الكبيرين الصين والاتحاد الأوروبي، اللذين دعيا إلى تحركات لتنويع التجارة العالمية بعيدا عن الدولار لتقليص النفوذ الأميركي على الاقتصاد العالمي.
وسعت روسيا، الخاضعة لعقوبات أميركية، إلى بيع النفط باليورو واليوان الصيني لكن حجم مبيعاتها بالعملتين ليس كبيرا.
وتبيع فنزويلا وإيران، اللتان تخضعان أيضا لعقوبات أميركية، معظم نفطهما بعملات أخرى لكنهما لم تبذلا سوى القليل من الجهد لتحدي هيمنة الدولار في أسواق النفط العالمية.
لكن إذا انضمت السعودية، حليفة الولايات المتحدة إلى مجموعة بائعي النفط بغير الدولار فستكون خطوة أهم بكثير ومن المرجح أن تكسب زخما داخل هذا القطاع.
وتسيطر السعودية على 0.1 بالمئة من إنتاج النفط العالمي، مما يضعها على قدم المساواة تقريبا مع منافستيها الرئيسيتين وهما الولايات المتحدة وروسيا.
وتحمل شركتها النفطية أرامكو السعودية لقب أكبر مصدر للنفط في العالم بمبيعات قيمتها 356 مليار دولار العام الماضي.
وبناء على الأسعار، يمثل النفط ما يتراوح بين 2 إلى 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وفقا للتقديرات.
وعند السعر الحالي البالغ 70 دولارا للبرميل، فإن القيمة السنوية لإنتاج النفط العالمي 2.5 تريليون دولار.
ولا يجري تداول كل الكميات النفطية بالعملة الأميركية لكن 60 بالمئة منها على الأقل يجري تداولها عبر ناقلات وخطوط أنابيب عالمية مع إبرام غالبية تلك الصفقات بالدولار. كما أن التداول في المشتقات مثل العقود الآجلة للنفط والخيارات مقوم بالدولار بشكل أساسي.
وتداولت بورصتا آي.سي.أي وسي.أم.إي، أكبر بورصتين للطاقة في العالم، مليار كمية مكافئة من المشتقات النفطية في عام 2018 بقيمة بلغت نحو 5 تريليونات دولار.

وكان لمجرد احتمال وضع قانون نوبك تداعيات على أوبك، فقد انسحبت قطر، أحد الأعضاء الخليجيين الرئيسيين في المنظمة، من أوبك بالفعل.
وقال مصدران إنه على الرغم من تهديد السعودية بالتخلي عن الدولار فإنها لا تعتقد أنها ستكون في حاجة للمضيّ في تنفيذ هذا التهديد.
وقال أحد المصدرين “لا اعتقد أن قانون نوبك سيجري تمريره لكن السعوديين لديهم سيناريوهات ماذا لو”.
وفي حالة إقدام السعودية على هذه الخطوة الصارمة، فسيتطلب الأمر بعض الوقت ليظهر تأثيرها نظرا إلى وجود ممارسات مستمرة منذ عقود في القطاع ترتكز على الدولار الأميركي من الإقراض إلى عمليات المقاصة في البورصات.
وقال المصدران إن التهديدات المحتملة الأخرى التي أُثيرت خلال المناقشات السعودية بشأن الرد على قانون نوبك تشمل تسييل حيازات السعودية في الولايات المتحدة.
وتملك السعودية استثمارات بنحو تريليون دولار في الولايات المتحدة ولديها حيازات تبلغ نحو 160 مليار دولار في أدوات الخزانة الأميركية.
وتعتمد الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم، بكثافة على إمدادات السعودية وأوبك منذ عقود وتدعم الرياض عسكريا في الوقت نفسه في مواجهة إيران.
لكن ارتفاع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة قلص اعتماد واشنطن على أوبك وأتاح لها أن تكون أكثر حزما في تعاملها مع السعودية وغيرها من دول الشرق الأوسط.
وعلى مدى العام الماضي، دعا ترامب أوبك مرارا إلى ضخ المزيد من النفط لخفض أسعار الخام العالمية وربط مطالبه بالدعم السياسي للرياض، وهو أمر امتنعت الإدارات الأميركية السابقة عن فعله على الأقل على نحو علني.