الخلافات السياسية تعرقل انتشال قطاع الكهرباء اللبناني الغارق في أزماته

المواطنون في متاهة تقصير الدولة وابتزاز مافيا المولدات، وتأخر معالجة القطاع يدفع بيروت إلى شفا دمار مالي شامل.
الاثنين 2019/04/01
آفاق قاتمة في ظل انعدام الحلول

فاقمت الخلافات السياسية اللبنانية حالة التشاؤم بشأن الإسراع في حل أزمة انقطاع الكهرباء المزمنة، وسط معاناة المواطنين العالقين بين تقصير السلطات وابتزاز مافيا المولدات التي تحتكر القطاع مستغلة فشل الشركة الحكومية في إنهاء المشكلة بشكل جذري.

بيروت – دفعت أزمة الكهرباء في لبنان البلاد إلى شفا دمار مالي، في الوقت الذي يعرقل فيه انقطاع الكهرباء الاقتصاد. كما أدى الدعم المقدم لها إلى زيادة أعباء الدين العام .

وليست لدى لبنان القدرة على توفير الكهرباء على مدار الساعة منذ الحرب الأهلية التي استمرت من عام 1975 حتى عام 1990.

ويضطر الكثير من السكان إلى الاعتماد على مولدات كهرباء أو على أصحاب مولدات خاصة يتقاضون رسوما باهظة كي تظل بضعة مصابيح مضاءة أو لاستمرار عمل الأجهزة المنزلية أثناء انقطاع الكهرباء اليومي المعتاد.

وزيرة الطاقة ندى بستاني اقترحت زيادة الأسعار وبناء مولدات جديدة لكن خططها قوبلت بالرفض
وزيرة الطاقة ندى بستاني اقترحت زيادة الأسعار وبناء مولدات جديدة لكن خططها قوبلت بالرفض

وأصحاب المولدات الخاصة، الذين لا يخضعون بشكل كبير لضوابط، مسؤولون عن شبكة من كابلات الكهرباء في شوارع المدينة ويشتهرون باسم مافيا المولدات. ويقول أصحاب هذه المولدات إنهم يوفرون خدمة لا تستطيع الدولة توفيرها.

وتستخدم محطات الكهرباء القديمة التي تديرها الدولة زيت وقود باهظ التكلفة، وهو ما يزيد إلى جانب عادم المولدات التي تعمل بالديزل الذي يغطي المدن في دولة يقطنها 6 ملايين نسمة، في تفاقم الأزمة.

وتعهدت الحكومة بإجراء تغييرات، بما في ذلك تحسين جمع الفواتير للمساعدة في تمويل تكاليف إنشاء محطات أنظف وأكثر كفاءة. لكنها تحتاج إلى تمويل أجنبي، ما يعني زيادة أسعار الكهرباء وغيرها من الإصلاحات التي تكافح الحكومة لتحقيقها.

وتقول الحكومة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي إن إصلاح الكهرباء حيوي لخفض الدين الذي يعادل الآن نحو 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ويؤكد المسؤولون اللبنانيون أن صافي التحويلات لشركة كهرباء لبنان المملوكة للدولة يمثل الآن ما بين مليار و1.5 مليار دولار في العام وينفق معظمها على زيت الوقود. وهذا يعادل نحو ربع عجز الميزانية العام الماضي البالغ 4.8 مليار دولار.

واعترف وزير الاقتصاد والتجارة، رائد خوري، في أكتوبر الماضي بأن آلية اتخاذ القرارات الحكومية بالإجماع تؤخر حل أزمة الكهرباء بما فيها مسألة الاستغناء عن المولدات، الذي هو أمر غير شرعي وغير مستدام.

وقال إن “تأمين الكهرباء لمدة 24 ساعة يحتاج إلى ثلاث سنوات وبناء منشآت لتوليد الكهرباء يحتاج إلى قرارات تأخذها الحكومة مجتمعة”.

وقال صندوق النقد في عام 2016 إن التكلفة المتراكمة لدعم شركة كهرباء لبنان تعادل نحو 40 بالمئة من إجمالي ديون لبنان.

ويرى البنك الدولي أن نقص الكهرباء يأتي في المرتبة الثانية بعد عدم الاستقرار السياسي في عرقلة النشاط التجاري، رغم أن الاقتصاد انتعش بمعدل سنوي تراوح بين واحد واثنين في المئة فقط في السنوات الأخيرة.

والاعتماد على محطات الكهرباء التي تعمل بزيت الوقود ومولدات الكهرباء التي تعمل بالسولار له مخاطر صحية أيضا، حيث أنه يسبب تلوث الهواء الذي يمكن أن يؤدي إلى أمراض الجهاز التنفسي.

ووفقا لبيانات رسمية صادرة عام 2014، فإن تلوث الهواء في بيروت يزيد ثلاث مرات عن المعدلات التي تعتبرها منظمة الصحة العالمية خطرا.

30 مليار دولار، عجز مؤسسة كهرباء لبنان، فيما يكلف القطاع الخزينة أكثر من 1.6 مليار دولار سنويا

ومنذ 1996 لم تتغير أسعار الكهرباء، عندما كان سعر النفط لا يتجاوز 23 دولارا للبرميل. والآن يقترب سعر النفط من 70 دولارا، إلا أن رفع السعر مقابل عدم حصول المستهلك على خدمة جيدة يعد أمرا صعبا.

ولا يتجاوز متوسط قدرة محطات الكهرباء الرئيسية ألفي ميغاواط مقارنة مع طلب يبلغ في ذروته 3400 ميغاواط.

وبالنسبة لبيروت التي تعد أفضل مدينة يتم تزويدها بالكهرباء فإن هذا يعني انقطاعا يوميا لمدة ثلاث ساعات. أما باقي مناطق البلاد فإن ذلك يمكن أن يعني انقطاع الكهرباء معظم اليوم.

ويسعى لبنان الآن إلى إقامة محطات تعمل بالغاز وبتمويل خاص، لكنه لا يملك حتى الآن جهة تنظيمية يمكن أن تحدد الأسعار أو تقوم بالتحكيم في النزاعات بين الحكومة ومنتجي الكهرباء.

ويمثل أيضا التوزيع وجمع العائدات مشاكل كبيرة، حيث تحصل شركة كهرباء لبنان على مدفوعات تمثل نصف الكهرباء التي تنتجها فقط.

ويتم فقد البعض من امدادات الكهرباء بسبب تهالك شبكة النقل، بالإضافة إلى سرقة إمدادات أخرى في عدة مناطق من خلال كابلات غير مرخصة.

وفي عام 2012، كلفت الحكومة شركات خاصة بالقيام بأعمال القياس وإعداد الفواتير وتحصيلها لصالح شركة كهرباء لبنان، إلا أنها لم توفر لها السلطة الكافية لفرض عملية الدفع.

وطيلة ثلاثة عقود، بذل لبنان جهدا بشكل متقطع لإنهاء انقطاع الكهرباء لعقود، إلا أن جهوده أحبطها الصراع وعدم الاستقرار وتحديات صنع السياسات في نظام حكومي يعتمد على توازن دقيق للمصالح عبر التجمعات الطائفية في البلاد.

جيسيكا عبيد: شركات مولدات الكهرباء الخاصة لعبت دورا في عرقلة الإصلاحات
جيسيكا عبيد: شركات مولدات الكهرباء الخاصة لعبت دورا في عرقلة الإصلاحات

وظلت الدولة بلا رئيس من عام 2014 حتى عام 2016 وباشرت حكومة مؤقتة عملها لمدة تسعة أشهر حتى فبراير من هذا العام بسبب التناحر السياسي على المناصب الوزارية.

وحتى بعد تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري فإنها لا تملك سوى موارد قليلة لا تكفي للإنفاق على البنية الأساسية للكهرباء لأن نصف عائدات الدولة تقريبا مطلوب لخدمة الدين العام.

وأدى ذلك إلى إصلاحات سريعة بدلا من حلول طويلة الأمد مثل استئجار محطات توليد كهرباء عائمة تعمل بزيت الوقود على مراكب مدفوعة الأجر.

ونسبت وكالة رويترز للمتخصصة في الطاقة بمنظمة استدامة البترول والطاقة في لبنان جيسيكا عبيد قولها إن “شركات مولدات الكهرباء الخاصة لعبت دورا في عرقلة الإصلاحات ولكن المناورات بين الأحزاب السياسية المتناحرة كانت مسؤولة أيضا عن ذلك”.

وكان البنك الدولي ومستثمرون آخرون قد تعهدوا باستثمار قرابة 11 مليار دولار في البنية الأساسية بما في ذلك الكهرباء، لكن هذه الاستثمارات لن تأتي إلا إذا نفذت الحكومة إصلاحات مثل تحديد مسار لزيادة أسعار الكهرباء.

واقترحت وزيرة الطاقة ندى بستاني زيادة الأسعار ووضعت الخطوط العريضة لإقامة مولدات جديدة للطاقة، إلا أن خططها واجهت معارضة من أحزاب سياسية أخرى ممثلة في الحكومة.

لكن هذه المرة قال زعماء من مختلف الفصائل السياسية إن حل أزمة الطاقة ضروري واتفقوا على بيان سياسي لمراجعة التعريفات وتوفير إمدادات كهرباء على مدى 24 ساعة في “أقرب وقت ممكن”، ولم يحددوا بعد موعدا لتحقيق ذلك.

ويكلف قطاع الكهرباء خزينة الدولة أكثر من 1.6 مليار دولار سنويا، أي نحو 20 بالمئة من إجمالي وارداتها ووصل عجز الشركة الحكومية منذ 1992 إلى 30 مليار دولار، وفق أحدث البيانات.

10